التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

التهاب الأذن الوسطى هو من أكثر الأمراض شيوعًا التي تصيب الأطفال، ويُعد أحد الأسباب الرئيسية لزيارة الأهل للطبيب وطلب العلاج. يتعرض الأطفال لهذا المرض بسبب الخصائص التشريحية والوظيفية لجهازهم التنفسي والأذن، ما يجعلهم عرضة لالتهابات الأذن الوسطى بشكل متكرر أكثر من البالغين. يعد التهاب الأذن الوسطى حالة التهابية تحدث في الفراغ بين طبلة الأذن والأذن الداخلية، حيث يتجمع السائل خلف طبلة الأذن، ويصاحبه عادةً ألم شديد أو حمى، وقد يؤثر على السمع مؤقتًا. من المهم التعرّف على أسباب المرض، أعراضه، طرق التشخيص، وأساليب العلاج المناسبة للحد من مضاعفاته وتحسين جودة حياة الطفل.

تعريف التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

التهاب الأذن الوسطى (Acute Otitis Media – AOM) هو التهاب حاد يصيب الجزء الأوسط من الأذن، وهو فراغ محاط بالعظام يقع خلف طبلة الأذن، يحتوي على عظيمات صغيرة تساعد في نقل الصوت من الأذن الخارجية إلى الأذن الداخلية. في حالات الالتهاب، يمتلئ هذا الفراغ بالسوائل أو القيح نتيجة العدوى، ما يؤدي إلى الشعور بالألم والضغط، وقد يصاحب ذلك فقدان مؤقت للسمع.

يُعتبر التهاب الأذن الوسطى حالة طبية شائعة جدًا بين الأطفال، خاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و3 سنوات، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل مرتبطة بتطور الجهاز المناعي والخصائص التشريحية لأنابيب الأذن (أنابيب استاكيوس).

الأسباب وعوامل الخطر

تتعدد أسباب التهاب الأذن الوسطى بين عوامل بكتيرية و فيروسية، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالبيئة والجهاز المناعي.

الأسباب المعدية

1. البكتيريا:

   • أكثر أنواع البكتيريا شيوعًا في التسبب بالتهاب الأذن الوسطى هي: المكورات الرئوية (Streptococcus pneumoniae)، الهيموفيلوس الإنفلونزا (Haemophilus influenzae)، والمكورات العقدية (Moraxella catarrhalis).

2. الفيروسات:

   • الفيروسات التي تسبب نزلات البرد والإنفلونزا مثل فيروس الرينوفيروس وفيروس الأنفلونزا قد تساهم في حدوث الالتهاب أو تجعل الأذن أكثر عرضة للعدوى البكتيرية الثانوية.

عوامل تزيد من خطر الإصابة

• العمر: الأطفال أقل من 3 سنوات هم الأكثر عرضة، بسبب صغر حجم أنابيب استاكيوس وقصرها مما يسهل تراكم السوائل والعدوى.

• التعرض لدخان السجائر: يزيد من التهيج والتهاب الممرات التنفسية.

• التغذية: الأطفال الذين يرضعون صناعيًا أكثر عرضة مقارنة بالرضاعة الطبيعية.

• الإقامة في دور الحضانة: انتشار العدوى بشكل أسرع في بيئات تجمع الأطفال.

• الحساسية الموسمية أو المزمنة: تؤدي إلى انسداد الأنابيب الأنفية والوسطى.

• تاريخ عائلي: وجود إصابات سابقة في الأسرة يزيد من احتمالية الإصابة.

تشريح الأذن الوسطى وأنابيب استاكيوس ودورها في المرض

الأذن الوسطى هي تجويف هوائي محاط بالعظام، متصل بالحلق من خلال أنابيب استاكيوس التي تلعب دورًا رئيسيًا في التهوية وتصريف السوائل من الأذن الوسطى إلى البلعوم. عند الأطفال، تكون هذه الأنابيب أقصر وأفخم وأكثر أفقية مقارنة بالبالغين، ما يجعل من الصعب تصريف السوائل والتهوية الجيدة، مما يؤدي إلى تراكم السوائل وتهيئة بيئة مناسبة لنمو الجراثيم.

الأعراض السريرية لالتهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

تختلف الأعراض باختلاف عمر الطفل وشدة الالتهاب، لكن هناك علامات شائعة تشير إلى الإصابة:

• ألم في الأذن: غالبًا ما يشكو الطفل من ألم حاد ومتكرر، قد يعبر عنه بالبكاء المتواصل، حك الأذن، أو تمسح الوجه.

• ارتفاع درجة الحرارة: حمى متوسطة إلى عالية خاصة في الأطفال الصغار.

• انزعاج واضطراب في النوم: نتيجة للألم والشعور بالضغط.

• تغيرات في السمع: شعور بانسداد الأذن أو ضعف السمع المؤقت.

• سائل يخرج من الأذن: قد يظهر في حالة تمزق طبلة الأذن.

• أعراض عامة: مثل فقدان الشهية، الغثيان، والقيء في بعض الحالات.

مراحل تطور المرض

1. المرحلة الأولى (التهاب الأنابيب والتهوية): انسداد أنابيب استاكيوس واحتباس السوائل.

2. المرحلة الثانية (تكوين السوائل والتهاب الأذن الوسطى): تراكم السوائل وبدء العدوى.

3. المرحلة الثالثة (تمزق طبلة الأذن أو استمرارية الالتهاب): في الحالات الشديدة، قد يؤدي الضغط إلى تمزق طبلة الأذن وتصريف القيح.

التشخيص الطبي

يعتمد التشخيص بشكل رئيسي على الفحص السريري، حيث يستخدم الطبيب منظار الأذن لفحص طبلة الأذن وتحديد وجود احمرار أو انتفاخ أو سائل خلفها. في بعض الحالات، قد يُستخدم اختبار الموجات الصوتية أو الأشعة لتقييم حالة الأذن الوسطى، خصوصًا في حالات الالتهاب المزمن أو المتكرر.

التشخيص الدقيق يتطلب تمييز التهاب الأذن الوسطى عن أمراض أخرى تسبب أعراضًا مشابهة، مثل التهاب الأذن الخارجية أو أمراض الجهاز التنفسي العلوي.

مضاعفات التهاب الأذن الوسطى

رغم أن معظم حالات التهاب الأذن الوسطى تزول بالعلاج المناسب، إلا أن إهمال العلاج أو تكرار الإصابة قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها:

• تمزق طبلة الأذن: يحدث عندما يزداد الضغط داخل الأذن الوسطى مما يؤدي إلى خروج القيح عبر الثقب في الطبلة.

• التهاب الأذن الوسطى المزمن: تراكم السوائل لفترات طويلة قد يؤدي إلى ضعف السمع الدائم.

• التهاب الخشاء: انتشار الالتهاب إلى العظم الخشائي خلف الأذن.

• التهاب السحايا أو خراج الدماغ: مضاعفات نادرة لكنها خطيرة تتطلب علاجًا فوريًا.

• تأخر في النطق والتطور اللغوي: بسبب ضعف السمع المؤقت أو الدائم في مرحلة النمو.

العلاج الطبي لالتهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

يعتمد العلاج على تقييم الحالة، عمر الطفل، وشدة الأعراض، ويمكن تلخيص الخيارات العلاجية فيما يلي:

العلاج الدوائي

• المضادات الحيوية: تُستخدم في الحالات التي يشخص فيها التهاب بكتيري أو في الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين، أو الحالات التي لا تتحسن خلال 48-72 ساعة. أكثر المضادات استخدامًا هي أموكسيسيلين (Amoxicillin) بجرعات مناسبة للأطفال.

• مسكنات الألم وخافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول والإيبوبروفين لتخفيف الألم والحمى.

• قطرات الأذن: قد تستخدم في حالات معينة ولكن يجب أن تكون آمنة ولا تتجاوز حدود الاستخدام.

العلاج غير الدوائي

• تدفئة الأذن: وضع كمادات دافئة على الأذن المصابة يساعد على تخفيف الألم.

• الراحة وشرب السوائل: لتعزيز المناعة وتسريع الشفاء.

• تجنب التدخين والأماكن الملوثة: لتقليل التهيج والتهاب الممرات التنفسية.

التدخلات الجراحية

في الحالات المتكررة أو المزمنة، أو عند تراكم السوائل بشكل مستمر خلف طبلة الأذن مع تأثير على السمع، قد يوصي الطبيب بإجراء جراحي بسيط يُعرف بـ “تثقيب طبلة الأذن” (Myringotomy) مع إدخال أنبوب تهوية (Tympanostomy tube) لتصريف السوائل وتهوية الأذن الوسطى.

الوقاية من التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

يمكن تقليل خطر الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى من خلال الإجراءات التالية:

• تشجيع الرضاعة الطبيعية لما لها من دور في تقوية مناعة الطفل.

• تقليل تعرض الطفل للدخان والملوثات البيئية.

• تجنب الزيارات المتكررة لأماكن التجمعات الكبيرة خصوصًا في فترات انتشار نزلات البرد والإنفلونزا.

• الحصول على التطعيمات الأساسية مثل لقاح الإنفلونزا ولقاح المكورات الرئوية.

• معالجة الحساسية والالتهابات التنفسية بشكل مبكر لمنع انسداد الأنابيب الأنفية.

• المحافظة على نظافة اليدين لتقليل انتقال العدوى.

تأثير التهاب الأذن الوسطى على النمو والتطور

التهاب الأذن الوسطى المزمن والمتكرر يؤثر على تطور السمع عند الأطفال، وهو أمر بالغ الأهمية لنمو المهارات اللغوية والتواصلية. ضعف السمع المزمن قد يؤدي إلى تأخر في تعلم الكلام وفهم اللغة، ما يؤثر بدوره على الأداء الدراسي والاجتماعي. لذلك فإن التشخيص المبكر والعلاج الفعال مهمان للحفاظ على صحة الطفل وتطوره السليم.

مقارنة بين أنواع التهاب الأذن الوسطى

المصادر والمراجع

1. Pichichero ME. “Acute Otitis Media: Part I. Improving Diagnostic Accuracy.” American Family Physician. 2000.

2. Lieberthal AS, Carroll AE, Chonmaitree T, et al. “The diagnosis and management of acute otitis media.” Pediatrics. 2013.

يشكل التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال تحديًا صحيًا شائعًا يتطلب اهتمامًا طبيًا مستمرًا لضمان الشفاء السريع والوقاية من المضاعفات، عبر الفهم الجيد لأسباب المرض وطرق علاجه ومتابعته بشكل دوري.