التبرع بالكلى: شروطه، أضراره، وحكمه الشرعي

المقدمة

يُعد التبرع بالكلى من أهم أشكال التبرع بالأعضاء الحية، لما له من دور محوري في إنقاذ حياة المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي المزمن، وهي حالة طبية معقدة تتطلب إما جلسات غسيل كلوي مدى الحياة أو زراعة كلية سليمة. ومع تزايد حالات الفشل الكلوي على مستوى العالم العربي والإسلامي، أصبح موضوع التبرع بالكلى يحظى باهتمام واسع من الجهات الصحية، الفقهية، والقانونية، نظرًا لتشابكه بين الجوانب الطبية والإنسانية والشرعية.

يعالج هذا المقال المسألة من منظور شامل، فيغوص في الشروط الطبية والقانونية والأخلاقية للتبرع بالكلى، ويستعرض المضاعفات والأضرار المحتملة على المتبرع، بالإضافة إلى الحكم الشرعي وفقاً لأقوال العلماء والمجامع الفقهية المعاصرة. وقد تم الاستناد إلى مراجع موثوقة من الهيئات الصحية ومجامع الفقه الإسلامي لضمان دقة المحتوى وثرائه المعرفي.

أولاً: لمحة طبية عن الكلية ووظائفها

الكليتان هما عضوان حيويان في جسم الإنسان، تقعان في الجزء الخلفي من البطن، ووظيفتهما الأساسية تنقية الدم من السموم والفضلات من خلال عملية ترشيح مستمرة. إضافةً إلى ذلك، تعمل الكليتان على:

• تنظيم توازن الأملاح والسوائل في الجسم.

• إفراز هرمونات تساعد في تنظيم ضغط الدم.

• إنتاج هرمونات تحفز نخاع العظم لإنتاج خلايا الدم الحمراء.

• المساهمة في تنشيط فيتامين D الضروري لصحة العظام.

يولد الإنسان بكليتين، إلا أن الدراسات أثبتت أن الحياة بكُلية واحدة ممكنة، شريطة أن تكون تلك الكلية تعمل بكفاءة عالية.

ثانيًا: شروط التبرع بالكلى

1. الشروط الطبية

لكي يتم قبول شخص كمتبرع حي بالكلى، يجب أن يستوفي مجموعة من الشروط الطبية الصارمة لضمان سلامته وسلامة المتلقي، منها:

• أن يكون في صحة جيدة وخالٍ من الأمراض المزمنة مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، وأمراض الكبد.

• أن يكون عمر المتبرع غالبًا بين 18 و60 عامًا، مع وجود تفاوتات طفيفة حسب السياسات الطبية في كل بلد.

• إجراء فحوصات شاملة تشمل وظائف الكلى، فحوصات الدم، البول، الأشعة، وفحوصات توافق الأنسجة (HLA Matching).

• التأكد من أن المتبرع لا يعاني من أمراض وراثية يمكن أن تؤثر على صحة الكلية مستقبلاً.

2. الشروط النفسية والاجتماعية

• التأكد من أن قرار التبرع يتم بإرادة حرة، دون ضغوط نفسية أو اجتماعية.

• الخضوع لتقييم نفسي يضمن أن المتبرع مدرك تمامًا للمخاطر والمضاعفات.

• وجود دعم أسري واجتماعي كافٍ بعد العملية، نظرًا لاحتياج المتبرع إلى فترة تعافٍ.

3. الشروط القانونية والأخلاقية

• التبرع يجب أن يكون دون مقابل مادي، وفقًا للقوانين الطبية والشرعية التي تحظر بيع الأعضاء.

• وجود موافقة خطية موثقة من المتبرع.

• في بعض البلدان، يشترط وجود لجنة أخلاقية توافق على العملية بعد مراجعة جميع المعطيات.

ثالثًا: أضرار التبرع بالكلى

على الرغم من أن الغالبية العظمى من المتبرعين يعيشون حياة طبيعية بعد التبرع، إلا أن التبرع بالكلى ليس خاليًا من الأضرار أو المخاطر المحتملة. يمكن تقسيم هذه الأضرار إلى قصيرة المدى وطويلة المدى كما يلي:

أ. الأضرار قصيرة المدى

• مضاعفات الجراحة: مثل النزيف، العدوى، أو الجلطات الدموية.

• الألم بعد العملية: قد يعاني المتبرع من ألم في مكان الجراحة، ويحتاج إلى مسكنات لفترة.

• الندبات الجراحية: وخصوصًا في حال تم التبرع عن طريق الجراحة المفتوحة وليس بالمنظار.

ب. الأضرار طويلة المدى

• ارتفاع ضغط الدم: تشير بعض الدراسات إلى أن التبرع قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في ضغط الدم لدى بعض الأشخاص بعد سنوات من التبرع.

• انخفاض في كفاءة الكلية الوحيدة: حتى وإن بقيت الكلية المتبقية سليمة، فإن احتمال انخفاض كفاءتها على المدى الطويل وارد.

• مشاكل نفسية: مثل القلق، الندم، أو الشعور بالذنب في حال حدوث مضاعفات للمُتلقي.

• زيادة احتمالية الإصابة بالفشل الكلوي في المستقبل: رغم أن هذه النسبة تظل منخفضة مقارنة بعموم السكان، إلا أنها تُعد أحد المخاطر المحتملة.

رابعًا: التبرع بالكلى في الإسلام – الحكم الشرعي

1. أقوال العلماء والمجامع الفقهية

تناولت المجامع الفقهية الكبرى مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهيئة كبار العلماء في السعودية، ودار الإفتاء المصرية مسألة التبرع بالأعضاء، وأقرت بجواز التبرع بالكلى بشروط وضوابط محددة.

نص القرار رقم 26 (1/4) لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي:

“يجوز نقل العضو من إنسان حي إلى إنسان آخر، إذا كان ذلك العضو يُجدَّد تلقائياً كالدَّم والجلد، أو كان العضو المنقول يُؤدّي تبرُّعُه إلى فقده شيئاً من قدرته العادية دون أن يؤدي إلى موت المتبرع أو يُخِلّ بأهم وظائفه”.

وبناءً على هذا القرار، فإن التبرع بالكلى جائز شرعاً ضمن الضوابط التالية:

• ألا يؤدي التبرع إلى وفاة المتبرع أو إلحاق ضرر بالغ لا يُحتمل به.

• أن يتم التبرع برضا المتبرع الكامل وبلا مقابل مادي.

• أن يكون المتبرع بالغًا عاقلاً.

• أن يكون النقل لتحقيق مصلحة راجحة وهي إنقاذ حياة إنسان.

2. دليل الجواز الشرعي

من أبرز الأدلة التي يستند إليها العلماء:

• قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، ويُعد إنقاذ حياة المريض من الضرورات القصوى.

• حديث النبي ﷺ: “من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” – رواه مسلم.

• القاعدة الفقهية: لا ضرر ولا ضرار، وتُستعمل لتقييم مدى الضرر على المتبرع والمرجو منفعته للمتلقي.

خامسًا: الفرق بين التبرع بالكلى والتبرع بالأعضاء الأخرى

سادسًا: التبرع بالكلى في القوانين العربية

تُعتبر تشريعات التبرع بالأعضاء في العالم العربي متفاوتة من حيث الصرامة والمرونة، لكن أغلب الدول العربية أقرت قوانين تنظم التبرع بالكلى، سواء من الأحياء أو بعد الوفاة. ومن بين هذه الدول:

• المملكة العربية السعودية: من أوائل الدول التي أصدرت قانونًا لتنظيم زراعة الأعضاء، وأنشأت المركز السعودي لزراعة الأعضاء.

• مصر: وضعت شروطًا صارمة للتبرع، منها ألا يكون التبرع مقابل مال.

• الإمارات العربية المتحدة: تسمح بالتبرع من الأحياء والأموات مع موافقة المتبرع أو ورثته.

• المغرب: ينظم القانون التبرع من خلال المراكز الطبية المعتمدة، ويشترط موافقة كتابية مسبقة.

سابعًا: التأثيرات الاجتماعية والنفسية للتبرع بالكلى

يمثل التبرع بالكلى فعلًا إنسانيًا نبيلًا، إلا أنه قد يترك بصمات نفسية واجتماعية على المتبرع، منها:

• الإحساس بالفخر والرضا: كثير من المتبرعين يعبرون عن شعورهم العميق بالسعادة لإنقاذ حياة شخص آخر.

• التحول في العلاقات الاجتماعية: خصوصًا إذا كان المتبرع من الأقارب، فقد يعزز التبرع الروابط العائلية.

• الشعور بالقلق المستقبلي: من احتمالية الحاجة إلى كلية ثانية أو الشعور بالندم عند حدوث أي مضاعفات.

لذلك توصي الهيئات الطبية بوجود دعم نفسي واستشارات مكثفة قبل وبعد العملية.

الخاتمة

إن التبرع بالكلى يُمثل أحد أعظم صور العطاء الإنساني، ويعكس روح التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع. وهو فعل جائز شرعاً ومشروع قانوناً ضمن ضوابط محددة تراعي حرمة الجسد وسلامة النفس. ورغم وجود بعض الأضرار والمضاعفات المحتملة، فإن الفوائد الإنسانية لهذا العمل الجليل تفوق بكثير تلك المخاطر، عندما يُمارس ضمن أطره الأخلاقية والطبية السليمة.

المراجع:

1. مجمع الفقه الإسلامي الدولي – قرار رقم 26 (1/4).

2. المركز السعودي لزراعة الأعضاء – دليل المتبرعين بالكلى.