التدخين وزيادة خطر سرطان الثدي

التدخين وسرطان الثدي: الأدلة العلمية على العلاقة المتزايدة

يُعتبر سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء على مستوى العالم، ويمثل تحديًا صحيًا كبيرًا على الصعيدين الطبي والاجتماعي. منذ عقود، بدأ العلماء في دراسة العوامل التي قد تسهم في زيادة خطر الإصابة بهذا المرض، وكان من بين هذه العوامل التدخين. في السنوات الأخيرة، ارتفعت الأدلة العلمية التي تشير إلى وجود علاقة قوية بين التدخين وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي، وهو ما يشير إلى ضرورة أن تأخذ النساء في اعتبارهن هذه العلاقة أثناء اتخاذ قرارات صحية تتعلق بالعادات اليومية.

التدخين كعامل خطر: خلفية علمية

التدخين معروف بأنه عامل رئيسي في العديد من الأمراض المزمنة والخطيرة، مثل أمراض القلب والشرايين، والسكتات الدماغية، وأمراض الرئة. ويُعدّ التدخين أحد الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الرئة والمثانة والفم والمريء. ومع ذلك، لم يُعتبر التدخين في البداية أحد العوامل المهمة التي تساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. لكن مع مرور الوقت وظهور المزيد من الدراسات، تغيرت هذه الفكرة، وتبين أن التدخين له دور حيوي في تطور الأورام السرطانية في الثدي.

آلية تأثير التدخين على الثدي

التدخين يحتوي على مجموعة من المواد الكيميائية السامة، مثل القطران والنيكوتين وأول أكسيد الكربون، والتي تضر الخلايا وتؤدي إلى تلف الحمض النووي (DNA) في الجسم. هذا النوع من التلف يمكن أن يُحدث تغييرات جينية تؤدي إلى تطور الخلايا السرطانية. كما أن التدخين يسبب اضطرابات في الهرمونات، وخاصة الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين، التي تلعب دورًا مهمًا في تطور سرطان الثدي.

عند تدخين السجائر، يُطلق النيكوتين والمواد الكيميائية الأخرى في مجرى الدم، مما يؤدي إلى زيادة مستويات المواد السامة في الجسم. هذه المواد يمكن أن تتراكم في الأنسجة، بما في ذلك أنسجة الثدي. الدراسات أظهرت أن النساء اللواتي يدخّن باستمرار يكون لديهن مستويات أعلى من المواد المسرطنة في أنسجة الثدي مقارنة بالنساء غير المدخّنات.

دراسات علمية تثبت العلاقة بين التدخين وسرطان الثدي

تعددت الدراسات التي تناولت العلاقة بين التدخين وسرطان الثدي على مر السنين، حيث ركزت هذه الدراسات على تحليل تأثير التدخين على خطر الإصابة بسرطان الثدي سواء في مرحلته المبكرة أو في المراحل المتقدمة. تشير بعض الدراسات إلى أن النساء اللواتي يبدأن التدخين في سن مبكرة يكون لديهن خطر أكبر في الإصابة بسرطان الثدي مقارنة بالنساء اللواتي لا يدخّن أو اللواتي يدخّن بشكل محدود.

دراسة أجرتها جمعية السرطان الأمريكية (American Cancer Society) في عام 2017 وجدت أن النساء المدخنات أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي بنسبة تتراوح بين 20% إلى 30% مقارنة بالنساء غير المدخنات. كما أظهرت دراسة أخرى نشرتها مجلة “Cancer Epidemiology, Biomarkers & Prevention” أن النساء اللواتي استمروا في التدخين طوال حياتهن كان لديهن خطر أكبر للإصابة بسرطان الثدي من أولئك الذين توقفوا عن التدخين في وقت لاحق.

التدخين وسرطان الثدي قبل وبعد سن اليأس

من العوامل المثيرة التي تم اكتشافها في الدراسات الحديثة هو التأثير الذي يسببه التدخين على النساء في مراحل مختلفة من حياتهن. بينت الدراسات أن التدخين يساهم في زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي بشكل خاص لدى النساء اللاتي لم يبلغن سن اليأس بعد. يرجع ذلك إلى أن التدخين قد يغير مستويات الهرمونات الجنسية التي تلعب دورًا مهمًا في تطور الأورام.

في مرحلة ما بعد سن اليأس، يتراجع مستوى الهرمونات في الجسم بشكل طبيعي، مما يقلل من التأثيرات التي قد يسببها التدخين. ومع ذلك، لا تزال الدراسات تشير إلى أن النساء المدخنات بعد سن اليأس يواجهن خطرًا أكبر للإصابة بسرطان الثدي مقارنة بالنساء اللواتي لم يدخّن.

تأثير التبغ على النساء الحوامل

التدخين أثناء الحمل هو من العوامل التي تهدد صحة الأم والجنين على حد سواء. تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يدخّن أثناء الحمل ليس فقط أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي في وقت لاحق من حياتهن، ولكن أيضًا يواجهن مخاطر أكبر للإصابة بسرطان الثدي في مراحل مبكرة من حياتهن. يُعتقد أن المواد الكيميائية الموجودة في السجائر قد تؤثر على تطور الخلايا في الثدي أثناء الحمل، مما يزيد من احتمالية حدوث تغييرات سرطانية في الأنسجة.

التدخين والوقاية من سرطان الثدي

على الرغم من أن الكثير من الناس يدركون أن التدخين يشكل خطرًا كبيرًا على صحتهم، إلا أن الدراسات الجديدة التي تربط التدخين بسرطان الثدي تزيد من أهمية اتخاذ خطوات عملية للوقاية. أفضل وسيلة لتقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي الناتج عن التدخين هي الإقلاع عن التدخين في أسرع وقت ممكن.

تشير الدراسات إلى أن النساء اللواتي يتوقفن عن التدخين قبل سن الأربعين ينخفض لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي بشكل ملحوظ. حتى النساء اللواتي يقلعن عن التدخين في سن أكبر يمكنهن تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي بشكل كبير من خلال الإقلاع عن هذه العادة.

الخاتمة

تعد العلاقة بين التدخين وسرطان الثدي من الموضوعات التي أثارت اهتمامًا متزايدًا في الأبحاث الطبية والعلمية. الأدلة الحالية تشير بقوة إلى أن التدخين يمكن أن يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان الثدي، سواء في مراحل الحياة المبكرة أو المتقدمة. على الرغم من أن التدخين ليس العامل الوحيد الذي يسهم في تطور سرطان الثدي، إلا أن الإقلاع عنه يعد خطوة أساسية نحو الوقاية من هذا المرض الخطير. لا شك أن التوعية المجتمعية ودعم الجهود المبذولة للحد من التدخين يمكن أن تكون مفيدة في حماية صحة النساء من سرطان الثدي.