أسباب التبول اللاإرادي عند الكبار وكيفية علاجه

مقدمة

يُعد التبول اللاإرادي عند الكبار من الحالات الطبية المُحرجة والتي تُسبب قلقًا واضطرابًا نفسيًا كبيرًا للمصابين بها، لا سيما في المجتمعات المحافظة. فعلى الرغم من أن التبول اللاإرادي يُعتبر أكثر شيوعًا في مرحلة الطفولة، إلا أن نسبة غير ضئيلة من البالغين يعانون منه، سواء بشكل مؤقت أو دائم. ويأخذ هذا الاضطراب عدة أشكال، منها التبول أثناء النوم (سلس البول الليلي)، أو التبول أثناء النهار دون إدراك كامل، أو حتى التبول نتيجة لمواقف معينة مثل الضحك الشديد أو العطس أو أثناء الإجهاد البدني.

ما هو التبول اللاإرادي عند الكبار؟

التبول اللاإرادي هو فقدان القدرة على التحكم في المثانة البولية، مما يؤدي إلى تسرب البول دون وعي أو سيطرة. يُصنّف هذا الاضطراب طبيًا ضمن أنواع “سلس البول”، وله عدة أنماط تختلف بحسب السبب والعوامل المؤثرة. التبول اللاإرادي الليلي، الذي يحدث أثناء النوم، هو أحد أشهر هذه الأنماط، لكنه ليس النمط الوحيد. وتشمل الأنواع الأخرى سلس الإجهاد، سلس الحاجة الملحة، سلس الفيضان، والسلس المختلط.

أنواع سلس البول عند الكبار

الأسباب العضوية للتبول اللاإرادي عند الكبار

1. اضطرابات الجهاز العصبي

قد تتسبب الأمراض العصبية مثل التصلب المتعدد، الشلل الرعاش (باركنسون)، الجلطات الدماغية أو إصابات الحبل الشوكي في فقدان السيطرة على المثانة نتيجة لتلف الأعصاب التي تتحكم في عملية التبول. يُعد هذا السبب من أكثر الأسباب شيوعًا في الحالات التي تصيب كبار السن أو من يعانون من أمراض عصبية مزمنة.

2. التهابات المسالك البولية

تُعد التهابات المثانة أو مجرى البول من الأسباب الشائعة والمؤقتة للتبول اللاإرادي، إذ تؤدي إلى تهيج بطانة المثانة وزيادة الشعور بالإلحاح والرغبة المتكررة في التبول. وغالبًا ما يصاحب هذه الحالة حرقان أثناء التبول وتغير في رائحة البول أو لونه.

3. اضطرابات المثانة

فرط نشاط المثانة هو حالة تتسم بزيادة عدد مرات التبول في اليوم والليل، مع صعوبة في تأجيل الرغبة في التبول. قد ينجم هذا النشاط المفرط عن خلل في الإشارات العصبية أو ضعف عضلات المثانة، ويُسبب سلس البول نتيجةً لعدم قدرة المثانة على الاحتفاظ بالبول لفترات طويلة.

4. تضخم البروستاتا

عند الرجال، يُعتبر تضخم البروستاتا الحميد أحد الأسباب الرئيسية لسلس البول، وخاصة من نوع سلس الفيضان. حيث يؤدي تضخم الغدة إلى ضغط على الإحليل، مما يعيق تدفق البول بشكل طبيعي، ويؤدي إلى بقاء البول في المثانة لفترات طويلة، ثم تسربه لاحقًا دون تحكم.

5. السكري

يؤثر مرض السكري على الأعصاب، بما في ذلك الأعصاب التي تتحكم بالمثانة، مما يؤدي إلى ما يُعرف باعتلال المثانة السكري. في هذه الحالة، قد لا يشعر الشخص بامتلاء المثانة أو يفقد القدرة على تفريغها بشكل كامل، مما يؤدي إلى تسرب البول.

6. الأدوية والمهدئات

بعض الأدوية تؤثر بشكل مباشر على عضلات المثانة أو الأعصاب المسؤولة عن التحكم فيها، مثل مدرات البول، الأدوية المنوّمة، المهدئات ومضادات الاكتئاب. كما أن بعض الأدوية تؤدي إلى زيادة إنتاج البول، مما يزيد من احتمالية التسرب الليلي.

7. الإمساك المزمن

الإمساك المزمن يؤدي إلى ضغط مستمر من الأمعاء الممتلئة على المثانة، ما يقلل من سعتها وقدرتها على الاحتفاظ بالبول. ويُعد هذا السبب شائعًا بشكل خاص بين كبار السن، الذين يعانون من اضطرابات في الجهاز الهضمي.

الأسباب النفسية والسلوكية

1. القلق والاكتئاب

الضغوط النفسية والتوتر المزمن يمكن أن تؤثر على الجهاز العصبي اللاإرادي، وبالتالي على التحكم في المثانة. كثير من حالات التبول الليلي اللاإرادي مرتبطة بنوبات القلق والكوابيس لدى البالغين، وخاصةً من يعانون من اضطرابات نفسية مزمنة.

2. اضطراب النوم

قد يؤدي النوم العميق المفرط أو اضطراب دورة النوم إلى عدم الاستجابة الكافية للإشارات العصبية القادمة من المثانة، مما يؤدي إلى التبول أثناء النوم دون أن يشعر الشخص.

3. الصدمات النفسية

في بعض الحالات، قد يُعيد حدث صادم (مثل الحروب، العنف الجسدي، الحوادث) ظهور التبول اللاإرادي بعد سنوات من توقفه، نتيجة لخلل في توازن الجهاز العصبي المركزي.

العوامل الوراثية

تشير الدراسات إلى أن هناك عوامل وراثية تلعب دورًا في بعض أشكال التبول اللاإرادي، خاصةً إذا وُجدت سوابق عائلية للحالة، وإن كان ذلك أقل وضوحًا عند البالغين مقارنةً بالأطفال.

طرق التشخيص

تعتمد عملية تشخيص التبول اللاإرادي عند الكبار على تقييم شامل يشمل:

• الفحص السريري.

• تحليل البول والكشف عن وجود التهابات.

• فحص وظائف الكلى.

• الفحص بالموجات فوق الصوتية لتقييم حالة المثانة والبروستاتا.

• اختبارات الأعصاب.

• دراسة النوم في حالة الاشتباه باضطرابات النوم.

• فحص ديناميكية المثانة (urodynamics).

العلاجات المتاحة

أولًا: العلاج الدوائي

تشمل العلاجات الدوائية مجموعة من العقاقير التي تعمل على تحسين التحكم في المثانة وتقليل الإلحاح، ومن أشهر هذه الأدوية:

• مضادات الكولين: مثل أوكسيبوتينين وتولتيرودين، وتُستخدم لتقليل انقباضات المثانة المفرطة.

• مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: مثل إيميبرامين، والتي تؤثر على مراكز التحكم في البول في الجهاز العصبي.

• مضادات مدرّة للبول أثناء النوم: مثل ديزموبريسين، وتُستخدم في حالات التبول الليلي.

ثانيًا: العلاج السلوكي

• تدريب المثانة: من خلال محاولة تأجيل التبول تدريجيًا عند الشعور بالحاجة، مما يزيد من قدرة المثانة على الاحتفاظ بالبول.

• تمارين كيجل: لتقوية عضلات قاع الحوض التي تتحكم بعملية التبول، وتُعد من أكثر الطرق فعالية خاصة في حالات سلس الإجهاد.

• التحكم في السوائل: تجنب تناول السوائل قبل النوم، وتقليل استهلاك الكافيين والكحول.

• المراقبة اليومية: باستخدام مفكرة تسجّل فيها عدد مرات التبول، وأوقات التسرب، وأنواع الأطعمة أو الأدوية المستهلكة.

ثالثًا: الأجهزة المساعدة

• القسطرة البولية: تُستخدم في الحالات الشديدة حيث يصعب على المثانة التفريغ الكامل.

• أجهزة التحفيز العصبي: التي تُزرع تحت الجلد لتحفيز الأعصاب التي تتحكم بالمثانة.

• الحفاضات المخصصة للبالغين: لحماية الملابس والفراش، وتُستخدم كحل مؤقت وليس علاجًا.

رابعًا: الجراحة

في بعض الحالات التي لا تستجيب للعلاجات التقليدية، قد يُلجأ إلى التدخل الجراحي، مثل:

• توسيع المثانة: لزيادة سعتها.

• زراعة صمام اصطناعي: للتحكم في تدفق البول.

• استئصال البروستاتا: في حالات تضخم البروستاتا المفرط.

العلاجات التكميلية

• الوخز بالإبر الصينية: له تأثير إيجابي في بعض الحالات، خاصة تلك الناتجة عن أسباب نفسية.

• العلاج النفسي: مفيد في حالات التبول الناتج عن الصدمات النفسية أو القلق المزمن.

• التغذية الصحية: تجنب الأطعمة التي تُهيج المثانة مثل التوابل، الحمضيات، الكافيين.

الخاتمة

التبول اللاإرادي عند الكبار ليس فقط مشكلة صحية، بل أيضًا قضية اجتماعية ونفسية تتطلب وعياً واسعاً وتفهماً من قبل المحيطين بالمصاب. تعدد أسبابه بين العضوي والنفسي والسلوكي يجعل من الضروري التشخيص الدقيق للحالة واختيار العلاج الأنسب وفقًا لكل حالة. الالتزام بالعلاج، والمتابعة الطبية المنتظمة، وتغيير نمط الحياة يُشكلون الركائز الأساسية في التغلب على هذه المشكلة أو التخفيف من حدّتها. الاهتمام بهذه القضية ورفع الوعي بشأنها ضروري لتقليل الوصمة الاجتماعية، وتحسين جودة حياة المرضى.

المراجع:

• Abrams, P., et al. (2017). Incontinence. International Continence Society.

• Mayo Clinic Staff. (2022). “Urinary incontinence: Causes, Diagnosis and Treatment”. MayoClinic.org.