طفلك دائماً معترض.. كيف تتعاملي معه؟

تربية الأطفال ليست مهمة سهلة، وخاصة عندما يكون الطفل ذو طبيعة معترضة، كثير الاعتراض على كل ما يُقال له أو يُطلب منه. هذا السلوك قد يشكل تحدياً كبيراً للأهل، خصوصاً للأمهات اللواتي يسعين إلى تربية أبنائهن بطريقة سليمة ومتوازنة، تضمن نمو الطفل عاطفياً واجتماعياً بشكل صحيح. الاعتراض المتكرر للطفل لا يعني بالضرورة أنه يعاني من مشكلة نفسية، لكنه قد يكون تعبيراً عن مشاعر أو احتياجات غير مفهومة أو غير ملباة.

في هذا المقال، سنتناول ظاهرة اعتراض الطفل من كافة جوانبها، الأسباب المحتملة لهذا السلوك، تأثيراته على نفسية الطفل والأسرة، ثم ننتقل إلى الطرق الفعالة التي يمكن للأم أن تتبعها للتعامل مع هذا السلوك بطريقة علمية وإنسانية تضمن بناء علاقة صحية وقوية مع طفلها.

مفهوم الاعتراض عند الأطفال وأشكاله

الاعتراض هو رفض الطفل تنفيذ طلب أو توجيه أو تعليمات معينة، ويُعد جزءًا طبيعياً من نمو الطفل إذ يبدأ الطفل مع تقدم عمره في تكوين شخصيته الخاصة، ويرغب في التعبير عن رأيه واستقلاليته. هذا الاعتراض قد يظهر بأشكال مختلفة، منها:

• الرفض الصريح: قول “لا” بشكل مباشر وبصوت مرتفع.

• التأجيل والمماطلة: تأخير تنفيذ الطلبات وعدم الاستجابة بشكل فوري.

• الجدال: الدخول في نقاش أو جدال مع الأهل أو المعلمين.

• العصبية والغضب: الانفعالات السريعة كرد فعل على طلبات الأهل.

• التمرد: تصرفات مخالفة ومتعمدة للأنظمة والقواعد المنزلية.

فهم هذه الأشكال ضروري لفهم السبب الحقيقي وراء الاعتراض، ولإيجاد حلول مناسبة لكل حالة.

أسباب اعتراض الطفل المستمر

الاعتراض ليس سلوكاً عشوائياً، بل غالباً ما يكون نتيجة لمجموعة من العوامل التي تؤثر على نفسية الطفل وسلوكه، منها:

1. الرغبة في الاستقلالية والتحكم

مع تقدم الطفل في العمر، وخاصة من سن 2 إلى 6 سنوات، يبدأ في تطوير إحساسه بالذات والرغبة في السيطرة على بيئته. الاعتراض طريقة للتعبير عن هذه الرغبة في الاستقلالية، ورفضه لأن يُفرض عليه شيء بدون مشاركته في القرار.

2. نقص التواصل الفعّال

أحياناً يكون الاعتراض نتيجة لعدم فهم الطفل لما يُطلب منه أو شعوره بأن الأوامر غير واضحة. عدم وجود حوار مناسب مع الطفل حول أسباب الطلبات قد يولد لديه شعوراً بالظلم أو الاستبعاد.

3. المشكلات النفسية أو العاطفية

القلق، الخوف، التوتر أو مشاكل في الأسرة مثل الخلافات الزوجية أو انتقال مفاجئ قد تؤدي إلى تصرفات معترضة عند الطفل، حيث يعبر بها عن انزعاجه الداخلي.

4. التربية القاسية أو غير المتسقة

الأطفال الذين يتعرضون لعقوبات متكررة أو أجواء صارمة للغاية قد يطورون سلوكيات معترضة كرد فعل دفاعي ضد ما يشعرون به من ضغط نفسي.

5. الشعور بعدم التقدير أو الإهمال

الطفل الذي يشعر بأنه لا يحظى بالاهتمام الكافي أو الحب قد يلجأ إلى الاعتراض لجذب انتباه الأهل، حتى وإن كان ذلك بالسلوك السلبي.

تأثير اعتراض الطفل المستمر على الأسرة

تصرفات الطفل المعترضة تؤثر بشكل مباشر على جو الأسرة، وتؤدي إلى عدد من المشكلات منها:

• زيادة التوتر والقلق لدى الأهل: الاستجابة المستمرة لسلوكيات الاعتراض تستهلك طاقة نفسية كبيرة.

• تعكير صفو العلاقة بين الأهل والطفل: الاعتراض المستمر قد يولد استياءً متبادلاً ويؤثر على الثقة بين الطرفين.

• تعطيل سير الحياة اليومية: اعتراض الطفل قد يؤدي إلى تأخير في تنفيذ الواجبات اليومية مثل تناول الطعام، الذهاب للمدرسة أو النوم.

• تأثير سلبي على نفسية الطفل: مع مرور الوقت قد يشعر الطفل بالاغتراب أو فقدان الثقة بالنفس إذا لم يتم التعامل مع اعتراضه بشكل مناسب.

كيفية التعامل مع الطفل المعترض بطريقة فعالة

التعامل مع الطفل المعترض يتطلب مزيجاً من الصبر، الفهم، والتخطيط السليم. هناك خطوات وأسس يجب اتباعها لتحقيق نتائج إيجابية:

1. بناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل

يجب على الأهل خلق جو من المحبة والاحترام، حيث يشعر الطفل بالأمان والقبول، مما يقلل من حاجته للاعتراض كوسيلة لجذب الانتباه أو التعبير عن غضبه.

2. تعزيز مهارات التواصل مع الطفل

• الاستماع الفعّال: إظهار اهتمام حقيقي لما يقوله الطفل حتى وإن كان يعترض، لأن الاستماع يشعره بأنه مهم.

• الحديث بلغة بسيطة واضحة: تقديم التوجيهات بطريقة تناسب عمر الطفل دون استخدام عبارات معقدة أو محيرة.

• تفسير الأسباب: عند الطلب من الطفل القيام بشيء، من المهم شرح السبب حتى يشعر بأنه جزء من القرار.

3. منح الطفل خيارات محدودة

بدلاً من إعطاء أمر مباشر، يمكن تقديم خيارين أو ثلاثة للطفل ليختار منهم، وهذا يعطيه شعوراً بالسيطرة ويقلل من مقاومته.

4. وضع قواعد واضحة وثابتة مع التزام الجميع بها

• يجب أن تكون القواعد المنزلية واضحة ومفهومة لكل أفراد الأسرة.

• الثبات على تنفيذ القواعد دون تنازل يعزز من احترام الطفل للحدود.

5. استخدام التعزيز الإيجابي

مكافأة الطفل على السلوك الجيد والتعاون تساعده على تكرار هذا السلوك. يمكن أن تكون المكافآت لفظية، عناق، أو هدايا رمزية.

6. التعامل بحزم دون عنف

• يجب أن تكون الحزم في التوجيهات من دون استخدام العنف الجسدي أو اللفظي.

• الحزم يعني الثبات والوضوح مع الحفاظ على الهدوء.

7. التحكم في الانفعالات الشخصية للأهل

الأهل يجب أن يتحكموا في ردود أفعالهم، فالانفعال أو الغضب الشديد يزيد من تعقيد الموقف ويشجع الطفل على الاعتراض.

8. منح الطفل وقتاً للتكيف

عند تطبيق قواعد جديدة أو تغيير طريقة التعامل، يجب إعطاء الطفل فترة زمنية ليتكيف مع التغييرات تدريجياً.

استراتيجيات عملية مع الأمثلة

استخدام الوقت الإيجابي

خصصي وقتاً يومياً للعب أو الحديث مع الطفل بعيداً عن العقوبات أو الأوامر، مما يعزز العلاقة بينكما ويقلل من سلوكه المعترض.

مثال:

عندما تطلبين من طفلك ترتيب ألعابه، بدلاً من فرض الأمر مباشرة، اشرحي له: “هل تود أن تبدأ بترتيب المكعبات أولاً أم السيارات؟” هذه الطريقة تشعر الطفل بالتحكم وتقلل الاعتراض.

استخدام تقنية “التجاهل الإيجابي”

في حال كان الاعتراض يترافق مع نوبات غضب أو تصرفات غير ملائمة، يمكن تجاهل السلوك المعترض مع التركيز على السلوك الإيجابي في الوقت نفسه.

مثال:

إذا بدأ الطفل بالصراخ اعتراضاً على طلب معين، يمكن للأم أن تهدأ من نفسها وتستمر في حديثها الهادئ، ثم عندما يهدأ الطفل، تمدحه على هذا التصرف.

الجدول التالي يوضح الفرق بين الأساليب السلبية والإيجابية في التعامل مع اعتراض الطفل:

أهمية مراقبة وتقييم السلوك بمرور الوقت

التعامل مع اعتراض الطفل ليس حلاً سريعاً، بل يحتاج إلى متابعة مستمرة وتقييم للسلوك والتأثيرات. يمكن للأم تسجيل ملاحظات يومية عن مواقف الاعتراض وكيفية التعامل معها، لمعرفة الأساليب الأكثر فاعلية. في بعض الحالات، قد يكون من الضروري استشارة مختص في التربية أو علم النفس للأطفال إذا كان الاعتراض شديداً ويؤثر على حياة الأسرة بشكل كبير.

الختام

الاعتراض المستمر للطفل سلوك طبيعي في مرحلة معينة من النمو، لكنه يحتاج إلى تعامل مدروس يعكس احترام الطفل وفهم احتياجاته النفسية والعاطفية. الأم التي تتبع أساليب تربوية قائمة على الحوار، الاحترام، الحزم، والتعزيز الإيجابي تساهم بشكل فعال في تقليل هذا السلوك، مما يسهم في بناء شخصية طفل متوازنة وقادرة على التعبير عن نفسها بطريقة سليمة. التربية الناجحة هي التي تجمع بين الفهم العميق لطبيعة الطفل والوعي بالطرق العلمية في التعامل معه، وهذا هو الطريق الأمثل لخلق بيئة أسرية صحية تنمو فيها الأجيال القادمة بأفضل صورة ممكنة.

المراجع:

1. جيمس بول، “تربية الأطفال: علم نفس النمو والسلوك”، دار النهضة العربية، 2018.

2. مؤسسة الصحة النفسية الأمريكية (APA)، مقالات وأبحاث حول سلوكيات الأطفال وتطوير مهارات التربية، 2022.