قصة سيدنا عيسى عليه السلام: الحياة والبعثة والمعجزات
سيدنا عيسى عليه السلام هو واحد من أعظم الأنبياء الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى إلى بني إسرائيل. تُعتبر قصة حياة عيسى عليه السلام من أروع القصص في تاريخ البشرية، إذ تشمل العديد من المحطات الهامة التي تتعلق بالمعجزات، والدعوة إلى عبادة الله الواحد، وظهور الحق في مواجهة الباطل. في هذا المقال، سنتناول حياة سيدنا عيسى من ولادته إلى معجزاته وأحداث بعثته، ثم وصوله إلى نهايته في الأرض ورفعه إلى السماء.
مولد سيدنا عيسى عليه السلام
يُعد مولد سيدنا عيسى عليه السلام معجزة في حد ذاته. فقد وُلِد من السيدة مريم العذراء، دون أن يكون لها زوج، وهو ما يختلف تمامًا عن طبيعة الولادة البشرية العادية. كان هذا المولود معجزة من معجزات الله سبحانه وتعالى، حيث بشَّر بها الملاك جبريل السيدة مريم عندما كانت في محرابها، وأعلن لها أنها ستنجب غلامًا طاهرًا يُدعى عيسى. قالت مريم مستنكرة: “كيف يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشر؟” فأجابها جبريل عليه السلام: “كذلك قال ربك هو عليَّ هين”.
تُشير المصادر الإسلامية إلى أن ولادة عيسى عليه السلام كانت في بيت لحم، في مكان بسيط، وسط ظروف قاسية. وقد وصف القرآن الكريم هذه الواقعة في قوله تعالى: “وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم…” (آل عمران: 45).
الطفولة والنشأة
بعد ولادة عيسى عليه السلام، لاقت السيدة مريم الكثير من التحديات من قومها الذين شككوا في معجزة ولادتها. لكن الله تعالى أيده بمعجزة أخرى، إذ تكلم عيسى عليه السلام في المهد ليدافع عن أمه ويوضح أن ولادته كانت بإرادة الله، فقال: “إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا، وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا…” (مريم: 30-31). كانت تلك الكلمات بمثابة إعلان لنبوة عيسى عليه السلام منذ نعومة أظفاره.
عاش عيسى عليه السلام مع أمه السيدة مريم في بيئة صعبة، فقد كانت مريم من أسرة بسيطة في بني إسرائيل، وكان عيسى يترعرع في محيط يعاني من فساد أخلاقي واجتماعي. ومع ذلك، فقد نشأ عيسى عليه السلام طاهرًا نقيًّا، وكان يُظهر من صغره معجزات عظيمة، حيث كان يشفى المرضى ويبرئ الأكمة والأبرص بإذن الله.
النبوة والدعوة إلى الله
عندما بلغ عيسى عليه السلام سن الثلاثين تقريبًا، اختاره الله سبحانه وتعالى ليكون نبيًا ورسولا لبني إسرائيل. بدأ دعوته في منطقة فلسطين، حيث أعلن عن رسالته إلى بني إسرائيل، داعيًا إياهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده. كانت رسالته تتضمن دعوة إلى التوبة، والتخلي عن الآثام، والتعالي عن العبادة للآلهة والأصنام.
كانت رسالته تحمل بشرى بالخلاص لكل من يتبعها، إلا أن الكثير من بني إسرائيل رفضوا دعوته واتهموه بالكذب واتهامات أخرى. بل إن البعض منهم كانوا يرفضون المعجزات التي كان يقوم بها، ويعتبرونها سحرًا. في هذا السياق، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك…” (الفرقان: 7).
المعجزات التي أيد بها الله عيسى عليه السلام
من أبرز مميزات قصة سيدنا عيسى عليه السلام هي المعجزات التي أيد بها الله سبحانه وتعالى رسالته، فقد كانت معجزاته واضحة وجلية للعيان. من أبرز معجزات عيسى عليه السلام:
-
إحياء الموتى: كان عيسى عليه السلام يُحيي الموتى بإذن الله، فقد أذن الله له في إحياء أناس ماتوا ودفنوا، وكان ذلك بمثابة دليل على قدرة الله العظيمة، وبشارة بأن الله هو صاحب الحياة والموت.
-
شفاء المرضى: كان عيسى عليه السلام يشفي العديد من المرضى الذين لا يستطيع الأطباء علاجهم، مثل الأبرص والأعمى والأعرج، وكان يُشفى الجميع بكلمة واحدة أو لمسة من يديه الطاهرتين.
-
إطعام الجوعى: كانت إحدى المعجزات التي قام بها عيسى عليه السلام هي إطعام الناس بكميات كبيرة من الطعام. حيث كان يصنع طعامًا من طعام قليل جدًا، وكان يكفي ليشبع العديد من الأشخاص.
-
إخبار الناس بالغيب: كان عيسى عليه السلام يعلم الناس بما في نفوسهم، من دون أن يتحدثوا إليه، وهذا كان يُعد من أكبر المعجزات التي أظهرها الله له.
-
تغيير الشكل: في إحدى الحِقَب، كان عيسى عليه السلام في خطر من أعدائه الذين أرادوا قتله، فرفع الله تعالى عيسى إليه. وفي ذلك الوقت، ألقى الله على أحد أتباعه من بني إسرائيل شبيهًا به، حيث تشابه الشكل لدرجة أن أعداء عيسى ظنوا أنه هو، فقاموا بقتله بدلًا منه.
رفعه إلى السماء
في نهاية حياة سيدنا عيسى عليه السلام على الأرض، كان هناك مؤامرة من قادة بني إسرائيل لقتله، واعتقدوا أنهم نجحوا في التخلص منه. إلا أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام إليه، ولم يُصلب، كما يُشاع في بعض الروايات. وقد ورد في القرآن الكريم: “بل رفعه الله إليه…” (النساء: 158).
رفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء ليكون في معيته، وأعطاه مكانة عظيمة في الملأ الأعلى. كما أكدت الروايات الإسلامية أن عيسى عليه السلام سيعود في آخر الزمان ليُحارب الدجال ويقضي عليه، ليعيش فترة من الزمن على الأرض، ثم يموت بعد ذلك ويُدفن.
الرسالة الروحية والإنسانية لسيدنا عيسى عليه السلام
لا تقتصر معجزة سيدنا عيسى عليه السلام على المعجزات الحسية التي أظهرها، بل يمتد تأثيره إلى الرسالة الروحية التي نقلها للبشرية. فدعوته كانت تدور حول القيم الإنسانية الرفيعة، مثل الرحمة، والمحبة، والتسامح. وكان يُعلم الناس ضرورة العيش وفقًا لشرع الله، والتعامل مع الآخرين بصدق وعدل.
تُعد دعوة عيسى عليه السلام مثالاً يُحتذى به في تعزيز القيم الإنسانية، وقد تحدث عن أهمية النية الطيبة والتقوى في تعاملات الناس. كان يزرع في قلوبهم فكرة العطاء، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وجعل ذلك من أساسات الحياة الطيبة.
خاتمة
إن قصة سيدنا عيسى عليه السلام هي واحدة من أروع القصص التي تحتوي على الكثير من الدروس والعبر. فقد كرس حياته لدعوة الناس إلى الله، وتقديم المثال الحي للطهر والصدق، محققًا معجزات عظيمة ساعدت في نشر رسالته بين الناس. ورغم المعاناة التي واجهها من بني إسرائيل، إلا أن رسالته تبقى خالدة، وبشرى للأجيال القادمة، فقد أيد الله رسالته بإظهار قدرته في معجزاته.
