كيف تقلل الاحتراق الوظيفي في مكان العمل من خلال التعاطف مع الذات؟
الاحتراق الوظيفي هو حالة من التوتر النفسي والجسدي الناجم عن ضغط العمل المستمر والمتواصل لفترة طويلة، وهو يؤدي إلى شعور بالإرهاق العاطفي والجسدي، وقد ينعكس على الأداء العام للشخص في العمل. يُعتبر الاحتراق الوظيفي من أكبر التحديات التي يواجهها الأفراد في بيئات العمل الحديثة، وقد تؤدي إلى تداعيات سلبية على الصحة النفسية والبدنية والقدرة على الإنتاجية. وبينما يُنظر إلى حل هذه المشكلة من خلال تحسين بيئات العمل أو تغيير الأنظمة داخل المؤسسات، فإن هناك أسلوبًا نفسيًا يمكن أن يكون له تأثير قوي على تقليل الاحتراق الوظيفي: وهو التعاطف مع الذات.
ما هو التعاطف مع الذات؟
التعاطف مع الذات هو عملية عاطفية ونفسية تتضمن أن يكون الشخص لطيفًا ورؤوفًا مع نفسه عندما يواجه الصعوبات أو الفشل، بدلاً من أن يكون قاسيًا أو ناقدًا لذاته. يتضمن التعاطف مع الذات ثلاث عناصر رئيسية: القبول غير المشروط للذات، التعرف على تجربتك الشخصية، و إظهار اللطف مع النفس. هذه المبادئ يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص في مواقف التوتر، حيث توفر الراحة العاطفية وتساعد الشخص على التعامل مع التحديات بطريقة صحية.
العلاقة بين التعاطف مع الذات والاحتراق الوظيفي
الاحتراق الوظيفي ليس مجرد شعور بالتعب أو الإرهاق، بل هو حالة نفسية معقدة تشمل مشاعر العجز، العزلة، وفقدان الحافز. عندما يواجه الأشخاص هذا النوع من الضغط المستمر، قد يتعاملون معه من خلال الانتقاد الذاتي أو التركيز على ما يفعلونه بشكل غير صحيح، مما يزيد من مشاعر السلبية.
إليك كيف يمكن أن يساعد التعاطف مع الذات في تقليل الاحتراق الوظيفي:
-
الحد من النقد الذاتي القاسي: أحد أكبر العوامل التي تساهم في الاحتراق الوظيفي هو النقد الذاتي المفرط. عندما يواجه الأفراد صعوبات أو أخطاء في العمل، يتعرضون للضغط لتصحيح الأمور بسرعة، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تحميل أنفسهم أكثر من طاقتهم. التعاطف مع الذات يعني أن تكون أكثر رحمة مع نفسك في هذه اللحظات، بدلاً من لوم نفسك بشكل مبالغ فيه، ما يساعد في تقليل القلق والضغط النفسي.
-
تعزيز مرونة العقلية: تعاطف الذات يعزز القدرة على التعافي بسرعة من الانتكاسات أو الضغوط النفسية. الأشخاص الذين يمارسون التعاطف مع أنفسهم قادرون على تقبل الفشل والتعلم منه بدلاً من السماح له بتحديد مشاعرهم. هذه المرونة الفكرية تساعدهم في التكيف مع التحديات في بيئة العمل دون أن ينهاروا أو يشعروا بالإرهاق.
-
الحد من التوتر المزمن: يرتبط التوتر المستمر الذي يعيشه الأفراد في العمل بشكل مباشر مع الاحتراق الوظيفي. الأشخاص الذين لا يمارسون التعاطف مع أنفسهم قد يعانون من مستويات أعلى من التوتر بسبب التركيز على سلبيات حياتهم المهنية أو مواقفهم الصعبة. لكن من خلال التعاطف مع الذات، يمكن تقليل مستويات التوتر، حيث يصبح الشخص أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط بهدوء وبتفكير منطقي.
-
زيادة الشعور بالدعم الداخلي: عندما يشعر الأفراد أنهم يدعمون أنفسهم خلال الأوقات الصعبة، فإن هذا يعزز من صحتهم النفسية. التعاطف مع الذات يساعد في توفير الدعم الداخلي، مما يقلل من الحاجة إلى البحث المستمر عن الإشادة الخارجية أو التقدير من الآخرين. هذا يساهم في خلق بيئة عمل أكثر هدوءًا وأقل توترًا.
-
تحفيز الرغبة في الرعاية الذاتية: في كثير من الأحيان، يتجاهل الأشخاص الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي أهمية العناية بأنفسهم. التعاطف مع الذات يسلط الضوء على أهمية الراحة والاعتناء بالجسد والعقل، مثل ممارسة الرياضة، تناول الطعام الصحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم. عندما يهتم الشخص بنفسه ويمنح نفسه الوقت للراحة، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل الإرهاق وإعادة تنشيط القوى النفسية والجسدية.
-
التركيز على التجارب المشتركة: عندما يواجه الأفراد مشاعر العزلة أو التوتر في مكان العمل، يمكن للتعاطف مع الذات أن يساعد في تذكيرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذه التجارب. الأشخاص الذين يشعرون بالعطف تجاه أنفسهم أكثر قدرة على التفاعل مع الآخرين بطريقة صحية، وهذا يمكن أن يعزز الشعور بالتواصل والدعم الاجتماعي، الذي يعد عنصرًا مهمًا في تقليل الاحتراق الوظيفي.
استراتيجيات عملية لتعزيز التعاطف مع الذات في مكان العمل
من أجل تطبيق التعاطف مع الذات بشكل فعال في العمل، يمكن اتباع بعض الاستراتيجيات التي من شأنها أن تعزز من صحتك النفسية وتقليل الاحتراق الوظيفي:
-
التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين: غالبًا ما يسبب التنافس غير الصحي في بيئة العمل ضغطًا نفسيًا كبيرًا. لذلك من المهم أن تتوقف عن مقارنة نفسك بزملائك. التقدير الذاتي يجب أن يكون قائمًا على قيمك الشخصية وأهدافك، وليس على المقارنات الخارجية.
-
ممارسة التأمل والتفكير الهادئ: تخصيص وقت يومي للتأمل أو القيام بالتمارين التنفسية يمكن أن يساعد في تقليل التوتر. هذه الممارسات توفر فرصة للتواصل مع نفسك بشكل أعمق وتطوير التقدير الذاتي، مما يؤدي إلى تقليل الاحتراق الوظيفي.
-
مراقبة الحوار الداخلي: أحد أعمق أشكال التعاطف مع الذات هو مراقبة الحوار الداخلي لديك. حاول أن تكون واعيًا للأفكار السلبية أو النقدية التي قد تتسلل إلى ذهنك في اللحظات الصعبة. استبدل هذه الأفكار بتأكيدات إيجابية ومشجعة. على سبيل المثال، بدلاً من أن تقول “أنا فاشل”، حاول أن تقول “لقد بذلت جهدي، وأتعلم من الأخطاء”.
-
وضع حدود صحية: إحدى أكبر أسباب الاحتراق الوظيفي هي الانغماس المفرط في العمل، وعدم القدرة على قول “لا” أو وضع حدود صحية. يجب أن تتعلم كيف تحدد أولوياتك وتقول “لا” عندما يكون ذلك ضروريًا لحمايتك النفسية والجسدية. التعاطف مع الذات يتطلب منك أن تكون صريحًا مع نفسك ومع الآخرين حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن.
-
طلب الدعم عندما تحتاج إليه: التعاطف مع الذات يشمل أيضًا قبول أنك بحاجة إلى مساعدة من الآخرين. إذا كنت تشعر بالإرهاق، فلا تتردد في طلب الدعم من زملائك أو مشرفيك أو من محترفين في الصحة النفسية.
خلاصة
التعاطف مع الذات هو أداة قوية يمكن أن تساعد الأفراد على التغلب على الاحتراق الوظيفي بشكل فعال. من خلال تبني هذا النهج، يصبح الشخص أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط العمل والابتعاد عن مشاعر الفشل والإرهاق. يعزز التعاطف مع الذات القدرة على البقاء مرنًا نفسيًا وبدنيًا، مما يسهم في تحسين الصحة العامة وزيادة الإنتاجية. في بيئة العمل المعاصرة، التي تزداد فيها الضغوط بشكل مستمر، يصبح التعاطف مع الذات ليس فقط خيارًا بل ضرورة.
