كيف تتغلبين على المشاعر السلبية بعد تجربة الإنفصال أو الطلاق؟

يُعدّ الانفصال أو الطلاق من التجارب العاطفية المؤلمة التي تُحدث شرخاً في النفس، وقد تترك أثراً عميقاً يطال مختلف جوانب الحياة. لا يقتصر تأثير هذه المرحلة على الجانب العاطفي فقط، بل يتعداه إلى الجوانب النفسية، والاجتماعية، والصحية، والمالية أحياناً. ورغم ما تحمله هذه التجربة من ألم، إلا أنها قد تكون نقطة انطلاق نحو حياة أكثر توازناً ووعياً ونضجاً إذا ما تم التعامل معها بطريقة صحية وسليمة. يحتاج تجاوز هذه المرحلة إلى وقت، ودعم، ومهارات تساعد على إعادة بناء الذات واستعادة التوازن الداخلي.

الانفصال كصدمة نفسية

تشبه تجربة الطلاق أو الانفصال في تأثيرها النفسي ما يُعرف بـ”الصدمة”، وهي استجابة الإنسان الطبيعية لفقدان الأمان العاطفي والروحي الذي كان يتقاسمه مع الشريك. يُمكن أن تؤدي هذه الصدمة إلى اضطرابات في النوم، فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل، انخفاض تقدير الذات، التوتر، والقلق. وتختلف شدة هذه الأعراض بحسب طبيعة العلاقة السابقة، وطريقة الانفصال، والدعم الاجتماعي المُتاح.

في كثير من الأحيان، يُرافق هذه الصدمة نوع من الإنكار، أو الغضب، أو الحزن العميق، أو حتى الشعور بالذنب. ومن الضروري فهم أن هذه المشاعر طبيعية، وأن المرور بها يُعدّ جزءاً أساسياً من عملية الشفاء.

مراحل الحزن بعد الطلاق

يمرّ الإنسان عادة بعد الانفصال بمراحل تشبه تلك التي يمرّ بها عند فقدان شخص عزيز، وهي كما يلي:

1. الإنكار: في هذه المرحلة، قد يصعب على الشخص تصديق ما حدث، وقد تستمر لفترة يشعر فيها بعدم القدرة على تقبل الواقع.

2. الغضب: تليها مرحلة الغضب من النفس أو من الطرف الآخر، أو من الظروف التي أدت إلى الانفصال.

3. المساومة: يحاول الشخص في هذه المرحلة التفكير في طرق لإصلاح ما حدث أو يتخيل سيناريوهات مختلفة كان يمكن أن تمنع الانفصال.

4. الحزن: تبدأ المشاعر الثقيلة بالتسلل بوضوح، ويشعر الشخص بالخسارة والفراغ.

5. التقبّل: وهي المرحلة التي يبدأ فيها الإنسان بالتعايش مع الواقع الجديد وتكوين رؤى جديدة للحياة المستقبلية.

معرفة هذه المراحل والتعامل معها بوعي يساهم في تقصير أمد المعاناة وتسريع وتيرة التعافي.

أهمية التعبير عن المشاعر

كبت المشاعر أو تجاهلها قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع النفسية. التعبير عن الألم، سواء عبر الحديث مع صديق موثوق، أو التدوين، أو من خلال العلاج النفسي، يساعد في تخفيف التوتر وتصفية الذهن. ليس من الضعف الاعتراف بالحزن أو البكاء، بل هو وسيلة صحية لتفريغ المشاعر والتخلص من التوتر الداخلي.

الاهتمام بالصحة الجسدية

يمتلك الجسد والروح علاقة متبادلة التأثير، فالعناية بالصحة الجسدية تُعدّ عنصراً مهماً في تجاوز الأزمات النفسية. يجب الحفاظ على نظام غذائي متوازن، وممارسة التمارين الرياضية، والاهتمام بالنوم الجيد. هذه العوامل تُفرز هرمونات تساعد على تحسين المزاج مثل السيروتونين والإندورفين، مما يساهم في رفع الروح المعنوية وتقوية المناعة النفسية.

إعادة بناء الهوية الذاتية

بعد الانفصال، يشعر الكثير من الأشخاص بفقدان لهويتهم، خصوصاً إذا كانت العلاقة السابقة قد تداخلت مع مفاهيم الذات بشكل كبير. من الضروري في هذه المرحلة إعادة اكتشاف النفس من جديد. يمكن أن يكون ذلك من خلال:

• العودة إلى الهوايات القديمة التي تم التخلي عنها أثناء العلاقة.

• التحاق بدورات تعليمية أو مهنية لتطوير الذات.

• المشاركة في الأنشطة التطوعية التي تمنح الشعور بالإنجاز والانتماء.

• تحديد الأهداف الشخصية القصيرة والطويلة المدى.

إعادة بناء الهوية تُمكن الشخص من التحرر من تبعات العلاقة السابقة والنهوض بهوية مستقلة قائمة على تقدير الذات.

التخلص من التعلقات العاطفية السامة

من أبرز العوائق في تجاوز الطلاق هو التعلق بالماضي أو بالمشاعر السلبية المرتبطة بالشريك السابق. يُعدّ التحرر من هذه المشاعر أمراً ضرورياً للتعافي. يتطلب ذلك التوقف عن إعادة قراءة الرسائل القديمة، أو مراقبة الشريك على مواقع التواصل، أو محاولة التواصل معه بحجة “الإغلاق”. التحرر من هذه التعلقات لا يعني الكره أو القطيعة، بل هو احترام لكرامة الذات وحمايتها من الانهيار المتكرر.

إحاطة النفس بالدعم الاجتماعي

يمثل الدعم الاجتماعي درعاً واقياً ضد الانهيار النفسي. يحتاج الفرد في هذه المرحلة إلى أشخاص يُصغون له دون حكم، يقدمون له الحب غير المشروط، ويمنحونه الشعور بالأمان والانتماء. العائلة، الأصدقاء، والمجموعات الداعمة سواء على أرض الواقع أو عبر الإنترنت يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التخفيف من عبء المشاعر السلبية.

اللجوء للعلاج النفسي

في بعض الأحيان، تكون المشاعر السلبية بعد الطلاق عميقة ومزمنة لدرجة يصعب معها تجاوزها بمفردك. هنا تظهر أهمية العلاج النفسي كأداة فعّالة لفهم الذات، وإعادة ترتيب الأفكار، وتطوير استراتيجيات للتكيف. يمكن أن يُساعد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) على تغيير أنماط التفكير السلبية وتعزيز المهارات العاطفية، كما أن جلسات العلاج الفردي أو الجماعي تُوفر بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر واستقبال التغذية الراجعة البناءة.

التخلص من الشعور بالذنب واللوم

غالباً ما تحمل المرأة عبء الذنب بعد الانفصال، سواء من جهة المجتمع أو من جهة نفسها. من المهم التوقف عن جلد الذات وتحميل النفس مسؤولية ما حدث، فالعلاقة مسؤولية مشتركة بين الطرفين. تجاوز هذه المرحلة يتطلب فهماً عميقاً بأن الانفصال قد يكون هو الخيار الأنسب للحفاظ على الصحة النفسية والعاطفية، وأن الاستمرار في علاقة مؤذية أسوأ بكثير من الانفصال ذاته.

إعادة النظر في مفاهيم الحب والزواج

يساعد التأمل في تجربة الانفصال على مراجعة التصورات السابقة حول الحب والعلاقات. قد تكون هناك حاجة إلى إعادة صياغة هذه المفاهيم بما يتناسب مع النضج العاطفي والوعي الجديد الذي تولّد بعد التجربة. لا بد من فهم أن الحب الصحي لا يُلغي الذات، بل يضيف إليها، وأن العلاقة الناجحة تقوم على التكافؤ والاحترام والقبول، لا على التبعية والتضحية غير المشروطة.

بناء روتين جديد

يساعد الروتين المنتظم على تحقيق الشعور بالاستقرار والطمأنينة. يُمكن تخصيص فترات من اليوم للقراءة، أو المشي، أو الكتابة، أو تعلم شيء جديد. النظام اليومي لا يمنح فقط شعوراً بالسيطرة، بل يُقلل أيضاً من فترات التفكير الزائد أو الاكتئاب.

الرضا بالقضاء والقدر

الرضا لا يعني الاستسلام أو التبرير، بل هو إحساس داخلي يُساعد على تهدئة النفس وتقبل ما لا يمكن تغييره. الإيمان بأن ما حدث كان لحكمة، وأن كل نهاية قد تكون بداية، يعيد ترتيب الأولويات ويفتح أبواباً جديدة للحياة.

دور التنمية الروحية

تمثل التنمية الروحية عاملاً حاسماً في دعم النفس خلال مراحل الألم. سواء من خلال الصلاة، أو التأمل، أو قراءة النصوص الدينية أو الفلسفية، فإن هذه الممارسات تُساهم في تحقيق السكينة الداخلية. تساعد الروحانية أيضاً على استعادة الثقة في مسار الحياة وتُحفّز الشخص على الإيمان بإمكانية التعافي والنهوض.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين السلوكيات السلبية والإيجابية بعد الانفصال:

الخاتمة

الانفصال ليس نهاية الحياة، بل قد يكون البداية الفعلية لفهم الذات وتحريرها من القيود النفسية والاجتماعية. قد تكون الرحلة شاقة ومليئة بالتحديات، لكنها تفتح الباب أمام نضوج عاطفي أكبر، ووعي أعمق، وحياة أكثر توازناً. التغيير يبدأ من الداخل، وكل خطوة نحو الشفاء تُمثل إعلاناً عن ولادة جديدة لذات أقوى، أنضج، وأقدر على خوض تجارب الحياة بثقة وصلابة.

المصادر:

1. Kübler-Ross, E. (1969). On Death and Dying. New York: Macmillan.

2. American Psychological Association. (2020). Coping with Divorce. Retrieved from: www.apa.org