التهاب البلعوم الحاد (اللوز) في الأطفال: دراسة شاملة

يُعد التهاب البلعوم الحاد، المعروف شعبياً بـ “التهاب اللوز” أو pharyngitis، من أكثر الأمراض شيوعاً لدى الأطفال في مختلف الأعمار. يعاني الطفل المصاب بهذا الالتهاب من أعراض مزعجة تؤثر على قدرته على الأكل، الكلام، والنوم، مما يجعل هذا المرض من الحالات التي تستدعي اهتماماً طبياً دقيقاً. في هذا المقال سيتم تناول كل الجوانب المتعلقة بالتهاب البلعوم الحاد عند الأطفال، بدءاً من التعريف والأسباب مروراً بالأعراض، التشخيص، طرق العلاج، والمضاعفات المحتملة، وصولاً إلى أساليب الوقاية الفعالة.

مفهوم التهاب البلعوم الحاد (اللوز)

التهاب البلعوم هو حالة التهابية تصيب الحلق واللوزتين، حيث تؤدي إلى تورم واحمرار في منطقة الحلق وقد تصاحبها آلام شديدة عند البلع. أما التهاب اللوزتين فهو نوع محدد من التهاب البلعوم يصيب اللوزتين تحديداً، اللوزتان هما غدتان لمفاويتان تقعان في مؤخرة الحلق وتلعبان دوراً أساسياً في الجهاز المناعي للطفل، حيث تساعدان في مقاومة العدوى.

تحدث الإصابة بالتهاب البلعوم الحاد غالباً نتيجة عدوى فيروسية أو بكتيرية، وتختلف حدة الأعراض ونوع العلاج تبعاً لمسببات المرض.

أسباب التهاب البلعوم الحاد عند الأطفال

تتعدد مسببات التهاب البلعوم الحاد، وأبرزها:

1. العدوى الفيروسية

تشكل العدوى الفيروسية السبب الأكثر شيوعاً لالتهاب البلعوم عند الأطفال، وتشمل الفيروسات التالية:

• فيروس الإنفلونزا (Influenza virus)

• فيروس الجهاز التنفسي المخلوي (Respiratory Syncytial Virus – RSV)

• فيروس أدينوفيروس (Adenovirus)

• فيروس كورونا الأنفي (Rhinovirus)

• فيروس إبشتاين-بار (Epstein-Barr Virus – المسبب لداء كثرة الوحيدات)

تتميز العدوى الفيروسية عادةً بأعراض معتدلة إلى متوسطة، وقد تصاحبها أعراض أخرى مثل سيلان الأنف، الكحة، واحتقان العين.

2. العدوى البكتيرية

تُعد العدوى البكتيرية، وأشهرها بكتيريا المكورات العقدية من المجموعة A (Group A Streptococcus – GAS)، مسؤولة عن نوع أكثر حدة من التهاب البلعوم يُعرف باسم “التهاب الحلق العقدي” أو “التهاب اللوز العقدي”. هذه البكتيريا تنتقل بسهولة بين الأطفال وتسبب التهاباً حاداً يتطلب العلاج بالمضادات الحيوية.

أعراض التهاب البلعوم الحاد عند الأطفال

تظهر أعراض التهاب البلعوم الحاد على الطفل بشكل واضح ومؤلم، ومن أبرز هذه الأعراض:

• ألم شديد في الحلق، خاصة عند البلع.

• احمرار وتورم في اللوزتين مع احتمال وجود بقع بيضاء أو صديد.

• ارتفاع في درجة الحرارة قد يصل إلى 39-40 درجة مئوية.

• تورم الغدد الليمفاوية في الرقبة.

• صداع وألم في الجسم بشكل عام.

• صعوبة في الكلام أو البلع.

• فقدان الشهية والتهيج.

• أحياناً سيلان أنف، كحة أو بحة في الصوت، خاصة إذا كانت العدوى فيروسية.

في الحالات الناتجة عن المكورات العقدية، قد تظهر بقع دم صغيرة على الحنك أو طفح جلدي يسمى “حمى القرمزية” (Scarlet fever) وهي طفح أحمر مميز يظهر في بعض الحالات.

تشخيص التهاب البلعوم الحاد

يعتمد التشخيص على الفحص السريري الدقيق بالإضافة إلى استخدام بعض الوسائل المساعدة، حيث يقوم الطبيب بفحص الحلق واللوزتين، ملاحظاً درجة الاحمرار والتورم ووجود الصديد أو البقع البيضاء.

الفحوصات المخبرية

• اختبار المسحة السريعة للمكورات العقدية (Rapid Antigen Detection Test – RADT): هو اختبار سريع يكشف وجود بكتيريا المكورات العقدية من عينة مأخوذة من الحلق.

• زراعة الحلق: تستخدم لتأكيد وجود البكتيريا وتحديد نوعها بدقة، رغم أنها تستغرق وقتاً أطول.

• فحوصات الدم: قد يطلب الطبيب فحوصات دم للتأكد من وجود عدوى فيروسية معينة أو لقياس عدد خلايا الدم البيضاء.

علاج التهاب البلعوم الحاد عند الأطفال

يتوقف العلاج على نوع العدوى المسببة للالتهاب، وكذلك على شدة الأعراض وعمر الطفل.

1. علاج العدوى الفيروسية

لا توجد مضادات حيوية للفيروسات، لذا يتركز العلاج على التخفيف من الأعراض مثل:

• تناول مسكنات الألم وخافضات الحرارة مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.

• شرب كميات كافية من السوائل الدافئة.

• الراحة التامة والابتعاد عن الأنشطة الشاقة.

• استخدام غسولات الفم الملحية الدافئة لتخفيف ألم الحلق.

• تجنب التدخين أو التعرض للدخان لأنه يزيد تهيج الحلق.

2. علاج العدوى البكتيرية

عندما تكون العدوى ناجمة عن بكتيريا المكورات العقدية، يتوجب استخدام المضادات الحيوية، وغالباً ما تكون:

• البنسلين أو الأموكسيسيلين هو الخيار الأول لعلاج التهاب الحلق العقدي.

• في حالات الحساسية للبنسلين، يمكن استخدام أنواع أخرى مثل الإريثرومايسين.

يجب الالتزام الكامل بدورة المضاد الحيوي لمدة 10 أيام لضمان القضاء التام على البكتيريا ومنع المضاعفات.

مضاعفات التهاب البلعوم الحاد عند الأطفال

إذا لم يُعالج التهاب البلعوم البكتيري بشكل مناسب، قد تحدث مضاعفات خطيرة منها:

• حمى روماتيزمية: التهاب يؤثر على القلب والمفاصل، وهو من مضاعفات التهاب الحلق العقدي غير المعالج.

• التهاب الكلية التالي للعقدية: يؤثر على الكلى ويسبب تورماً وارتفاع ضغط الدم.

• خراج اللوزتين: تجمع صديدي حول اللوزتين يسبب ألم شديد، صعوبة في البلع والتنفس، وقد يحتاج لتدخل جراحي.

• انتشار العدوى: إلى مناطق أخرى مثل الأذن الوسطى (التهاب الأذن الوسطى) أو الجيوب الأنفية.

هذه المضاعفات تبرز أهمية التشخيص المبكر والعلاج الصحيح.

الوقاية من التهاب البلعوم الحاد

تتعدد الإجراءات التي تساعد على تقليل خطر الإصابة بالتهاب البلعوم الحاد عند الأطفال، ومنها:

• غسل اليدين بانتظام وبشكل صحيح.

• تجنب مشاركة أدوات الطعام والشراب.

• تغطية الفم عند السعال أو العطس.

• الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة الأماكن التي يتردد عليها الأطفال.

• تقوية المناعة من خلال التغذية السليمة والنوم الكافي.

• تجنب التعرض المباشر للأطفال المرضى خاصةً في حالات العدوى البكتيرية.

تأثير التهاب البلعوم الحاد على الحياة اليومية للأطفال

يمكن أن يؤثر التهاب البلعوم بشكل ملحوظ على جودة حياة الطفل، حيث يعاني من ألم مزمن في الحلق، صعوبة في تناول الطعام، ونقص في النوم. هذه العوامل تؤثر على نشاطه المدرسي والاجتماعي. لذلك، من المهم معالجة المرض بسرعة وفعالية لتقليل فترة المرض وتأثيراته السلبية.

دراسة مقارنة بين التهاب البلعوم الفيروسي والبكتيري

الخلاصة

يُعتبر التهاب البلعوم الحاد عند الأطفال من الحالات المرضية المتكررة التي تتطلب وعياً طبياً دقيقاً. معرفة الفرق بين أنواع العدوى المسببة للمرض يساعد في تحديد العلاج المناسب، والالتزام بالعلاج والوقاية يقللان من مخاطر المضاعفات ويعززان صحة الطفل العامة. الاهتمام بالنظافة الشخصية، تقديم الدعم الغذائي، والمتابعة الطبية المستمرة من أهم الركائز التي تضمن عودة الطفل إلى نشاطه الطبيعي في أسرع وقت ممكن.

المصادر والمراجع

1. Mayo Clinic. Pharyngitis (Sore throat). Available at: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/sore-throat/symptoms-causes/syc-20351635

2. American Academy of Pediatrics. Clinical practice guideline for the diagnosis and management of group A streptococcal pharyngitis. Pediatrics. 2012;130(4):e1077–e1084.