التسلسل المرئي في التصميم

التسلسل المرئي Visual Hierarchy: تنظيم المحتوى ليوافق حركات العين الفطرية

يُعتبر “التسلسل المرئي” أو Visual Hierarchy أحد المفاهيم الأساسية في تصميم واجهات المستخدم وتجربة المستخدم، بل وأيضًا في معظم أشكال التصميم البصري الحديثة. يتعامل هذا المبدأ مع كيفية تنظيم العناصر البصرية بطريقة تجعل العين البشرية تتبع تسلسلًا منطقيًا يبدأ من النقاط الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية. يعتمد التسلسل المرئي على فهم طبيعة حركة العين البشرية وكيفية تفاعلنا مع المعلومات المعروضة أمامنا. في هذا المقال، سنستعرض أهمية التسلسل المرئي، وكيفية تطبيقه بشكل فعال في التصميم، وعلاقته بالحركات الفطرية للعين.

1. ما هو التسلسل المرئي؟

يشير التسلسل المرئي إلى الطريقة التي يتم بها تنظيم المعلومات أو العناصر البصرية على الشاشة أو في التصميم بشكل عام بحيث تتبع العين البشرية تسلسلًا معينًا، مما يسهل فهم واستيعاب المحتوى بشكل أكثر سلاسة. يساعد التسلسل المرئي المستخدمين على تحديد الأولويات وتوجيه انتباههم إلى المعلومات الأكثر أهمية أولاً، قبل الانتقال إلى التفاصيل الثانوية.

2. المبادئ الأساسية للتسلسل المرئي

بناء التسلسل المرئي يعتمد على مجموعة من المبادئ التي يمكن استخدامها لتنظيم المحتوى بطريقة تسهل قراءته وفهمه. تتضمن هذه المبادئ:

• الحجم: تعد إحدى أبرز الطرق لجذب الانتباه هي تغيير حجم العنصر. العناصر الأكبر عادةً ما تكون أكثر جذبًا للعين مقارنة بالعناصر الأصغر. على سبيل المثال، العناوين الرئيسية في النصوص غالبًا ما تكون أكبر حجمًا من الفقرات.

• التباين: يعد التباين بين الألوان أو درجات السطوع أحد العوامل المهمة في إنشاء التسلسل المرئي. العناصر ذات التباين العالي (مثل النص الأبيض على خلفية داكنة) تجذب الانتباه بشكل أسرع من العناصر ذات التباين المنخفض.

• الموقع: تركز العين بشكل طبيعي على العناصر التي تقع في مواقع معينة على الصفحة أو الشاشة. على سبيل المثال، تبدأ العين عادةً من الجزء العلوي الأيسر من الصفحة، مما يجعل هذا المكان مثاليًا لوضع المعلومات الأكثر أهمية.

• التكرار: استخدام التكرار في التصميم يساعد في توجيه الانتباه إلى المعلومات الهامة. التكرار يمكن أن يكون من خلال استخدام نفس الألوان أو الأشكال لتحديد أقسام مختلفة أو ترتيب العناصر.

• المسافة والترتيب: كلما كانت العناصر أقرب إلى بعضها البعض، كان من المحتمل أن يتم رؤيتها كوحدة واحدة. من ناحية أخرى، عندما تكون العناصر متباعدة بشكل مناسب، يكون من الأسهل فهم الفصل بين الأفكار أو الأقسام.

3. حركات العين البشرية والفهم البصري

تتبع العين البشرية نمطًا معينًا عندما تنتقل عبر النصوص أو التصميمات. هذه الحركات البصرية تم تحديدها بناءً على دراسة كيفية استجابة العين للأشكال والألوان والأحجام، حيث لاحظ الباحثون أن العين تتحرك وفقًا لعدة أنماط معروفة:

• الانتقال الأفقي من اليسار إلى اليمين: نظرًا للطريقة التي نقرأ بها اللغة العربية (من اليمين لليسار)، أو اللغة الإنجليزية (من اليسار لليمين)، تفضل العين التمرير أفقياً عبر النصوص في هذا الاتجاه. عند تصميم المواقع أو تطبيقات الهواتف الذكية، يجب أن يُؤخذ هذا في الاعتبار عند ترتيب النصوص.

• التنقل بين السطور والعناصر: عند قراءة نصوص أو فقرات، تبدأ العين عادة من الجزء العلوي الأيسر للصفحة ثم تتحرك تدريجيًا نحو الأسفل مع الانتقال إلى السطور التالية.

• التفاعل مع الأشكال البارزة: الأشكال البارزة أو المتباينة لفت انتباه العين البشرية بسرعة. هذا يشمل استخدام الألوان الزاهية أو الخطوط السميكة. عند دمج هذه الأشكال في التصميم، تساعد في تحديد أولويات العناصر.

• تتبع خطوط الزوايا: تميل العين إلى تتبع الخطوط التي تشكل الزوايا في التصميم. هذه الزوايا غالبًا ما تكون محورية لجذب الانتباه نحو العناصر الأساسية.

4. تطبيق التسلسل المرئي في التصميمات

استخدام التسلسل المرئي بشكل فعال يتطلب إلماماً بكيفية تنظيم وتوزيع العناصر البصرية بطريقة مدروسة. وفيما يلي بعض التطبيقات العملية لهذا المبدأ:

• تصميم المواقع الإلكترونية: يعتمد تصميم المواقع بشكل كبير على فهم التسلسل المرئي، خاصةً في كيفية ترتيب النصوص والصور. يتم وضع العناوين الكبيرة في الأعلى، تليها الصور التوضيحية التي تحتوي على نصوص وصفية. كما يتم تحديد أزرار الحث على اتخاذ إجراء (Call to Action) في أماكن مرئية ومناسبة، عادةً بالقرب من أسفل النصوص.

• تصميم تطبيقات الهواتف الذكية: في تطبيقات الهواتف المحمولة، حيث المساحة محدودة، من الضروري أن يتم توجيه الانتباه إلى الخيارات الأكثر أهمية أولاً. يتم عادةً استخدام تسلسل مرئي شامل يشمل الألوان الجذابة والخطوط الكبيرة لجذب انتباه المستخدم نحو الوظائف الأساسية.

• التصميمات المطبوعة (الكتب، المجلات، الإعلانات): في تصميم المطبوعات، تُستخدم الاستراتيجيات نفسها لتوجيه عين القارئ من خلال الصفحة. يبدأ القارئ عادةً بالعنوان الرئيسي في أعلى الصفحة، يتبعه النص الكبير أو الصور المميزة، ثم ينتقل إلى النصوص الثانوية أو التفاصيل التي تحتوي على معلومات إضافية.

5. علم النفس وراء التسلسل المرئي

تتأثر الحركات البصرية للعين بشكل كبير بالعلوم النفسية. على سبيل المثال، يُظهر البحث في علم النفس أن العقل البشري يميل إلى معالجة المعلومات البصرية بطريقة معينة. الأشياء الكبيرة أو المضيئة غالبًا ما تكون أكثر لفتًا للانتباه، بينما نميل إلى تجاهل العناصر الصغيرة أو التي تحتوي على ألوان غير ملفتة.

أيضًا، يُظهر علم النفس الإدراكي أن الدماغ البشري يفضل التنظيم البصري الذي يجعل الأمور تبدو منطقية ومنظمة. هذا التنظيم يُسهل على العقل البشري فهم الرسائل البصرية بسرعة أكبر.

6. التحديات في تطبيق التسلسل المرئي

على الرغم من أهمية التسلسل المرئي في تحسين تجربة المستخدم، فإن تطبيقه بشكل مثالي يمكن أن يواجه عدة تحديات. من أبرز هذه التحديات:

• التوازن بين الجمال الوظيفي والجمال الجمالي: في بعض الأحيان، قد يؤدي التركيز المفرط على الجماليات إلى تشتت انتباه المستخدم. لذلك يجب أن تكون الأولوية للوظائف الرئيسية، مع الحفاظ على الجماليات المتوازنة.

• التحسين لأجهزة متعددة: مع تنوع الأجهزة المستخدمة اليوم، مثل الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر المكتبية، يجب أن يتم تطبيق التسلسل المرئي بحيث يتناسب مع جميع الشاشات والأحجام المختلفة.

• التوجهات المتغيرة في التصميم: تتغير الاتجاهات في التصميم بمرور الوقت. ما قد يكون جذابًا الآن قد لا يكون مناسبًا في المستقبل. لذلك، يجب مراعاة التطورات والتغيرات في تفضيلات المستخدمين.

7. أهمية التسلسل المرئي في تجربة المستخدم UX

التسلسل المرئي هو أحد أهم العوامل في تحسين تجربة المستخدم. عندما يتم تطبيقه بشكل فعال، يصبح من السهل على المستخدمين فهم الواجهة والتفاعل معها بكفاءة. يساعد التسلسل المرئي في:

• زيادة التفاعل: من خلال وضع العناصر المهمة في أماكن واضحة ومميزة.

• تقليل التشتت: عن طريق تجنب وضع الكثير من المعلومات أو العناصر في مكان واحد.

• تحسين التنقل: مما يسهل على المستخدم العثور على ما يحتاجه دون مجهود كبير.

8. الخلاصة

التسلسل المرئي ليس مجرد مبدأ تصميم، بل هو علم وفن يجمع بين الجوانب البصرية والنفسية في تفاعل الإنسان مع البيئة الرقمية. فهم هذا التسلسل وتطبيقه بطريقة مدروسة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في تجربة المستخدم وفاعلية الاتصال البصري.