التعامل مع الأطفال أثناء الأزمات

في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المجتمعات أو الأفراد، مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، الأزمات الاقتصادية، أو حتى الأزمات الشخصية مثل فقدان أحد أفراد الأسرة، يواجه الأطفال تحديات نفسية واجتماعية خاصة تتطلب منا فهماً دقيقاً واستراتيجيات مناسبة للتعامل معهم. الأطفال في مثل هذه الأوقات هم الأكثر هشاشةً وتأثراً، إذ أن طبيعة تفكيرهم واحتياجاتهم العاطفية تختلف عن الكبار، لذا فإن التعامل معهم أثناء الأزمات يحتاج إلى نهج علمي مدروس يعتمد على فهم عميق لمرحلة الطفولة ومراحل نموها، وتأثير الصدمات على نفسية الطفل.

طبيعة الطفولة وتأثير الأزمات عليها

الطفولة مرحلة حساسة في حياة الإنسان، تتسم بخصائص بيولوجية ونفسية تجعل الطفل أكثر تأثراً بالبيئة المحيطة. الأطفال يعتمدون على إحساسهم بالأمان والاستقرار لتكوين شخصياتهم وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية. الأزمات التي تخلخل هذا الإحساس بالأمان يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية متعددة، منها القلق، الخوف، الاكتئاب، الانسحاب الاجتماعي، وحتى اضطرابات السلوك.

الأطفال يعبرون عن مشاعرهم بطريقة غير مباشرة غالباً، فقد يظهرون القلق من خلال سلوكيات مثل البكاء المتكرر، التوتر، اضطرابات النوم، أو التعلق المفرط بالأهل. وهذا يتطلب من الأهل والمعلمين ومقدمي الرعاية أن يكونوا أكثر حساسية واهتماماً بمراقبة هذه التغيرات لفهم ما يعانيه الطفل وتقديم الدعم المناسب.

تأثير الأزمات النفسية على نمو الطفل

الأزمات النفسية في الطفولة لها تأثيرات طويلة الأمد على نمو الطفل الجسدي، النفسي، والاجتماعي. على سبيل المثال، التعرض لمواقف صادمة مثل النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية قد يؤثر على نمو الجهاز العصبي، ويزيد من احتمالية ظهور اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD). كما يمكن أن تتأثر قدرات الطفل على التعلم والتركيز، مما يؤثر على أدائه الأكاديمي ويزيد من احتمالات العزلة الاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الدعم النفسي الكافي للأطفال في هذه الظروف يزيد من فرص ظهور مشكلات صحية مزمنة في المستقبل، مثل اضطرابات القلق والاكتئاب المزمن، وكذلك صعوبات في تكوين علاقات صحية مع الآخرين.

مبادئ أساسية في التعامل مع الأطفال أثناء الأزمات

1. توفير بيئة آمنة ومستقرة

يشكل الشعور بالأمان قاعدة أساسية لتمكين الأطفال من تجاوز الأزمات النفسية. يجب على الأهل ومقدمي الرعاية محاولة خلق بيئة هادئة ومستقرة، تقليل مصادر التوتر والضوضاء، والحرص على وجود الروتين اليومي. الروتين يساعد الطفل على الشعور بالسيطرة على حياته، وهو أمر ضروري في الأوقات العصيبة.

2. التواصل المفتوح والصادق

على الرغم من أن الأطفال قد لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بالكلمات دائماً، إلا أن التواصل المفتوح مع الطفل ومشاركته المعلومات المناسبة لعمره بطريقة صادقة تقلل من مخاوفه وتحفزه على التحدث عن مشاعره. استخدام لغة بسيطة ومباشرة، وتجنب إخفاء الحقائق أو إقحام الطفل في تفاصيل قد تثير قلقه دون داعٍ.

3. الاستماع الفعّال للطفل

الاستماع بانتباه لما يقوله الطفل وما لا يقوله هو مهارة أساسية. يجب على البالغين ملاحظة السلوكيات التي تعبر عن التوتر والقلق، وعدم التقليل من مشاعر الطفل مهما بدت بسيطة أو غير منطقية. هذا يعزز من ثقة الطفل بنفسه وبالآخرين.

4. تعزيز المشاعر الإيجابية والقدرة على التكيف

يمكن للأنشطة التي تركز على التعبير الفني، مثل الرسم واللعب، أن تساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بطريقة غير لفظية، مما يخفف من الضغوط النفسية. كما يجب تشجيع الطفل على التفكير بإيجابية وتنمية مهارات حل المشكلات التي تعزز ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة الصعوبات.

5. الدعم النفسي المتخصص

في الحالات التي يظهر فيها الطفل علامات اضطراب نفسي حاد، كالخوف المفرط، الكوابيس المتكررة، الانسحاب الاجتماعي، أو تراجع الأداء الدراسي بشكل واضح، يكون من الضروري التدخل عبر الدعم النفسي المتخصص مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج الجماعي للأطفال، والذي يمكن أن يساعد في معالجة الصدمات النفسية بشكل منهجي.

استراتيجيات محددة في التعامل مع الأطفال خلال الأزمات

أ. التعامل مع الخوف والقلق

الخوف من المجهول من أكثر المشاعر شيوعاً بين الأطفال أثناء الأزمات. لذا يجب على الأهل توجيه الطفل بطريقة تهدئ من روعه. يمكن مثلاً استخدام القصص التوضيحية التي تبين للطفل أن مشاعره طبيعية، وأن هناك طرقاً آمنة للتعامل معها. كما أن تعليم الطفل تقنيات التنفس العميق والاسترخاء تساعد في تقليل التوتر الفوري.

ب. الحفاظ على الروتين

الطفل يحتاج إلى روتين ثابت في حياته اليومية حتى في ظل الظروف المتغيرة للأزمات. تنظيم أوقات النوم، اللعب، الدراسة، والوجبات يساعد على تقليل الفوضى النفسية. إذا كان الطفل خارج المنزل أو في مراكز إيواء مؤقتة، يجب العمل على إقامة جدول نشاطات يومية منظمة.

ج. التواصل مع المدرسة والمعلمين

التعاون مع المدرسة مهم جداً لتوفير الدعم اللازم للطفل. يمكن للمعلمين أن يكونوا مصدراً هاماً للمراقبة والدعم، إذ يلاحظون سلوك الطفل في بيئة مختلفة. كما يمكن التنسيق لتقديم خدمات دعم نفسي في المدارس أو مراكز المجتمع.

د. استخدام الألعاب والأنشطة التعبيرية

الألعاب ليست مجرد ترفيه بل أداة فعالة للتعبير عن المشاعر. اللعب الرمزي، الرسم، القصص، وحتى الموسيقى تساعد الطفل على فهم مشاعره والتعبير عنها. كذلك فإن هذه الأنشطة تسهم في تخفيف التوتر وتعزيز الروابط العاطفية مع من حوله.

هـ. دعم العلاقات الاجتماعية

تشجيع الطفل على بناء علاقات اجتماعية صحية مع أقرانه وأفراد الأسرة يعزز من إحساسه بالانتماء والأمان. يمكن تنظيم لقاءات لعب أو نشاطات جماعية مناسبة للظروف، مع الالتزام بالإرشادات الصحية إن لزم الأمر.

دور الأهل في دعم الأطفال أثناء الأزمات

الأهل هم الدعامة الأساسية في حياة الطفل، ولهذا فإن تأثيرهم خلال الأزمات عميق. يتوجب على الأهل العمل على:

• الحفاظ على هدوئهم في مواجهة الأزمة لتوفير نموذج استقرار نفسي للطفل.

• تجنب التعبير عن القلق أو الخوف أمام الطفل بشكل مفرط.

• تخصيص وقت للاستماع للطفل ومشاركته في أنشطته.

• تعزيز الشعور بالحب والاهتمام.

• مراقبة التغيرات في سلوك الطفل واستشارة المختصين عند الحاجة.

الجدول التالي يوضح أبرز الأعراض النفسية التي قد تظهر على الأطفال أثناء الأزمات، مع توصيات التعامل معها:

أهمية الوقاية وبناء المرونة النفسية لدى الأطفال

بالإضافة إلى التعامل مع الأزمات عند حدوثها، فإن الاستثمار في بناء مرونة نفسية لدى الأطفال أمر أساسي للوقاية من الأضرار النفسية المحتملة. المرونة النفسية هي قدرة الطفل على التكيف مع الضغوط والتغيرات، وتطوير استراتيجيات مواجهة فعالة. ويمكن تعزيز هذه المرونة من خلال:

• تعليم مهارات التواصل الفعّال وحل المشكلات.

• تشجيع الفضول والتعلم المستمر.

• توفير بيئة داعمة تحتوي على الحب والاحترام.

• تعزيز الثقة بالنفس من خلال الإنجازات الصغيرة.

• تعليم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره بطريقة صحية.

الخلاصة

التعامل مع الأطفال أثناء الأزمات يمثل تحدياً كبيراً يتطلب فهماً علمياً عميقاً لطبيعة الطفولة وتأثير الصدمات النفسية. توفير بيئة آمنة ومستقرة، التواصل المفتوح، الدعم النفسي المتخصص عند الحاجة، والاهتمام بالأنشطة التعبيرية هي مفاتيح أساسية لمساعدة الطفل على تخطي الأزمات. كما يجب على الأهل والمعلمين العمل معاً لتعزيز المرونة النفسية للأطفال، مما يجعلهم قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وصحة نفسية أفضل.

المصادر والمراجع:

1. World Health Organization (WHO). (2020). Psychological first aid for children in emergencies. WHO Press.

2. National Child Traumatic Stress Network (NCTSN). Helping Children and Families Cope with the COVID-19 Pandemic.