التكبر في الإسلام وآثاره

التكبر في الإسلام: مفهومه، أنواعه، وأضراره

يُعد التكبر من الصفات الذميمة التي حذر منها الإسلام بشدة، واعتبرها من أخطر الأمراض القلبية التي تُفسد على الإنسان دينه ودنياه وآخرته. فهو خلق مذموم يتنافى مع جوهر الإيمان، ويقود صاحبه إلى الاغترار بالنفس والتعالي على الناس، مما يُفضي به إلى فساد العلاقات، ورفض الحق، ونبذ التواضع الذي هو من شيم الأنبياء والصالحين.

أولاً: تعريف التكبر

التكبر لغةً مأخوذ من الكِبَر، وهو العُظم، ويُقال: تكبّر الرجل إذا أظهر العظمة والخيلاء وتجاوز قدره. أما في الاصطلاح الشرعي، فقد بيّن النبي ﷺ حقيقته بقوله:

“الكبر بطر الحق وغمط الناس” (رواه مسلم)، أي: التكبر هو رفض الحق عند ظهوره، واحتقار الناس والاستخفاف بهم.

ويدخل في التكبر معاني التعاظم بالنسب، أو الجاه، أو المال، أو العلم، أو العبادة، أو المنصب، أو أي فضل دنيوي أو ديني يراه الإنسان في نفسه فيزدري به غيره.

ثانياً: ذم التكبر في القرآن الكريم

لقد ورد التكبر في آيات كثيرة من كتاب الله مقروناً بالعذاب، وذُكر في سياق الذم الشديد، إذ إن المتكبرين في الغالب يُقابلون الحق بالعناد ويُظهرون الترفع عن قبول النصيحة والإرشاد، كما حدث مع إبليس حين تكبر عن السجود لآدم وقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف:12]، فاستحق الطرد من رحمة الله.

ومن الآيات التي تدين التكبر:

• {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر:60]

• {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} [غافر:35]

• {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف:146]

• {ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} [الإسراء:37]

ثالثاً: التكبر في السنة النبوية

وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله ﷺ تفضح حال المتكبرين وتحذر من عواقب الكبر في الدنيا والآخرة، ومنها قوله:

“لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر” (رواه مسلم).

وفي رواية أخرى قال ﷺ:

“يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان” (رواه الترمذي).

وهذا يدل على أن التكبر يُفسد على الإنسان دينه، ويحرمه من الجنة إن لم يتب ويتواضع. فمهما صغرت هذه الخصلة في نظره، فإنها عظيمة عند الله، لأنها تُنافي الإيمان الصادق الذي يدفع صاحبه إلى التواضع لله ولعباده.

رابعاً: أنواع التكبر

يمكن تصنيف التكبر إلى عدة أنواع بحسب مظاهره ومصادره، وهي كما يلي:

1. التكبر على الله تعالى

وهو أعظم أنواع الكبر وأشدها، وهو الذي كان سبب كفر إبليس، كما يظهر في قوله تعالى: {أبى واستكبر وكان من الكافرين} [البقرة:34]. ويكون هذا التكبر برفض أوامر الله، أو الادعاء بأن الإنسان في غنى عن خالقه، كما فعل فرعون حين قال: {ما علمت لكم من إله غيري}.

2. التكبر على رسول الله ﷺ

ويكون برفض اتباع سنته أو التشكيك في نبوته أو الاستعلاء على تعاليمه، كما فعل الكفار والمنافقون الذين قالوا: {لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين}.

3. التكبر على الناس

وهو أكثر الأنواع شيوعاً، ويظهر في احتقار الآخرين واستصغارهم بسبب النسب أو المال أو الجاه أو غير ذلك. قال ﷺ: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” (رواه مسلم).

4. التكبر في العبادة

وقد يكون خفياً، كأن يتفاخر الإنسان بعبادته أو علمه أو زهده، ويرى نفسه أفضل من غيره، كما قال إبليس: {أنا خير منه}.

5. التكبر العلمي

ويظهر عندما يحتقر العالم الناس أو طلبة العلم، ويرفض الاستفادة من الآخرين، ويعتقد أن علمه فوق الجميع.

خامساً: أسباب التكبر

تتعدد الأسباب التي تُغذي التكبر في النفوس، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:

سادساً: آثار التكبر

1. الحرمان من الجنة

كما ورد في الحديث: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”، مما يوضح أن الكبر يقطع طريق الجنة عن صاحبه.

2. فساد القلب

التكبر يزرع في القلب التعالي، ويمنع من قبول النصيحة أو الاستجابة للحق، ويؤدي إلى الغرور والجمود الروحي.

3. العداوات الاجتماعية

المتكبر لا يحبه الناس، لأنه يتعامل معهم بتعالي وازدراء، فينفرون منه، وتُفقد الثقة به.

4. سقوط الهيبة

رغم أن المتكبر يظن أن كبره يزيده مهابة، إلا أنه يُفضي في الحقيقة إلى النفور منه وسقوطه من أعين الناس.

5. التعرض للعقوبة الإلهية

القرآن الكريم وسيرة الأمم السابقة يثبتان أن الله يُهلك المتكبرين، كما أهلك فرعون وقارون وغيرهم.

سابعاً: علاج التكبر

لمواجهة هذا المرض الخطير، وضع الإسلام أساليب عملية لعلاجه والتخلص منه، ومن أبرز هذه الوسائل:

1. معرفة حقيقة النفس

فالإنسان مخلوق ضعيف، أصله من تراب ومصيره إلى تراب، بين جنبيه روح قابلة للخير والشر، ولا حول له ولا قوة إلا بالله.

2. استحضار عظمة الله

فإذا عرف العبد عظمة خالقه، وخاف من جلاله، استحيا أن يتكبر في حضرة الجبار المتكبر سبحانه.

3. الاعتراف بنعمة الله

المال، والعلم، والمكانة كلها من عند الله، فليس للعبد فضل بها على غيره.

4. الاجتهاد في التواضع

من خلال الجلوس مع الفقراء، والسلام على الصغار، وخدمة الناس، والتعامل معهم باللين والتقدير.

5. الإكثار من ذكر الله

فذكر الله يُزكّي القلب، ويملؤه بالخشوع والسكينة، ويكسر حدة الكبر والخيلاء.

ثامناً: التواضع في مقابل التكبر

التواضع خلق كريم يرفعه الله به درجات، وقد قال النبي ﷺ:

“ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” (رواه مسلم).

والتواضع لا يعني الذل، بل هو العزة الحقيقية، إذ يرفع الإنسان عن دناءة الاستعلاء والتفاخر، ويقربه من قلوب الناس، ويرزقه الله القَبول والهيبة.

تاسعاً: المتكبرون في التاريخ: عبرة وعظة

عبر القرآن الكريم عن كثير من المتكبرين الذين أهلكهم الله بسبب كبرهم، ومن أشهرهم:

• فرعون الذي قال: {أنا ربكم الأعلى}، فأهلكه الله غرقاً وجعله عبرة للعالمين.

• قارون الذي قال: {إنما أوتيته على علم عندي}، فخسف الله به الأرض.

• أصحاب الجنة الذين تكبروا على الفقراء، فحرمهم الله من نعمه جزاء تعاليهم.

عاشراً: أثر التكبر على الأمة والمجتمع

عندما يسود التكبر في المجتمعات، تنتشر الفرقة، وينعدم التعاون، ويستشري الحسد والبغضاء، وتُهدر القيم الأصيلة. فالمتكبر لا يبني، بل يهدم؛ ولا يُصلح، بل يُفسد؛ لأنه لا يرى أحداً يستحق الاحترام غيره. أما المجتمعات المتواضعة، فهي التي تنهض وتتعاون، لأن كل فرد يُقدّر إخوانه، ويؤمن بقيمة التكاتف لا التفاخر.

المصادر والمراجع

1. القرآن الكريم

2. صحيح مسلم – باب تحريم الكبر وبيان معناه