التسمم: تعريفه، أنواعه، أسبابه، أعراضه، وطرق العلاج والوقاية

يُعد التسمم من الحالات الطبية الحرجة التي يمكن أن تهدد حياة الإنسان بشكل مباشر أو تؤدي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد. يحدث التسمم عندما يدخل جسم الإنسان مادة ضارة أو سامة تؤثر على وظائف الأعضاء الحيوية، وقد يكون هذا التأثير فوريًا أو يتطور تدريجياً حسب نوع المادة السامة وتركيزها وطريقة التعرض لها. في هذا المقال المفصل، سنناقش التسمم من جميع جوانبه، بدءًا من تعريفه، مرورا بأنواعه وأسبابه، مرورا بالأعراض المصاحبة له، ثم الطرق الطبية الحديثة في تشخيصه وعلاجه، وأخيرًا إجراءات الوقاية التي يجب اتخاذها للحد من مخاطره.

تعريف التسمم

التسمم هو حالة مرضية تحدث نتيجة دخول مادة ضارة إلى الجسم تؤدي إلى تعطيل العمليات البيولوجية الطبيعية أو تلف الأنسجة. تختلف شدة التسمم بحسب نوع المادة السامة، وكمية التعرض لها، وطريقة دخولها (ابتلاع، استنشاق، امتصاص جِلدي، أو حقن). المواد السامة قد تكون كيميائية مثل المبيدات الحشرية، أو بيولوجية مثل السموم الناتجة عن بعض البكتيريا، أو طبيعية مثل بعض النباتات أو الفطريات السامة.

أنواع التسمم

1. التسمم الغذائي

ينتج عن تناول أطعمة أو مشروبات ملوثة بجراثيم أو سموم بكتيرية. أشهر مسبباته هي بكتيريا السالمونيلا، والكلوستريديوم بوتولينيوم (الذي يسبب التسمم بالبوتوليزم)، والإشريكية القولونية. يحدث عادة بسبب سوء التخزين أو الطهي غير الجيد.

2. التسمم الكيميائي

ينتج عن التعرض لمواد كيميائية سامة مثل المبيدات الحشرية، المعادن الثقيلة (الرصاص، الزئبق، الكادميوم)، أو المواد الصناعية السامة (مثل الفورمالديهايد أو السيانيد). قد يحدث التسمم الكيميائي في المنازل، المصانع، أو أثناء الحوادث.

3. التسمم الدوائي

يحدث نتيجة تناول جرعة زائدة من الأدوية سواء عن طريق الخطأ أو التعمد. من الأمثلة الشائعة التسمم بمضادات الاكتئاب، الأدوية المسكنة مثل الباراسيتامول (الأسيتامينوفين)، أو أدوية القلب.

4. التسمم بالغازات

ينتج عن استنشاق غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون (CO)، أو الغازات السامة الصناعية أو الدخان الناتج عن الحرائق. يعد التسمم بأول أكسيد الكربون من أكثر أنواع التسمم شيوعًا وخطورة بسبب عدم قدرة الشخص على تمييزه بسبب عدم وجود رائحة أو لون للغاز.

5. التسمم بالسموم الحيوانية

ينتج عن لدغات أو لسعات الحشرات، الثعابين، أو الحيوانات السامة. بعض هذه السموم تسبب تلفًا في الأعصاب، أو تخثر الدم، أو تسممًا شديدًا يؤدي إلى الوفاة إذا لم يُعالج سريعًا.

6. التسمم بالسموم النباتية والفطرية

تناول بعض النباتات أو الفطريات السامة يمكن أن يؤدي إلى التسمم. فطريات مثل “الأمانيتا فايروسا” تسبب تسممًا كبديًا خطيرًا. كذلك تناول النباتات السامة مثل نبات “الدوار” أو “البلادونا” له تأثيرات خطيرة.

أسباب التسمم

تتنوع أسباب التسمم وتتصل غالبًا بأسلوب الحياة والبيئة المحيطة، ومن أهمها:

• سوء التخزين أو التعامل مع المواد الكيميائية: ترك المبيدات الحشرية أو المواد الكيميائية المنزلية في متناول الأطفال، أو استخدامها بطريقة خاطئة.

• تناول الأدوية بدون وصفة طبية أو الجرعة المبالغ فيها.

• الإهمال في تحضير الطعام أو تخزينه، مما يسمح بتكاثر البكتيريا والسموم في الطعام.

• العمل في بيئات صناعية تحتوي على مواد سامة دون استخدام معدات الوقاية الشخصية.

• تعرض الأشخاص لغازات سامة في الحوادث أو الحرائق.

• عدم معرفة بأن بعض النباتات أو الفطريات صالحة للأكل، مما يؤدي إلى تناولها عن طريق الخطأ.

• الإصابة بلدغات أو لسعات من حيوانات سامة.

أعراض التسمم

تختلف أعراض التسمم بحسب نوع المادة السامة، طريقة التعرض، وكمية السم المتناولة، لكنها غالبًا تشمل:

• أعراض عامة: غثيان، قيء، إسهال، دوخة، صداع، ضعف عام.

• أعراض جلدية: طفح جلدي، حكة، تورم أو احمرار.

• أعراض عصبية: تشنجات، فقدان الوعي، اضطراب في الرؤية أو السمع، تنميل وضعف العضلات.

• أعراض تنفسية: ضيق في التنفس، سعال، ألم في الصدر.

• أعراض قلبية: اضطراب نبض القلب، انخفاض ضغط الدم.

• أعراض خاصة: على سبيل المثال، التسمم بأول أكسيد الكربون يسبب صداعًا شديدًا وارتباكًا، والتسمم بالرصاص يسبب فقر دم وألمًا في البطن.

تشخيص التسمم

يعتمد التشخيص على معرفة تاريخ التعرض، الأعراض الظاهرة، والفحوصات المخبرية التي تشمل:

• فحوصات الدم والبول للكشف عن المواد السامة أو علامات تأثيرها.

• تصوير الأشعة أو الفحوصات الإشعاعية إذا كان هناك احتمال لابتلاع أجسام غريبة أو مواد سامة.

• فحوصات متخصصة مثل قياس تركيز الغازات في الدم (في حالة التسمم بأول أكسيد الكربون).

العلاج الطبي للتسمم

يختلف علاج التسمم بحسب نوع المادة السامة وشدته، ويشمل:

1. الإسعافات الأولية الفورية

• إزالة المريض من مصدر السم إلى مكان آمن.

• تنظيف الجسم أو الجلد في حال التسمم الجلدي بغسل الجلد جيدًا بالماء والصابون.

• التخلص من الملابس الملوثة.

• تنظيف المعدة في حالات التسمم الحاد عن طريق تحفيز التقيؤ (لكن هذا إجراء حساس ويجب أن يتم تحت إشراف طبي)، أو عن طريق غسيل المعدة.

• استخدام الفحم النشط الذي يمتص السموم داخل المعدة والأمعاء.

2. العلاج الدوائي

• مضادات السموم (Antidotes)، مثل استخدام الأتروبين في التسمم بالمبيدات العضوية.

• الأدوية الداعمة لوظائف الأعضاء مثل الأدوية المنشطة للقلب أو أدوية تقوية التنفس.

• علاج المضاعفات كالتشنجات أو اضطرابات نظم القلب.

3. الدعم الطبي

• العناية التنفسية في حالة تسمم الغازات.

• نقل الدم في حالة التسمم بالرصاص أو المعادن الثقيلة.

• غسيل الكلى لإزالة السموم من الدم في حالات التسمم الشديدة.

الوقاية من التسمم

تعتبر الوقاية أفضل وأهم من العلاج، وتتضمن:

• تخزين المواد الكيميائية والأدوية بعيدًا عن متناول الأطفال.

• قراءة التعليمات جيدًا عند استخدام الأدوية والمواد الكيميائية.

• طهي الطعام وتخزينه بطريقة صحية وآمنة لمنع تكاثر البكتيريا.

• استخدام معدات الحماية الشخصية في أماكن العمل التي تتطلب ذلك.

• التوعية بمخاطر بعض النباتات والفطريات السامة.

• الابتعاد عن المناطق التي يمكن أن تحتوي على حيوانات سامة.

• تركيب أجهزة كشف أول أكسيد الكربون في المنازل.

• الامتناع عن تناول أدوية أو مواد غير معروفة المصدر أو دون استشارة طبية.

أثر التسمم على الصحة العامة والمجتمع

التسمم لا يؤثر فقط على صحة الفرد بل يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا. يتطلب علاج حالات التسمم موارد صحية كبيرة، ويؤدي في بعض الحالات إلى العجز الدائم أو الوفاة، مما يؤثر على حياة الأسر والمجتمعات. كما أن هناك بعض التسممات المهنية التي تهدد عمال المصانع والزراعة، مما يرفع من أهمية فرض قوانين السلامة والصحة المهنية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين بعض أنواع التسمم من حيث المصدر، أعراضه، وطرق العلاج:

خلاصة

التسمم من الحالات الطبية الطارئة التي تتطلب التعامل السريع والدقيق. نظراً لتنوع مصادر السموم وأشكالها، فإن الوعي بخطورة التسمم وطرق الوقاية منه يمثلان الركيزة الأساسية للحفاظ على الصحة العامة. العلاج يعتمد بشكل كبير على سرعة التشخيص ونوع السم الذي تعرض له الإنسان. الوقاية من التسمم تشمل التعامل الآمن مع المواد الكيميائية والدوائية، والاهتمام بنظافة الغذاء، وحماية البيئة والعمل من المواد السامة.

المصادر

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – التسمم والوقاية منه

2. كتاب الطب الداخلي، هاريسون، الطبعة العشرين – فصل التسمميات

هذا المقال يقدم رؤية شاملة وعميقة عن التسمم بكافة أنواعه وأسبابه وأعراضه وطرق العلاج والوقاية، بحيث يغطي جوانب علمية وحياتية مهمة تتناسب مع احتياجات القارئ العربي المهتم بالصحة.