تعريف التعبير القرآني لغة واصطلاحًا
يعد القرآن الكريم المصدر الأساسي للتشريع الإسلامي، وقد أنزل بلسان عربي مبين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون دليلاً ومنهجًا للمسلمين في حياتهم اليومية. ومن بين المفاهيم المهمة التي تميز النص القرآني هي “التعبير القرآني”، الذي يمكن أن يُنظر إليه من زوايا عدة من حيث اللغة والاصطلاح. وفي هذا المقال، سيتم تناول تعريف التعبير القرآني من الناحية اللغوية والاصطلاحية، والتطرق إلى جوانب متعددة من أساليب التعبير القرآني وأثرها في فهم القرآن الكريم.
أولًا: تعريف التعبير القرآني لغة
التعبير في اللغة العربية يأتي من الجذر “عَبَّرَ” الذي يحمل في طياته معاني متعددة تتعلق بالإفصاح والبيان. ففي لسان العرب، يُقال “عَبَّرَ” الشخص عن شيء بمعنى أنه أظهره أو بيّنه، وجاء بذلك لفظًا أو معنىً. وبالتالي، فإن التعبير يعني في الأساس استخدام الألفاظ لتوضيح معاني معينة بطريقة تتيح للمتلقي فهمًا دقيقًا لما يُراد نقله.
أما “التعبير القرآني” فهو تعبير مراد به أن القرآن الكريم يستخدم الألفاظ والعبارات بطريقة فنية متميزة تهدف إلى تحقيق أهداف متعددة، مثل التوجيه والتعليم، وتبيان الحقائق، وكذلك إثارة التأمل والتفكير في الآيات القرآنية. ويستند التعبير القرآني إلى القواعد اللغوية للغة العربية ولكن بطريقة تحمل من الخصوصية والبلاغة ما يجعل القرآن الكريم بعيدًا عن أي محاكاة.
ثانيًا: تعريف التعبير القرآني اصطلاحًا
أما على مستوى الاصطلاح، فإن التعبير القرآني يشير إلى الأسلوب البلاغي والفني الذي يستخدمه القرآن الكريم لعرض معانيه ومقاصده بطريقة متميزة تتسم بالدقة والجمال. وهو ليس مجرد نقل للمعلومات، بل هو وسيلة لإيصال الفكرة بأسلوب يلامس الفطرة الإنسانية ويثير التفكير العميق في المعاني والرسائل.
يتسم التعبير القرآني بالعديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من النصوص الأدبية. فهو يتسم بالبلاغة الشديدة التي تتجلى في اختيار الألفاظ المناسبة للمواقف المختلفة، واستخدام أساليب فنية متنوعة مثل الاستفهام، والمقابلة، والاستعارة، والكناية، والتكرار، وغيرها من الأدوات البلاغية التي تعزز من تأثير الآيات القرآنية في نفس القارئ.
ثالثًا: الخصائص البلاغية للتعبير القرآني
-
الاقتصاد اللغوي
يعد الاقتصاد اللغوي من أبرز خصائص التعبير القرآني. فالقرآن الكريم يستخدم الألفاظ بأقصى درجات الدقة والاختصار، بحيث تكون كل كلمة لها دلالتها الخاصة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها. وهذا يظهر في أن القرآن يختار الألفاظ التي تحمل أبعادًا معنوية عميقة، وفي نفس الوقت يبتعد عن الحشو والإطناب الذي لا يخدم المعنى. -
المجاز
يشمل التعبير القرآني استعمال المجاز بشكل واسع، حيث يُستخدم للربط بين المعاني الحسية والمعنوية، مما يضفي على النصوص القرآنية طابعًا من العمق والتنوع. على سبيل المثال، في قوله تعالى: “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ”، هنا يتم استخدام الفجر كرمز للبداية والنور، بينما الليالي العشر تحمل دلالة على الفترات الزمنية ذات الأهمية الكبرى في الحياة البشرية. -
الاستعارة والكناية
من أساليب التعبير القرآني أيضًا الاستعارة والكناية، حيث يُستعاض عن أمر محسوس لتمثيل معنى غير محسوس. على سبيل المثال، في قوله تعالى: “فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ”، كان يمكن أن يُقال “اتبعوا أوامر الله” لكن القرآن استخدم “فَفِرُّوا” التي تعطي صورة ذهنية عن الهروب السريع والاهتمام العاجل في السعي نحو الله. -
التكرار
يعتبر التكرار من الأدوات البلاغية المهمة في القرآن الكريم، والتي تُستخدم لزيادة التأكيد على المعاني المقصودة. إن التكرار في القرآن لا يأتي عبثًا، بل هو آلية لشد انتباه القارئ أو المستمع وترسيخ المفاهيم في الذاكرة. ويظهر هذا في تكرار بعض الآيات التي تعبر عن الحقيقة الواحدة بطرق متعددة، مثل تكرار عبارة “فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ” في سورة الرحمن. -
الموازنة والتقابل
يستخدم القرآن الكريم الموازنة والتقابل بين معاني متضادة لتحقيق التأثير البلاغي المطلوب. يبرز هذا في الآيات التي تذكر الجنة والنار، أو الظلام والنور، حيث يُظهر القرآن فوارق كبيرة بين تلك المفاهيم لمساعدة المتلقي على تصور الحقيقة القرآنية.
رابعًا: أساليب التعبير القرآني وأثرها
التعبير القرآني ليس مجرد وسيلة لنقل المعلومات بل هو أسلوب متكامل له تأثيرات عظيمة على القارئ أو المستمع. فالتفسير القرآني يعتمد بشكل كبير على فهم التعبيرات اللغوية التي يصيغها القرآن الكريم ليحقق أهدافًا تعليمية وإيمانية في نفس الإنسان.
-
التوجيه والإرشاد
يُعد التعبير القرآني أداة قوية للتوجيه والإرشاد، فهو لا يقتصر على تسليط الضوء على المعاني، بل يوجه القلوب نحو تقوى الله والعمل الصالح. على سبيل المثال، استخدام القرآن للآيات المتنوعة التي تدعو إلى التأمل في آيات الله في الكون يهدف إلى تحفيز العقل البشري على التفكير في عظمة الخالق وتقديره. -
الإقناع والتحفيز
يستخدم القرآن أساليب بلاغية لإقناع المستمع وتهدئة قلبه من خلال وصف الجنة والنار، ومقارنات بين حياة الدنيا والآخرة، مما يجعل المسلم يتأمل في مسار حياته ويسعى للتغيير والتحسين بناءً على تلك المقارنات. -
التأثير العاطفي
من أبرز جوانب التعبير القرآني قدرته على تحفيز مشاعر الإنسان من خلال تصوير الأحداث بأسلوب يستثير العاطفة. كما هو الحال في سرد قصص الأنبياء، حيث يُستخدم الأسلوب القرآني لربط القارئ بالأحداث العاطفية التي مر بها هؤلاء الأنبياء، مما يثير الإحساس بالرحمة، الخوف، الرجاء، وغيرها من المشاعر الإنسانية.
خامسًا: العلاقة بين التعبير القرآني وعلوم البلاغة
إن التعبير القرآني يعد من أسمى صور البلاغة العربية. وعلم البلاغة، الذي يعنى بدراسة فنون القول وكيفية تأثيره، يعبر بشكل واضح عن أساليب القرآن في نقل المعاني. وعلوم البلاغة تتفرع إلى: البيان (التوضيح)، البديع (الابتكار في الأسلوب)، والمعاني (دراسة كيف يتم توظيف الألفاظ لتوصيل المعاني الدقيقة). في القرآن الكريم، هذه الفنون البلاغية تُستخدم بشكل متقن لدرجة أن أحدًا لا يستطيع أن يحاكيه.
خاتمة
يعد التعبير القرآني من أروع ما أبدعته لغة العرب. يجمع بين القوة والبلاغة والقدرة على التأثير النفسي والفكري، مما جعله وسيلة فاعلة في توصيل رسالات الدين الإسلامي وتعاليمه. من خلال دراسة الأساليب البلاغية في القرآن، يستطيع المسلم أن يتفهم بشكل أعمق معاني الآيات ويشعر بقوة الإعجاز القرآني، الذي يظل مصدرًا غير محدود للعلم والفهم والتوجيه في مختلف جوانب الحياة.
