7 أسباب تدفعك للتفكير بالتخلص من الفيسبوك نهائياً

في زمنٍ أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي مهيمنة على تفاصيل الحياة اليومية، باتت مسألة الانفصال عن هذه المنصات موضوعاً يحظى بقدر كبير من الاهتمام والدراسة. ويُعد “فيسبوك” من أبرز هذه المنصات وأكثرها تأثيراً في حياة الأفراد على مستوى العالم. فمنذ انطلاقه في عام 2004، تحول من شبكة تواصل بسيطة بين طلبة الجامعات إلى بيئة رقمية ضخمة تجمع مليارات المستخدمين من مختلف أنحاء المعمورة، تشكل عاداتهم، توجهاتهم، وحتى طرق تفاعلهم مع العالم المحيط.

لكن رغم هذا النجاح الظاهري، يبرز في المقابل وعي متزايد بمخاطر استخدام فيسبوك على المستويات النفسية والاجتماعية والصحية والمعرفية، وهو ما يدفع الكثيرين لإعادة التفكير في جدوى الاستمرار على هذه المنصة، بل والانفصال عنها تماماً. في هذا المقال، سيتم تناول سبعة أسباب رئيسية تدفع الإنسان إلى اتخاذ قرار حاسم بالخروج من فيسبوك نهائياً، وذلك في ضوء تحليلات نفسية وسلوكية واجتماعية وتقنية دقيقة، مدعومة بأمثلة واقعية ودراسات بحثية.

1. التأثير السلبي على الصحة النفسية

تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة مباشرة بين استخدام فيسبوك والإصابة بمشاكل نفسية مثل القلق والاكتئاب وتدني احترام الذات. ويعود ذلك إلى عدة عوامل مترابطة، من أبرزها المقارنة الاجتماعية المستمرة التي يقع فيها المستخدمون دون وعي. إذ يتم تصفح حسابات الآخرين التي تُظهر حياتهم بشكل مثالي ومصطنع، مما يولد شعوراً بالنقص والإحباط.

وقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Social and Clinical Psychology عام 2018 أن تقليل وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك، يؤدي إلى تحسين مؤشرات الصحة النفسية وزيادة مستوى الرضا عن الحياة. كما أشارت النتائج إلى أن الاستخدام المفرط يخلق شعوراً بالعزلة الاجتماعية، حتى وإن بدا التواصل افتراضياً كثيفاً.

2. تآكل الخصوصية وتحكم المنصة في البيانات الشخصية

تعد الخصوصية الرقمية من أكثر القضايا المثيرة للقلق في عصر التكنولوجيا، وقد تورط فيسبوك في العديد من الفضائح المرتبطة بتسريب بيانات المستخدمين أو استخدامها دون إذن صريح. قضية “كامبريدج أناليتيكا” عام 2018 كانت من أبرز الأمثلة على حجم الانتهاكات الممكنة. إذ تم جمع معلومات أكثر من 87 مليون مستخدم دون موافقتهم، وتم استغلالها لأغراض سياسية.

لا تقتصر المشكلة على تسريب البيانات فقط، بل إن فيسبوك يقوم بجمع كمٍّ هائل من المعلومات عن نشاط المستخدمين، بما في ذلك تفضيلاتهم وسلوكهم وحتى أماكن تواجدهم الجغرافي. كل ذلك يُستخدم لبناء ملفات شخصية رقمية تُباع للمعلنين وتُستغل في التوجيه السلوكي والتأثير على القرارات الاستهلاكية والسياسية.

3. الإدمان الرقمي وسرقة الوقت

فيسبوك مصمم بطريقة تُحفّز الدماغ على الإدمان، من خلال ما يُعرف بـ”الدوپامين الرقمي”، حيث يولد كل إعجاب أو تعليق شعوراً مؤقتاً بالسعادة والانتصار، مما يجعل المستخدم يعود للمنصة بشكل متكرر بحثاً عن هذه المشاعر القصيرة. ومع مرور الوقت، يصبح الفرد مرتبطاً بها ذهنياً ونفسياً، حتى دون هدف واضح.

ويُظهر جدول الأنشطة اليومية للعديد من المستخدمين أن فيسبوك يستهلك ساعات طويلة من اليوم، سواء في تصفح المنشورات أو التفاعل معها أو التنقل بين التعليقات والفيديوهات. وهذا يؤدي إلى تراجع في الإنتاجية، وتأخر في تنفيذ المهام، وانخفاض عام في جودة الحياة. كما أن الاستخدام الليلي لفيسبوك يؤثر سلباً على جودة النوم، ويسبب اضطرابات في إيقاع الساعة البيولوجية للجسم.

4. تزييف الواقع وتعزيز المعلومات المضللة

تُعد فيسبوك من أكبر منصات نشر وتداول المعلومات في العالم، إلا أن ذلك لا يُعد مؤشراً على موثوقية هذه المعلومات. بل على العكس، فقد أظهرت الأبحاث أن الأخبار الزائفة تنتشر عبر فيسبوك بشكل أسرع وأكثر تفاعلاً من الأخبار الحقيقية. ويرجع ذلك إلى تصميم خوارزميات المنصة التي تفضل المحتوى المثير للجدل أو الصادم بغض النظر عن صحته.

هذا الوضع ساهم في خلق بيئة معرفية مشوشة، حيث يُصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والزيف. ومع الوقت، قد تتغير قناعات الأفراد وتوجهاتهم بناءً على معلومات مغلوطة تم نشرها بذكاء أو بدافع التلاعب السياسي أو التجاري. وقد تسببت هذه الظاهرة في تفكك المجتمعات، وارتفاع نسبة الانقسام الفكري، وانتشار نظريات المؤامرة والخرافات العلمية.

5. التلاعب بالعواطف وتوجيه السلوك الجماعي

يمتلك فيسبوك أدوات تحليل سلوكي متقدمة تُمكّنه من التأثير في العواطف والقرارات بشكل لا واعٍ. أُجريت تجربة شهيرة عام 2014 على أكثر من 600 ألف مستخدم، حيث تم التلاعب بالمحتوى الظاهر لهم لتحديد تأثير ذلك على مشاعرهم. وكانت النتيجة أن المحتوى السلبي يؤدي فعلياً إلى تعكير المزاج العام، والعكس صحيح.

هذا النوع من التجارب لا يخضع دائماً للمراقبة الأخلاقية، وقد يُستخدم لتوجيه الرأي العام أو خلق مناخ اجتماعي معين. فتتحول المنصة من مجرد وسيلة للتواصل إلى أداة قوية للتأثير على الرأي الجمعي، وتشكيل المزاج الشعبي تجاه قضايا معينة. وهذا التلاعب قد يُستخدم في الانتخابات، أو الأزمات الصحية، أو حتى في النزاعات الاقتصادية.

6. إضعاف العلاقات الإنسانية الحقيقية

رغم أن الهدف المُعلن من فيسبوك هو تعزيز التواصل، إلا أن الواقع يشير إلى تراجع العلاقات الواقعية لصالح العلاقات الافتراضية السطحية. فالكثير من الناس باتوا يفضلون قضاء الوقت في متابعة منشورات الآخرين بدلاً من لقاءهم شخصياً، أو الاكتفاء برسائل قصيرة بدلاً من مكالمات أو لقاءات.

وقد أدى هذا النمط من التفاعل إلى ضعف الروابط الاجتماعية، وغياب العمق العاطفي في العلاقات، بل وتفاقم مشاعر الوحدة والفراغ العاطفي، خاصة في أوساط المراهقين والشباب. كما أصبح تقييم العلاقات يُقاس بعدد “الإعجابات” أو “التعليقات”، لا بالوفاء أو الدعم الحقيقي.

7. الانفصال عن الذات وفقدان الهوية الرقمية

يساهم فيسبوك في خلق نسخة مصطنعة من الذات، إذ يشعر المستخدم بالضغط لتقديم صورة مثالية عن حياته، ونشر لحظات النجاح والفرح فقط، حتى لو لم تكن تعكس واقعه الحقيقي. هذا السلوك يؤدي إلى “الانفصال عن الذات”، حيث يعيش الفرد بين ما هو عليه فعلاً، وما يُظهره للآخرين.

ويُنتج عن ذلك أزمة هوية رقمية، تتمثل في عدم التصالح مع الذات الحقيقية، والسعي المستمر وراء رضا الجمهور الرقمي على حساب القيم الذاتية والمبادئ الشخصية. ومع الوقت، تصبح حياة الفرد مُوجهة لخلق محتوى مقبول ومحبوب على المنصة، بدلاً من عيش اللحظة وتقديرها بذاتها.

جدول: مقارنة بين الحياة مع فيسبوك والحياة بعد حذفه

خلاصة تحليلية

التخلص من فيسبوك لا يُعد مجرد قرار رقمي عابر، بل هو تحول جوهري في طريقة فهم الإنسان لذاته، ووقته، وعلاقاته، وعالمه من حوله. إنه استعادة للسيطرة على الذات في زمن تتغلغل فيه الخوارزميات في كل تفاصيل الحياة. وبينما لا يُمكن إنكار الفوائد التي قد يوفرها فيسبوك من حيث الوصول إلى المعلومات والتواصل، إلا أن الثمن النفسي والمعرفي والاجتماعي قد لا يكون مبرراً.

العودة إلى واقع خالٍ من فيسبوك لا تعني الانعزال عن العالم، بل إعادة التوازن إليه، وترسيخ علاقات أكثر واقعية، وتقدير أكبر للزمن الشخصي والخصوصية الفردية.

المراجع:

1. Hunt, M.G., Marx, R., Lipson, C., & Young, J. (2018). No More FOMO: Limiting Social Media Decreases Loneliness and Depression. Journal of Social and Clinical Psychology, 37(10), 751–768.

2. Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism. PublicAffairs.