5 نصائح للتحكّم في أزمات فترة المراهقة

تُعدّ فترة المراهقة من أكثر المراحل العمرية تعقيدًا وحساسية في حياة الإنسان، حيث تشهد تغيرات جذرية على المستويات الجسدية، النفسية، العاطفية والاجتماعية. إنّ هذه المرحلة تمثّل نقطة تحوّل فارقة بين الطفولة والرشد، وتشكل حجر الأساس في تشكيل الشخصية المستقبلية. وخلال هذه المرحلة، يكون المراهق عرضة للعديد من الأزمات والاضطرابات الناتجة عن التغيرات الهرمونية، وتضارب الرغبات، والسعي نحو الاستقلال، والبحث عن الهوية، مما قد يؤدي إلى حدوث صدامات مع الذات والمحيط الأسري والاجتماعي. ولذلك فإن التعامل مع هذه الأزمات بحكمة ووعي يُعدّ ضرورة ملحة لكل أسرة ولكل من يضطلع بمهمة التربية والتوجيه.

في هذا السياق، يبرز دور الأهل والمربين والمجتمع في احتواء المراهق وتقديم الدعم المناسب له بطريقة لا تقمع تطلعاته ولا تُطلق العنان لاضطراباته، بل تُساعده على اجتياز هذه المرحلة بسلام نفسي ونضج فكري واجتماعي. تتطلّب هذه المهمة استراتيجيات مدروسة تقوم على التفهّم والاحترام والتواصل المفتوح، بعيدًا عن أساليب القمع أو الإهمال أو المبالغة في التوجيه.

فيما يلي خمس نصائح أساسية تُعد من أبرز الركائز التي يمكن اعتمادها للتحكّم في أزمات فترة المراهقة وتخفيف وطأتها على الفرد والمجتمع:

أولًا: بناء جسور التواصل الفعّال بين الأهل والمراهق

يُعتبر التواصل أحد أكثر الأدوات فاعلية في تجاوز أزمات المراهقة. فالتواصل هنا لا يقتصر على الحديث الظاهري أو الأوامر التربوية، بل يشمل الحوار القائم على الاحترام والإنصات العميق وفهم الخلفيات النفسية والانفعالية لسلوكيات المراهق. إنّ التواصل البنّاء يساهم في كسر الحواجز النفسية بين المراهق وأسرته، ويُعزز شعوره بالأمان والانتماء، مما يحدّ من التمرد والانغلاق والانحراف.

لتحقيق تواصل فعّال، لا بدّ أن يتخلّى الأهل عن لغة التوبيخ المستمر أو الوعظ الممل، ويُفسحوا المجال للحوار المفتوح القائم على تقبّل وجهة نظر المراهق، حتى وإن كانت مختلفة أو مثيرة للجدل. كما ينبغي للأهل أن يتعلّموا فن الاستماع دون إصدار أحكام مسبقة، لأن الاستماع الحقيقي هو ما يُشعر المراهق بأنه محترم ومفهوم، ويمنحه الثقة في الرجوع إلى الأسرة عند مواجهة المشكلات.

ثانيًا: تعزيز الاستقلالية مع وضع ضوابط واضحة

من أبرز سمات المراهقة النزوع نحو الاستقلال والتحرّر من سلطة الأهل، ويُعدّ هذا الأمر جزءًا طبيعيًا من نمو الشخصية. غير أن الخطأ الشائع الذي يقع فيه بعض الأهل هو إما مقاومة هذا الميل بشدة، أو إطلاق الحرية المطلقة دون توجيه. إنّ الحل الأمثل يكمن في تحقيق التوازن: بمعنى السماح للمراهق بمساحة من الاستقلالية واتخاذ القرارات، ولكن ضمن إطار من الضوابط الواضحة والمبادئ الثابتة.

على سبيل المثال، يمكن إشراك المراهق في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بحياته اليومية أو مستقبله الدراسي، مع توضيح حدود الحريات المتاحة له. هذا يُعزز لديه الشعور بالمسؤولية ويُدربه على التفكير النقدي وتحمل نتائج قراراته، وفي الوقت نفسه يمنع وقوعه في الفوضى أو التهور. الضوابط هنا لا ينبغي أن تكون عقوبات، بل قواعد تربوية يتم توضيح أهدافها وآثارها بمرونة وثبات.

ثالثًا: توفير الدعم النفسي والتربوي المنتظم

المراهقة مرحلة غنية بالصراعات الداخلية، والمراهق في كثير من الأحيان يعجز عن تفسير ما يمرّ به من مشاعر متضاربة، مثل القلق، الغضب، الإحباط، الخوف من المستقبل، والشعور بعدم الكفاية. ولذلك فإن الدعم النفسي لا يقل أهمية عن الدعم المادي أو التربوي. ويشمل هذا الدعم تقديم مشاعر الطمأنينة، الاعتراف بالمجهودات الإيجابية، التعامل مع الأخطاء باعتبارها فرصًا للتعلّم وليس مؤشرات فشل.

كما يُمكن في بعض الحالات الاستعانة بمختصين نفسيين أو مستشارين تربويين، خصوصًا عند ظهور علامات اضطراب نفسي واضح مثل الاكتئاب، العزلة الاجتماعية، إيذاء النفس، أو ضعف التحصيل الدراسي غير المبرر. وتكمن أهمية هذا الدعم في أنه يُساعد المراهق على إدراك أن ما يشعر به ليس غريبًا أو مدعاة للخجل، بل هو جزء من مرحلة طبيعية، ويمكن تجاوزه بالمساندة والتفهم.

رابعًا: إدماج المراهق في أنشطة بنّاءة ومجتمعية

الفراغ هو العدو الأول للمراهق، إذ يُفتح الباب أمام الانحرافات السلوكية والأفكار السلبية. ومن هذا المنطلق، فإن إدماج المراهق في أنشطة بنّاءة مثل الرياضة، الفنون، العمل التطوعي، أو النوادي الثقافية، يُعدّ من أنجع الوسائل لتحويل طاقته الهائلة إلى مسارات إيجابية. فالأنشطة تمنحه فرصًا للتعبير عن الذات، بناء المهارات، وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية بطريقة صحية.

تُظهر الأبحاث أن المراهقين المنخرطين في أنشطة منتظمة خارج إطار الدراسة أقل عرضة للمشكلات السلوكية، وأكثر قدرة على الانضباط والانخراط في المجتمع. كما أن هذه الأنشطة تمنحه شعورًا بالإنجاز وتُساعده على اكتشاف نقاط قوته ومواطن شغفه، مما ينعكس إيجابًا على ثقته بنفسه وعلى استقراره النفسي والاجتماعي.

خامسًا: توجيه المراهق نحو بناء هوية إيجابية ومتوازنة

الهوية هي جوهر المراهقة، وفي هذه المرحلة يبحث الشاب أو الفتاة عن إجابة لسؤال “من أنا؟” وهي رحلة مليئة بالتجريب والتقلبات والانبهار بالمؤثرات الخارجية. وإذا لم تتم مرافقة هذه المرحلة بتوجيه حكيم، فقد يقع المراهق في فخ التقليد الأعمى أو الانسياق خلف رموز مشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في بيئات الانحراف.

من المهم أن يُساعد الأهل أبناءهم على تكوين هوية متوازنة تجمع بين الجوانب الدينية، الثقافية، الأخلاقية، والمهارية. ويكون ذلك من خلال النقاشات الفكرية العميقة، إشباع فضولهم بأساليب علمية، وإعطائهم نماذج إيجابية واقعية يمكن الاحتذاء بها. كما أن غرس القيم مثل الصدق، الالتزام، العدل، والتسامح يُشكّل لبنة أساسية لهوية ناضجة تُوجّه المراهق نحو قرارات سليمة ومواقف متزنة.

في ضوء هذه النصائح الخمس، يمكن للأسر ومؤسسات التربية أن تضع إطارًا عمليًا للتحكّم في أزمات فترة المراهقة، بما يضمن حماية الفرد والمجتمع من تبعات هذه المرحلة الحساسة. فالمراهقة ليست أزمة يجب الخوف منها، بل فرصة للنمو والنضج إذا أُحسن التعامل معها.

المراجع:

• Erikson, E.H. (1968). Identity: Youth and Crisis. New York: Norton.

• Santrock, J.W. (2016). Adolescence (16th ed.). McGraw-Hill Education.