التهاب السحايا البكتيري: الأسباب والعلاج

التهاب السحايا البكتيري: الأسباب، الأعراض، التشخيص، العلاج والمضاعفات

يُعد التهاب السحايا البكتيري من أخطر أنواع التهاب السحايا، وهو حالة طبية طارئة تستدعي التدخل السريع بسبب إمكانية تطوره السريع إلى مضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة أو الإعاقة الدائمة. يحدث هذا الالتهاب نتيجة غزو الأغشية السحائية المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي بواسطة بكتيريا ممرضة، وتتميز الحالة ببدء مفاجئ لأعراض شديدة تتضمن الحمى، وتصلب الرقبة، والاضطرابات العصبية. تتفاوت نسب الإصابة حسب الفئة العمرية والموقع الجغرافي، وغالباً ما تؤثر بشكل خاص على الأطفال دون سن الخامسة، وكبار السن، والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.

تعريف التهاب السحايا البكتيري

التهاب السحايا هو التهاب يصيب السحايا، وهي الأغشية الثلاثة التي تحيط وتحمي الدماغ والنخاع الشوكي. عندما يكون المسبب بكتيريًا، يُطلق عليه “التهاب السحايا البكتيري”، ويُعتبر أكثر خطورة من نظيره الفيروسي. تنتقل البكتيريا المسببة عادةً من الجهاز التنفسي إلى مجرى الدم، ثم إلى الجهاز العصبي المركزي، مخترقة الحاجز الدموي الدماغي.

البكتيريا المسببة

تتعدد الأنواع البكتيرية القادرة على إحداث التهاب السحايا، وتختلف حسب العمر والحالة الصحية العامة للمريض، ومن أبرز هذه الأنواع:

طرق العدوى وانتقال البكتيريا

تنتقل العدوى بالبكتيريا المسببة لالتهاب السحايا البكتيري غالبًا عن طريق:

• الرذاذ التنفسي الناتج عن العطاس أو السعال.

• الاتصال المباشر مع اللعاب أو إفرازات الأنف.

• انتقال عمودي من الأم إلى الطفل أثناء الولادة.

• تناول الأغذية الملوثة خاصة في حالات Listeria monocytogenes.

بمجرد أن تدخل البكتيريا إلى مجرى الدم، يمكنها أن تصل إلى الجهاز العصبي المركزي عبر الحاجز الدموي الدماغي، مسببةً الالتهاب في السحايا.

العوامل المؤهبة

تزيد بعض العوامل من احتمالية الإصابة بالتهاب السحايا البكتيري، وتشمل:

• عدم تلقي التطعيمات الأساسية.

• ضعف الجهاز المناعي (كما في مرضى الإيدز، أو متلقي العلاج الكيماوي).

• الإصابات الرضحية في الرأس.

• جراحة الدماغ أو عمليات زراعة القوقعة.

• أمراض مزمنة كمرض السكري أو أمراض الكبد.

• الحياة في بيئات مزدحمة (مثل السجون أو المهاجع الجامعية).

الأعراض السريرية

تتسم الأعراض ببداية سريعة وشديدة، وتختلف باختلاف الفئة العمرية، لكن أكثرها شيوعاً:

لدى البالغين:

• ارتفاع حاد في درجة الحرارة.

• صداع شديد لا يستجيب للمسكنات.

• تيبّس الرقبة.

• الحساسية تجاه الضوء (رهاب الضوء).

• الارتباك أو فقدان الوعي.

• قيء وغثيان.

• نوبات تشنجية.

لدى الأطفال:

• بكاء مستمر وضعف الشهية.

• انتفاخ اليافوخ (المنطقة اللينة في رأس الرضيع).

• سبات أو خمول مفرط.

• صعوبة في التنفس أو مص الحليب.

• برودة الأطراف.

التشخيص

يعتمد تشخيص التهاب السحايا البكتيري على عدة خطوات ضرورية ومتكاملة تشمل:

1. الفحص السريري

يقوم الطبيب بتقييم الأعراض، مثل تيبّس الرقبة، وحالة الوعي، ووجود طفح جلدي (في حالة Neisseria meningitidis).

2. التحاليل المخبرية

• البزل القطني (Lumbar Puncture): الخطوة الأساسية لتشخيص التهاب السحايا، حيث يتم تحليل السائل الدماغي الشوكي (CSF) للكشف عن:

  • زيادة الكريات البيضاء.

  • ارتفاع البروتين.

  • انخفاض مستوى الجلوكوز.

  • وجود البكتيريا بالفحص المجهري أو بالزراعة.

• تحاليل الدم: مثل سرعة ترسيب الدم (ESR) والبروتين التفاعلي (CRP) ومزارع الدم.

3. الفحوصات التصويرية

• التصوير المقطعي أو بالرنين المغناطيسي: يستخدم في الحالات التي يُشتبه فيها بوجود وذمة دماغية أو مضاعفات قبل إجراء البزل القطني.

العلاج

العلاج الفوري والفعّال هو مفتاح النجاة وتقليل المضاعفات. يتضمن العلاج:

1. المضادات الحيوية

يُعطى العلاج بالمضادات الحيوية عن طريق الوريد مباشرة فور الاشتباه بالإصابة، دون انتظار نتائج البزل القطني. وتُختار المضادات الحيوية حسب العمر والمسبب المحتمل، ومن أشهرها:

• Ceftriaxone أو Cefotaxime

• Vancomycin

• Ampicillin (خاصة في حالات الاشتباه بالليستيريا)

2. الكورتيكوستيرويدات

مثل Dexamethasone تُعطى للحد من الالتهاب وتقليل خطر المضاعفات العصبية، خاصةً في حالات المكورات الرئوية.

3. العناية الداعمة

• إعطاء السوائل الوريدية.

• السيطرة على الحرارة والألم.

• الأوكسجين عند الحاجة.

• المراقبة في وحدة العناية المركزة في الحالات الشديدة.

المضاعفات المحتملة

رغم نجاح العلاج، إلا أن التهاب السحايا البكتيري يمكن أن يُخلّف مضاعفات طويلة الأمد، مثل:

• فقدان السمع (أكثر المضاعفات شيوعًا).

• التخلف العقلي أو صعوبات التعلم.

• شلل في الأعصاب القحفية.

• الصرع.

• فقدان البصر.

• اضطرابات سلوكية.

• في الحالات الشديدة: الوفاة (تصل النسبة إلى 10-30% في بعض الحالات رغم العلاج المناسب).

الوقاية والتطعيم

تُعد الوقاية حجر الزاوية في الحد من انتشار التهاب السحايا البكتيري، ويتم ذلك عبر:

1. اللقاحات

• لقاح المكورات الرئوية (PCV).

• لقاح المستدمية النزلية نوع B (Hib).

• لقاح النيسرية السحائية (MenACWY وMenB).

• لقاح اللقاح ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR): يقلل من الالتهابات الثانوية.

2. الوقاية الكيميائية

تُعطى المضادات الحيوية وقائياً للمخالطين المباشرين للحالات المصابة بالنيسرية السحائية.

3. النظافة الشخصية

• غسل اليدين بانتظام.

• تجنب مشاركة أدوات الطعام والشراب.

• تهوية الأماكن المغلقة.

الجدول الزمني للتطعيمات الأساسية (ملخص)

الوبائيات العالمية

تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن التهاب السحايا البكتيري يُسجل ما يقارب 2.5 مليون حالة سنويًا حول العالم، مع ما يزيد عن 250 ألف حالة وفاة. وتُعد “منطقة حزام التهاب السحايا” في إفريقيا الواقعة بين السنغال وإثيوبيا من أعلى المناطق تسجيلًا للحالات بسبب الظروف البيئية والتطعيمات المحدودة.

الخاتمة

التهاب السحايا البكتيري يُعد تحدياً طبياً حقيقياً بسبب تطوره السريع وخطورته الفائقة على الجهاز العصبي المركزي. سرعة التشخيص والمباشرة بالعلاج تعدّان من العوامل الحاسمة للشفاء وتقليل خطر المضاعفات. ومن جهة أخرى، فإن التوعية الصحية وتغطية اللقاحات تمثل خط الدفاع الأول ضد هذا المرض. يبقى الالتزام بالوقاية والتدخل السريع أساسًا لتقليل الأعباء الصحية والاجتماعية الناتجة عن هذا المرض.

المراجع:

1. World Health Organization. Meningitis: Factsheet. https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/meningitis

2. Centers for Disease Control and Prevention. Bacterial Meningitis. https://www.cdc.gov/meningitis/index.html