التعامل مع الأشخاص الفظين

في الحياة اليومية، نواجه الكثير من الأشخاص الذين قد يتسم سلوكهم بالفظاظة أو الجفاء أو العدوانية اللفظية. قد يكون هذا السلوك غير مبرر في بعض الأحيان، مما يخلق توتراً نفسياً وعاطفياً يؤثر على سير العلاقات الإنسانية وعلى بيئة العمل أو المنزل أو حتى في الأماكن العامة. التعامل مع هذا النوع من الأشخاص يتطلب فهماً عميقاً للطبيعة البشرية، وقدراً كبيراً من ضبط النفس والحكمة الاجتماعية. في هذا المقال المطول، سيتم تقديم الجزء الأول من مجموعة من النصائح العملية والفعالة في كيفية التعامل مع الأشخاص الفظين، بناءً على دراسات علم النفس السلوكي والاجتماعي والتجارب الحياتية الواقعية.

1. تحكم في رد فعلك الأولي

من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالغضب أو الاستياء عند التعرض للفظاظة، ولكن أول خطوة في التعامل الناجح مع الشخص الفظ هي التحكم في رد فعلك الفوري. استجابتك الأولى هي التي تحدد كيف ستتطور الأمور. لا تكن مرآة لسلوكه، بل تحلّ بالهدوء وركز على الحفاظ على اتزانك الداخلي. السكون وعدم التفاعل السريع يمنحك وقتاً للتفكير ويمنع تصعيد الموقف.

2. افصل بين الشخص وسلوكه

عند التعامل مع الأشخاص الفظين، من المهم أن تفرّق بين الفعل والشخص. الشخص قد يكون في حالة نفسية سيئة أو يعاني من ضغوط لم يفصح عنها. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي، بل افهم أن السلوك السيء قد لا يكون موجهاً ضدك بشكل مباشر. هذا التفريق يقلل من التوتر ويعزز نظرتك الموضوعية للموقف.

3. مارس الإنصات العميق دون انفعال

في كثير من الأحيان، يكون الإنصات وسيلة فعالة لتفريغ شحنة الغضب لدى الطرف الآخر. بدلاً من مقاطعته أو الرد عليه بفظاظة مماثلة، امنحه فرصة للتحدث واستخدم لغة الجسد التي تُظهر أنك تستمع دون أن تنفعل. هذه الطريقة قد تجعل الشخص يشعر بالإحراج من سلوكه أو يعيد تقييم طريقته في الحديث.

4. ضع حدوداً واضحة ولكن محترمة

الحدود مهمة في أي علاقة. إذا تمادى الشخص في فظاظته، عليك أن توضح له بلغة حازمة ولكن غير عدوانية أن هذا السلوك غير مقبول. يمكنك قول جمل مثل: “أنا مستعد للحوار معك، لكن ليس بهذه الطريقة”. بهذه الطريقة، تكون قد أرسيت قواعد التعامل الصحي دون تصعيد أو هجوم.

5. استخدم أسلوب “التجاهل التكتيكي”

في بعض الحالات، يكون التجاهل هو الرد الأفضل. الفظاظة أحياناً تكون بهدف استفزازك أو لفت الانتباه بطريقة سلبية. إذا شعرت أن الشخص يتعمد الإساءة دون سبب، تجاهله دون أن تُظهر له أن سلوكه قد أثر عليك. التجاهل يقطع سلسلة السلوك السلبي ويضعف تأثيره.

6. اختر الوقت المناسب للرد أو المواجهة

الرد على الفظاظة لا يجب أن يكون فورياً. في بعض الأحيان، من الأفضل الانتظار حتى يهدأ الموقف وتستعيد سيطرتك على مشاعرك. تأجيل المواجهة إلى وقت مناسب يعطيك فرصة للتفكير والرد بطريقة عقلانية تحفظ كرامتك ولا تؤجج النزاع.

7. لا تحاول إصلاح الجميع

بعض الأشخاص معتادون على الفظاظة كسلوك دائم، وقد لا يتغيرون بسهولة. لا تهدر طاقتك في محاولة تغيير شخص لا يريد التغيير. حدد أولوياتك العاطفية وتوجه طاقتك نحو الأشخاص الإيجابيين الذين يستحقون تفاعلك ووقتك.

8. درّب نفسك على التعاطف التحليلي

التعاطف لا يعني الموافقة على السلوك الفظ، بل محاولة فهم أسبابه. اسأل نفسك: هل يمر هذا الشخص بظروف صعبة؟ هل يعاني من اضطراب نفسي أو ضغط مهني؟ هذا النوع من التفكير لا يبرر الفظاظة، لكنه يساعدك على التعامل معها دون أن تتأثر سلباً.

9. استخدم العبارات الذكية وغير التصادمية

يمكنك الرد على الفظاظة بذكاء دون إثارة النزاع، كأن تقول مثلاً: “ألاحظ أنك منزعج، هل هناك ما يمكنني فعله للمساعدة؟” هذه الجملة تحمل في طياتها رسالة مزدوجة: الاحترام وعدم قبول الأسلوب العدواني. مثل هذه العبارات تقلل من التوتر وتعيد توجيه الحوار نحو التعاون بدلاً من الصراع.

10. احمِ نفسك من الأثر العاطفي المستمر

الفظاظة المتكررة قد تترك أثراً سلبياً على صحتك النفسية، خصوصاً إذا كانت تأتي من شخص قريب أو زميل في العمل. من الضروري أن تطور وسائل للدفاع النفسي مثل التأمل، الكتابة التعبيرية، التحدث مع صديق موثوق أو مستشار نفسي. الحفاظ على سلامتك النفسية أولوية قصوى.

11. ابحث عن السياق العام لسلوك الشخص

قبل الحكم القاطع على الشخص، انظر إلى السياق الأوسع: هل هو فظ دائماً أم فقط في مواقف معينة؟ فهم السياق يسهل عليك اتخاذ القرار المناسب في كيفية التعامل معه، سواء بالمواجهة أو بالانسحاب أو بوضع مسافة آمنة.

12. أعد صياغة الموقف في عقلك

العقل لديه قدرة على تفسير الأمور من زوايا متعددة. بدلاً من اعتبار الموقف إهانة شخصية، أعد تأطيره في ذهنك كفرصة للتعلم أو تجربة اجتماعية تساعدك على النمو في مهارات التواصل وضبط النفس. هذا التحول المعرفي يُسهم في تقوية مرونتك العاطفية.

13. احرص على استخدام لغة جسد مطمئنة ومحايدة

اللغة غير اللفظية تؤثر كثيراً في التفاعل الاجتماعي. حاول ألا تُظهر توتراً أو عدوانية في تعابير وجهك أو حركاتك، وبدلاً من ذلك استخدم لغة جسد هادئة ومحايدة. هذا يمنح الطرف الآخر إحساساً بالأمان وقد يدفعه لتعديل سلوكه دون صدام.

14. لا تنخرط في سلسلة من ردود الفعل السلبية

عندما تقابل الفظاظة بفظاظة، تدخل في حلقة مفرغة من العداء. تجنب الانجرار وراء السلوك السلبي وكن الطرف الأكثر نضجاً. السلوك الإيجابي لا يعكس ضعفاً بل قوة داخلية وثقة بالنفس.

15. ضع سيناريوهات مسبقة للتعامل مع الفظاظة

تخيل أنك في موقف يواجهك فيه شخص فظ، وفكر مسبقاً في كيفية التصرف. إعداد سيناريوهات مسبقة يجهّز عقلك للتصرف بحكمة في لحظة المواجهة الفعلية. هذا التدريب العقلي يزيد من قدرتك على التعامل الفوري بفعالية دون انفعال.

16. ابتعد إذا لزم الأمر

في بعض الأحيان، يكون الانسحاب المؤقت أو الدائم من العلاقة هو الحل الأفضل. إذا كان الشخص لا يتوقف عن السلوك المؤذي رغم محاولاتك المتكررة، فكر في حماية نفسك عن طريق تقليل التواصل أو إنهائه إذا كان ذلك ممكناً. احترام الذات يستدعي أحياناً أن نضع حداً للعلاقات السامة.

هذا المقال يشكّل الجزء الأول من سلسلة متكاملة تهدف إلى تقديم أدوات معرفية وسلوكية فعالة تساعد على التعامل مع الأشخاص الفظين بطريقة متزنة تحافظ على كرامتك وسلامتك النفسية، وفي نفس الوقت تتيح لك إدارة المواقف الاجتماعية الصعبة بأعلى قدر من النضج والوعي.

المراجع:

• Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence. Bantam Books.

• Carnegie, D. (1936). How to Win Friends and Influence People.

• Mayo Clinic. (2023). Anger management: 10 tips to tame your temper.

• American Psychological Association (APA).

• Harvard Business Review: Dealing with Rude Behavior at Work.