التغلب على قلة النشاط في العمل

عنوان المقال: التغلب على قلة النشاط في العمل

مقدمة

قلة النشاط في العمل تُعد من الظواهر الشائعة التي تعاني منها بيئات العمل المختلفة، سواء في القطاع العام أو الخاص، وبين العاملين في الوظائف المكتبية أو الميدانية. يتجلى هذا الانخفاض في الحيوية بأشكال متعددة، كالتكاسل في أداء المهام، أو التشتت الذهني، أو تأجيل الأولويات، مما ينعكس بشكل سلبي على مستوى الإنتاجية الفردية والجماعية، وقد يترتب عليه تداعيات مهنية خطيرة مثل التراجع في الأداء، وتراجع معدلات الإنجاز، وانخفاض رضا العملاء، وتزايد الضغط الإداري.

التغلب على هذا التحدي يتطلب فهماً عميقاً لأسبابه الجذرية، والتعامل معها من منظور شامل يتناول الجوانب النفسية، والبيئية، والتنظيمية، والسلوكية. في هذا المقال المطول، سيتم تحليل العوامل المؤدية إلى قلة النشاط الوظيفي، واستعراض أبرز الحلول العملية والعلمية لتجاوزها، وفقاً لأحدث الدراسات في علم النفس المهني وإدارة الموارد البشرية.

أولاً: فهم جذور قلة النشاط في بيئة العمل

1. الإرهاق الذهني والجسدي
   
   العمل المتواصل دون فترات راحة كافية يؤدي إلى الإرهاق الجسدي، ويتسبب في استنزاف القدرات المعرفية، مما يؤدي إلى حالة من الخمول والبطء في الأداء. هذا الإرهاق قد يكون نتيجة ضغط العمل المرتفع، أو سوء توزيع المهام.

2. الروتين الوظيفي القاتل
   
   القيام بنفس المهام يومياً دون تنويع أو تطوير، يخلق حالة من الجمود الفكري، ويقلل الحافز الداخلي، ما يجعل الموظف يشعر بالملل وفقدان الدافع للعمل بفعالية.

3. ضعف الحوافز والدوافع
   
   قلة التقدير، سواء المادي أو المعنوي، قد تضعف من مستوى الالتزام والانتماء للمؤسسة، وبالتالي يظهر الخمول كنتيجة مباشرة لغياب التحفيز الداخلي والخارجي.

4. سوء بيئة العمل
   
   الضوضاء، الإضاءة السيئة، درجة الحرارة غير المناسبة، أو حتى العلاقات السلبية مع الزملاء، كلها عوامل تؤثر في التركيز والنشاط، وتؤدي إلى تراجع الطاقة الإنتاجية للموظف.

5. غياب الأهداف الواضحة
   
   عدم وضوح الأهداف والتوقعات من الوظيفة يجعل الموظف في حالة من التشتت، فلا يعرف تحديداً ما هو المطلوب منه، وبالتالي تنخفض مستويات النشاط نتيجة لعدم وجود دافع قوي للتقدم أو الإنجاز.

6. العوامل النفسية الشخصية
   
   القلق، الاكتئاب، ضعف الثقة بالنفس، أو ضغوط الحياة الشخصية قد تؤثر جميعها على الأداء المهني وتقلل من الحيوية والنشاط في العمل.

ثانياً: استراتيجيات علمية فعالة للتغلب على قلة النشاط في العمل

1. إدارة الطاقة وليس الوقت

الكثير من الموظفين يركزون على إدارة الوقت، لكن المفتاح الحقيقي للإنتاجية هو إدارة الطاقة. يمكن تحقيق ذلك من خلال توزيع الجهد خلال اليوم، وأخذ فترات راحة قصيرة منتظمة، والحرص على التغذية الصحية والنوم الجيد.

2. تنظيم المهام باستخدام أسلوب Pomodoro

تقنية “بومودورو” تعتمد على تقسيم وقت العمل إلى فترات من 25 دقيقة من التركيز تليها 5 دقائق راحة. هذا الأسلوب يساعد على تجديد النشاط العقلي باستمرار ومنع الإرهاق التدريجي، كما يعزز الشعور بالإنجاز.

3. تحفيز الذات من خلال الأهداف الذكية SMART

تحديد أهداف محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، ذات صلة، ومحددة بزمن (SMART)، يعزز الحافز الداخلي ويمنح الموظف رؤية واضحة لما يجب إنجازه، مما يزيد من الحيوية والنشاط في الأداء.

4. التنويع في المهام

التنويع في طبيعة المهام اليومية، مثل التبديل بين مهام فكرية وإدارية أو بين مكتبية وميدانية، يمنع الشعور بالملل ويعزز النشاط الذهني.

5. ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة أثناء العمل

تمارين التمدد أو المشي السريع خلال فترات الراحة تعزز الدورة الدموية وتنشط الدماغ وتُحسن التركيز، كما أنها تقلل من التوتر العضلي الناتج عن الجلوس الطويل.

6. بيئة عمل محفزة

تحسين الإضاءة، استخدام ألوان تحفز الإبداع كالأزرق والأخضر، توفير تهوية جيدة، وتخصيص ركن للاسترخاء أو تناول القهوة، من شأنه أن يخلق بيئة عمل إيجابية ومحفزة.

7. التغذية السليمة أثناء ساعات العمل

الابتعاد عن الوجبات الثقيلة والمليئة بالسكريات خلال العمل، والاعتماد على وجبات خفيفة صحية غنية بالبروتينات والألياف، مثل المكسرات والفواكه، يمد الجسم بالطاقة المستدامة.

8. المراقبة الذاتية وتقييم الأداء

تخصيص وقت أسبوعي لتقييم الذات وتحديد نقاط القوة والضعف، يساعد في التعرف على فترات التراجع ومعالجتها، مما يزيد من الشعور بالتحكم ويقلل الإحباط.

9. المشاركة في مبادرات المؤسسة

المساهمة في أنشطة خارج المهام الأساسية، مثل فرق التطوير أو المناسبات الاجتماعية، يعزز الشعور بالانتماء ويُجدد الحافز الداخلي، ما ينعكس إيجاباً على النشاط العام.

ثالثاً: دور الإدارة في تعزيز نشاط الموظفين

1. التحفيز الإيجابي
   
   التقدير المعنوي، ككلمات الشكر العلنية أو رسائل الامتنان، له تأثير فعّال على نفسية الموظف. وكذلك، الحوافز المادية كالمكافآت أو الترقيات الدورية، تشكل دافعاً قوياً لمزيد من النشاط.

2. المرونة في ساعات العمل
   
   إتاحة خيار العمل المرن أو عن بعد في بعض الحالات، يساعد في خلق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والمهنية، مما يؤدي إلى زيادة رضا الموظفين ونشاطهم.

3. التدريب والتطوير المهني
   
   توفير فرص تدريبية للموظفين وتطوير مهاراتهم بشكل مستمر، يعزز الشعور بالتجدد ويمنع الركود المهني الذي يؤدي إلى الكسل والخمول.

4. إشراك الموظفين في اتخاذ القرار
   
   عندما يشعر الموظف أن له رأي مسموع في المؤسسة، يزداد التزامه بها ويتحول من مجرد منفذ إلى مساهم فعّال، وهذا يزيد من حيويته ودافعيته.

5. المتابعة الفردية المنتظمة
   
   عقد جلسات دورية فردية بين الموظف والمدير المباشر، يتيح فرصة لتقديم الدعم الشخصي، ومعالجة مشكلات النشاط أو الدافعية قبل أن تتفاقم.

رابعاً: بناء عادات يومية تعزز النشاط

خامساً: أهمية الصحة النفسية في رفع مستوى النشاط

الصحة النفسية عنصر لا يمكن تجاهله عند الحديث عن النشاط في بيئة العمل. من المهم التأكيد على دور الاستقرار النفسي في الحفاظ على مستويات عالية من الأداء والطاقة. العاملون الذين يعانون من التوتر المزمن أو القلق أو الاكتئاب غالباً ما يظهر عليهم انخفاض في النشاط، حتى وإن كانوا مؤهلين تقنياً. من هنا تظهر أهمية المبادرات المؤسسية التي تهتم بالرفاه النفسي للموظفين، مثل توفير جلسات دعم نفسي أو أيام خاصة للراحة النفسية.

خاتمة

التغلب على قلة النشاط في العمل ليس مهمة مستحيلة، بل هو عملية مستمرة تتطلب الوعي الذاتي، والدعم الإداري، والتغييرات في العادات اليومية، وتوفير بيئة عمل صحية ومحفزة. الموظف الفعّال هو الذي يدرك مواطن ضعفه ويتعامل معها بأسلوب علمي ومنهجي، أما المؤسسة الناجحة فهي التي تخلق بيئة تشجع على الحيوية والابتكار لا الجمود والرتابة. التكامل بين الجهود الفردية والتنظيمية هو ما يصنع الفارق في نهاية المطاف بين مؤسسة تعاني من الركود وأخرى تتقدم بنشاط دائم ومتجدد نحو أهدافها.

المراجع

1. Robbins, S. P., & Judge, T. A. (2022). Organizational Behavior (19th Edition). Pearson Education.

2. Harvard Business Review. (2021). How to Stay Focused When You’re Working from Home. hbr.org.