نصيحتان للتعامل مع الأشخاص المحبطين: فهم الجذور النفسية والتوازن الداخلي

في الحياة اليومية، يصادف الإنسان نماذج متعددة من الشخصيات، منها الشخصيات الإيجابية التي تبث التفاؤل وتدفع الآخرين نحو النجاح، ومنها الشخصيات السلبية التي تترك أثراً معنوياً مثقلاً بالإحباط والتشاؤم. يعتبر التعامل مع الأشخاص المحبطين من أصعب التحديات النفسية والاجتماعية، ليس فقط لأنهم ينقلون طاقاتهم السلبية إلى من حولهم، بل لأن تأثيرهم يكون خفياً ومستمراً، يضعف العزيمة ويشوّش الأهداف، ويقود أحياناً إلى التردد وفقدان الثقة بالنفس.

في هذا السياق، يقدم هذا المقال نصيحتين جوهريتين للتعامل مع هذه الفئة من الناس بطريقة فعالة، قائمة على أسس علم النفس السلوكي والمعرفي، ومرتكزة إلى مبدأ احترام الذات وتحقيق التوازن الداخلي دون الانجرار إلى الصراعات العاطفية أو الدخول في دوامة الشك والانهزامية.

أولاً: فهم الجذور النفسية للإحباط عند الآخرين

أولى الخطوات في التعامل مع الشخص المحبط تكمن في فهم الخلفية النفسية التي أنتجت هذا السلوك. فالأشخاص المحبطون غالباً ما يكونون نتاجاً لتجارب شخصية سلبية، سواء على مستوى الطفولة، أو في بيئة العمل، أو ضمن العلاقات الاجتماعية والعائلية. ويُرجّح أن يكون الإحباط لديهم آلية دفاعية تعكس شعوراً بالعجز أو النقص أو حتى الغيرة المكبوتة تجاه من يمتلك طموحاً وقدرة على التقدم.

علم النفس التحليلي، الذي طوّره سيغموند فرويد وتلامذته، يشير إلى أن الشخصيات السلبية غالباً ما تسقط مشاعرها الداخلية على الآخرين، فبدلاً من مواجهة مشاعر الفشل والإخفاق، تحاول التقليل من إنجازات الآخرين لخلق نوع من التوازن النفسي المزيف. هذا يُعرف في التحليل النفسي بآلية “الإسقاط” (Projection)، حيث يقوم الفرد بنسب مشاعره السلبية للآخرين للتقليل من وطأة الألم الداخلي.

هذا الفهم لا يعني بالضرورة التساهل مع هذه التصرفات أو تقبّلها كأمر واقع، بل يُعدّ أداة معرفية لتحديد المنطلقات النفسية وراء هذا النوع من السلوك. إنه يُمكّن الفرد من التعامل مع الشخص المحبط من زاوية عقلانية بعيدة عن ردود الفعل الانفعالية التي قد تفاقم التوتر.

كما أن هذه المعرفة تساعد على التحصن الذاتي، من خلال إدراك أن انتقادات الشخص المحبط غالباً ما تكون انعكاساً لصراعه الداخلي، وليست تقييماً موضوعياً للواقع أو للآخرين. وهذا التحصين الفكري يُعتبر حجر الأساس في بناء ردود عقلانية ومتزنة تحمي الذات من الانجراف في التيارات السلبية.

ثانياً: الحفاظ على التوازن الداخلي وترسيخ حدود صحية

النصيحة الثانية تتمثل في الحفاظ على التوازن النفسي الداخلي من خلال بناء حواجز عاطفية صحية. الأشخاص المحبطون، بحكم طاقاتهم السلبية، يسعون أحياناً – بوعي أو بدون وعي – إلى إدخال الآخرين في دوامة من الإحباط المشترك، وذلك بإضعاف معنوياتهم أو التشكيك في قدرتهم على تحقيق النجاح. ولذلك فإن الوقاية من التأثر بهم تتطلب تفعيل ما يُعرف في علم النفس بـ”الحدود النفسية” (Psychological Boundaries).

الحدود النفسية لا تعني الانعزال أو القطيعة، بل تعني ببساطة القدرة على التمييز بين مشاعر الذات ومشاعر الآخر، وعدم السماح للأفكار الهدامة بالتغلغل إلى العقل الباطن والتأثير على القرارات أو الدوافع. هذا يتطلب مهارات متعددة مثل اليقظة الذهنية (Mindfulness)، والتقدير الذاتي، والمراجعة المستمرة للنية وراء كل تفاعل اجتماعي.

ومن الوسائل العملية لترسيخ هذه الحدود، يمكن اتباع بعض الأساليب السلوكية المدعومة علمياً:

هذه الأساليب ليست مجرد أدوات آنية، بل هي جزء من منظومة حماية نفسية طويلة المدى، تُمكن الفرد من العيش ضمن محيط مليء بالتحديات النفسية دون أن يخسر هدوءه الداخلي أو بوصلته الشخصية.

الإحباط كعدوى اجتماعية وسبل المناعة النفسية

تُظهر الدراسات الحديثة في علم النفس الاجتماعي أن الإحباط يمكن أن يُنتقل من شخص إلى آخر بشكل مشابه للعدوى النفسية، خصوصاً في البيئات التي تفتقر إلى الدعم العاطفي والثقافي. ولهذا يُعد التحصين النفسي أمراً ضرورياً في كل المراحل، سواء في الحياة الأسرية أو المهنية.

الإحباط لا يكون دائماً بصيغة مباشرة، بل قد يتخفّى تحت مظاهر متعددة مثل السخرية المستمرة، أو تقليل الشأن، أو التنظير السلبي. إن إدراك هذه الأشكال غير المباشرة يساعد على تجنب الوقوع في فخاخ التأثير النفسي غير المرئي. وهنا يبرز دور التربية العاطفية والنضج الذاتي في مواجهة هذه التحديات بصلابة واتزان.

المراجع:

1. Goleman, Daniel. Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam Books, 1995.

2. Ellis, Albert. A Guide to Rational Living. Melvin Powers, 1997.

هل ترغب بمقال آخر حول كيفية تعزيز الطاقة الإيجابية في مواجهة الشخصيات المحبطة؟