التشنجات.. مؤشر خطر عند الأطفال

تُعد التشنجات من الحالات الطبية التي تستدعي اهتمامًا كبيرًا خاصة عند الأطفال، نظرًا لما تحمله من دلالات قد تكون بسيطة أو تشير إلى مشكلات صحية خطيرة. التشنجات ظاهرة شائعة نسبيًا في مرحلة الطفولة، وقد تؤدي إلى قلق شديد لدى الأهل لما يصاحبها من فقدان للوعي، حركات لا إرادية، وأحيانًا اضطرابات تنفسية. لهذا، من الضروري فهم ماهية التشنجات، أسبابها، أنواعها، وأثرها الصحي على الأطفال لتحديد مدى خطورتها والطرق المناسبة للتعامل معها.

تعريف التشنجات عند الأطفال

التشنجات هي حالة من النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ يؤدي إلى تغيرات في الحركة أو السلوك أو الوعي. تظهر التشنجات على شكل تقلصات عضلية لا إرادية، وتكون مصحوبة أحيانًا بفقدان مؤقت للوعي أو تغييرات في الإدراك. عند الأطفال، يمكن أن تتفاوت التشنجات في شدتها وأشكالها، وقد تحدث نتيجة لأسباب متعددة سواء كانت مرضية أو متعلقة باضطرابات عصبية.

أنواع التشنجات عند الأطفال

التشنجات عند الأطفال تنقسم إلى عدة أنواع بناءً على شكلها، أسبابها، وطبيعة تأثيرها على الطفل، منها:

1. التشنجات الحرارية (الحمى)

هي أكثر أنواع التشنجات شيوعًا في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 سنوات. تحدث عادةً عند ارتفاع درجة حرارة الجسم بسرعة بسبب عدوى، ولا ترتبط عادةً بمرض عصبي مزمن. تتميز بحدوث تقلصات عضلية عامة أو جزئية مع فقدان مؤقت للوعي.

2. التشنجات الجزئية

تكون محدودة في جزء معين من الجسم، نتيجة نشاط كهربائي غير طبيعي في جزء معين من الدماغ. قد تشمل حركات متكررة في يد أو قدم واحدة أو تغيرات في الوعي.

3. التشنجات العامة

تؤثر على الدماغ كله وتنتج حركات لا إرادية في جميع أنحاء الجسم، فقدان الوعي، وتشنجات عضلية قوية. قد تكون مصحوبة ببلع لسان أو فقدان السيطرة على المثانة.

4. التشنجات النفسية أو التحويلية

نوع نادر يحدث نتيجة لعوامل نفسية أو توتر نفسي، ويشبه التشنجات العضلية ولكن بدون أسباب عضوية واضحة في الدماغ.

أسباب التشنجات عند الأطفال

تتشكل التشنجات نتيجة لعوامل متعددة ومتنوعة، ومن أهم هذه الأسباب:

1. الحمى والعدوى

ارتفاع درجة الحرارة المرتبط بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية هو سبب رئيسي للتشنجات عند الأطفال. التشنجات الحرارية تحدث نتيجة استجابة الدماغ للحرارة المفاجئة، وليس لدرجة الحرارة نفسها.

2. اضطرابات التمثيل الغذائي

نقص في عناصر مهمة مثل الصوديوم، الكالسيوم، أو الجلوكوز يمكن أن يؤدي إلى تشنجات. فمثلاً، انخفاض نسبة السكر في الدم (هبوط السكر) أو اختلال في مستويات المعادن قد يؤثر بشكل مباشر على نشاط الأعصاب.

3. الصدمات والإصابات الدماغية

رضوض الرأس، الحوادث، أو تعرض الدماغ لإصابة قد تسبب ظهور التشنجات كنتيجة لنشاط كهربائي غير طبيعي في منطقة الإصابة.

4. الأمراض العصبية والدماغية

مثل الصرع، أورام الدماغ، التهابات الدماغ أو السحايا، والتشوهات الخلقية في الجهاز العصبي المركزي.

5. التسمم

بعض المواد الكيميائية، السموم، أو الأدوية قد تؤدي إلى التشنجات، خاصة إذا تم تناولها بجرعات زائدة أو عن طريق الخطأ.

آلية حدوث التشنجات

تحدث التشنجات نتيجة خلل في النشاط الكهربائي الطبيعي للدماغ. الخلايا العصبية في الدماغ تنقل الإشارات الكهربائية بشكل منسق، وعندما يحدث اضطراب في هذه الإشارات، يحدث نشاط زائد أو غير منتظم يؤدي إلى التشنجات. يمكن أن يكون هذا الخلل مؤقتًا كما في التشنجات الحرارية، أو دائمًا كما في حالات الصرع المزمنة.

الأعراض المصاحبة للتشنجات

تختلف الأعراض وفقًا لنوع التشنجات وموقعها في الدماغ، لكنها تتضمن عادة:

• حركات لا إرادية في العضلات مثل الرمع أو التقلصات.

• فقدان الوعي أو التفاعل مع المحيط.

• تغير في التنفس، مثل توقف مؤقت أو تنفس سريع.

• بلع لسان أو سيلان اللعاب.

• تغيرات في اللون مثل شحوب أو ازرقاق في الوجه.

• فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء.

مضاعفات التشنجات عند الأطفال

تعد التشنجات مؤشر خطر يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات إذا لم يتم التعامل معها بشكل سريع وفعال، ومنها:

1. تلف الدماغ

التشنجات الطويلة أو المتكررة دون علاج يمكن أن تؤدي إلى تلف في خلايا الدماغ بسبب نقص الأكسجين.

2. توقف التنفس

في بعض الحالات، تسبب التشنجات اختلالًا في التنفس يؤدي إلى نقص الأكسجين وزيادة خطر الاختناق.

3. الإصابة الجسدية

حركات التشنجات المفاجئة قد تؤدي إلى سقوط الطفل وإصابات خارجية مثل الكدمات أو الكسور.

4. اضطرابات نفسية وسلوكية

التشنجات المزمنة تؤثر على تطور الطفل النفسي والسلوكي، وقد تزيد من فرص الإصابة بمشاكل تعليمية واجتماعية.

تشخيص التشنجات عند الأطفال

يبدأ التشخيص بسجل دقيق للحالة يشمل وصف التشنجات، توقيتها، ومدتها. ثم يُجرى الفحص الطبي الكامل مع التركيز على الجهاز العصبي. تشمل الفحوصات التشخيصية:

• تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG): لتسجيل النشاط الكهربائي الدماغي وتحديد نمط التشنجات.

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو الأشعة المقطعية (CT): لفحص بنية الدماغ واكتشاف أي تشوهات أو إصابات.

• فحوصات الدم: للكشف عن اضطرابات التمثيل الغذائي أو العدوى.

• فحوصات السائل الدماغي الشوكي: عند الاشتباه بالتهاب أو عدوى.

علاج التشنجات عند الأطفال

يعتمد العلاج على نوع التشنجات وسببها، ويشمل:

1. علاج السبب

• في التشنجات الحرارية: معالجة الحمى بسرعة باستخدام خافضات الحرارة مع مراقبة الطفل.

• معالجة العدوى أو اضطرابات التمثيل الغذائي إن وجدت.

• التوقف الفوري عن تناول أي مواد سامة أو أدوية تسبب التشنجات.

2. الأدوية المضادة للتشنجات

تستخدم في حالات التشنجات المتكررة أو المزمنة، مثل الصرع، حيث تعمل على استقرار نشاط الدماغ الكهربائي ومنع حدوث نوبات جديدة.

3. التدخل الجراحي

في حالات نادرة، قد يلزم إجراء جراحة لعلاج أسباب تشنجية محددة مثل أورام الدماغ أو تشوهات هيكلية.

4. العلاج الداعم

يشمل المراقبة المستمرة، توفير بيئة آمنة للطفل، ودعم نموه النفسي والتربوي.

الوقاية من التشنجات عند الأطفال

على الرغم من عدم القدرة على الوقاية الكاملة من التشنجات، يمكن التقليل من خطرها من خلال:

• مراقبة الطفل خلال حالات الحمى وعلاجها سريعًا.

• ضمان التغذية السليمة المتوازنة لتجنب اضطرابات التمثيل الغذائي.

• الوقاية من الإصابات الدماغية باتخاذ إجراءات السلامة المناسبة.

• المتابعة الطبية الدورية للأطفال الذين لديهم عوامل خطر أو تاريخ عائلي للتشنجات.

مقارنة بين التشنجات الحرارية والصرع عند الأطفال

أثر التشنجات على نمو الطفل

قد تؤثر التشنجات المتكررة على التطور الحركي والذهني للطفل، حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من نوبات متكررة قد يظهرون تأخرًا في المهارات الحركية، التعلم، والتركيز. لذلك، تعتبر المتابعة الطبية الدقيقة والعلاج المبكر ضروريين للحفاظ على نمو سليم.

دور الأسرة والمحيط في التعامل مع التشنجات

يلعب الأهل والمحيط دورًا رئيسيًا في التعامل مع الطفل المصاب بالتشنجات، من خلال:

• التعرف على علامات التشنجات وكيفية التصرف الصحيح أثناء حدوثها، مثل وضع الطفل على جانبه لمنع الاختناق.

• تهدئة الطفل بعد التشنج ومراقبة التنفس والوعي.

• تقديم الدعم النفسي للطفل والأسرة لتخفيف التوتر والقلق.

• الالتزام بمواعيد الأدوية والفحوصات الطبية.

التشنجات مؤشر خطر لا ينبغي تجاهله

التشنجات ليست مجرد عرض عابر بل هي مؤشر مهم قد يشير إلى اضطرابات صحية خطيرة. تتطلب التشنجات عند الأطفال تقييمًا طبيًا دقيقًا لتحديد السبب الحقيقي واتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على صحة الطفل وضمان تطوره الطبيعي. زيادة الوعي بين الأهالي حول هذا الموضوع يمكن أن يقلل من مضاعفات التشنجات ويحسن من جودة حياة الأطفال المصابين.

المراجع

1. UpToDate. Febrile Seizures in Children. Available at: https://www.uptodate.com/contents/febrile-seizures-in-children

2. National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS). Seizures and Epilepsy Information. Available at: https://www.ninds.nih.gov/Disorders/All-Disorders/Seizures-and-Epilepsy-Information-Page