عصافير البطن .. حقيقة علمية

عصافير البطن هي التعبير الشعبي الذي يطلق على الإحساس بطنين أو خفقان في منطقة المعدة، والذي يشعر به الإنسان أحيانًا في مواقف مختلفة مثل الجوع، التوتر، القلق، أو حتى أثناء الاسترخاء أحيانًا. هذه الظاهرة التي يراها الكثيرون مجرد إحساس عابر لا يحمل أهمية طبية، إلا أنها تحمل خلفها تفسيراً علمياً دقيقاً يرتبط بوظائف الجهاز الهضمي والنظام العصبي في الجسم، ويمكن فهمها بعمق من خلال دراسة الفسيولوجيا العصبية والهضمية.

مفهوم عصافير البطن

مصطلح “عصافير البطن” ليس مصطلحًا علميًا بل تعبير شائع يشير إلى الحركة أو الأصوات التي تحدث في منطقة البطن، خصوصاً المعدة والأمعاء. هذه الأصوات أو الحركات ناتجة عن نشاط العضلات الملساء في جدار الجهاز الهضمي، حيث تستمر المعدة والأمعاء في الانقباضات الدورية التي تسمى التمعجات (Peristalsis) والتي تساعد على تحريك الطعام عبر الجهاز الهضمي.

هذه الانقباضات تزداد وضوحًا في حالة فراغ المعدة أو عند وجود غازات، فتشعر بها على هيئة أصوات أو حركات تُشبَّه بـ”عصافير” تطير أو تغرد داخل البطن، ومن هنا جاء التعبير الشعبي.

الأساس العلمي لعصافير البطن

يرتبط الإحساس بعصافير البطن بعملية معقدة من التفاعل بين الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المعوي (Enteric Nervous System) الذي يعمل بشكل شبه مستقل داخل جدران الجهاز الهضمي.

الجهاز العصبي المعوي

الجهاز العصبي المعوي يحتوي على ملايين الخلايا العصبية التي تنظم حركة الأمعاء، إفراز العصارات الهضمية، واستقبال الإشارات من المعدة والأمعاء. هذا الجهاز يشبه “دماغ البطن” أو “العقل الثاني” للجسم، ويقوم بتنظيم التمعجات اللاإرادية التي تدفع محتويات الأمعاء.

عندما تكون المعدة فارغة، يقوم الجهاز العصبي المعوي بتحفيز هذه التمعجات لتبدأ حركة دائمة من الانقباضات، وتنتج أصواتاً معروفة علمياً بـ”الغرغرة المعوية” (Borborygmi). هذه الأصوات قد تكون عالية وواضحة خاصة عند الجوع، لأن المعدة خالية وتنتقل الأمواج العضلية عبر الأمعاء دون عائق.

التمعجات العضلية

التمعات العضلية التي تحدث في جدران الأمعاء والمعدة هي حركات متسلسلة تنقبض فيها العضلات لتحريك الطعام، العصارات الهضمية، والغازات عبر الجهاز الهضمي. هذه التمعجات تستمر حتى عند عدم وجود طعام، وخصوصاً أثناء الصيام أو بين الوجبات.

في حالة فراغ المعدة، تنتقل هذه الحركات العضلية عبر المعدة والأمعاء بشكل أكثر وضوحًا، مما يؤدي إلى تحريك الهواء الموجود في الأمعاء مع الصوت الناتج عنه. هذه هي أساس “عصافير البطن” التي نسمعها أو نشعر بها.

العلاقة بين عصافير البطن والعوامل النفسية

تؤثر الحالة النفسية بشكل ملحوظ على نشاط الجهاز الهضمي، بسبب وجود اتصال وثيق بين الدماغ والجهاز العصبي المعوي عبر المحور العصبي المعوي (Gut-Brain Axis). هذا المحور هو نظام معقد من الإشارات العصبية والهرمونية التي تربط بين الجهاز العصبي المركزي وجهاز الهضم.

التوتر والقلق

عند الشعور بالتوتر أو القلق، يفرز الجسم هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول التي تؤثر على حركة الأمعاء. التوتر قد يحفز زيادة في نشاط التمعجات العضلية، مما يؤدي إلى زيادة الأصوات والحركات داخل البطن أو الشعور بعصافير البطن.

هذا يفسر لماذا يعاني الكثير من الأشخاص من زيادة حدة عصافير البطن في حالات التوتر، أو في مواقف الضغط النفسي، كما يحدث عند انتظار مقابلة مهمة أو اختبار أو في حالات الخوف.

الجوع وتأثيره

عندما تفرغ المعدة من الطعام بعد فترة من الصيام، يرسل الجهاز العصبي المعوي إشارات لتحفيز حركة التمعجات بهدف تنظيف المعدة والأمعاء من الفضلات السابقة ولتهيئة الجهاز لاستقبال الطعام القادم. هذه الحركة تترافق مع الأصوات المعوية التي تبرز بشكل واضح وتُعرف أيضاً بـ”عصافير البطن”.

خلال هذه الفترة، يشعر الإنسان أحيانًا بالحركة أو الاهتزاز في المعدة نتيجة لهذه الانقباضات. هذا الشعور يختفي عادة مع تناول الطعام حيث يمتلئ المعدة ويقل تحرك الهواء.

تأثير النظام الغذائي على عصافير البطن

يلعب نوع الطعام وكميته ودور الأمعاء في هضم هذه الأطعمة دوراً مهماً في ظهور عصافير البطن. بعض الأطعمة قد تؤدي إلى زيادة الغازات في الجهاز الهضمي مما يؤدي إلى زيادة الأصوات والاهتزازات.

الأطعمة الغنية بالألياف

الألياف الغذائية التي توجد في الخضروات، الفواكه، والحبوب الكاملة تزيد من حركة الأمعاء وتحفز التمعجات العضلية. الألياف لا تُهضم في المعدة بل تمر إلى الأمعاء الغليظة حيث تخمر بواسطة البكتيريا، مما ينتج غازات تسبب حركة داخلية أكثر وضوحًا.

الأطعمة المسببة للغازات

بعض الأطعمة مثل البقوليات (الفاصوليا، العدس)، والبروكلي، والقرنبيط تحتوي على مركبات تسبب تكوّن الغازات داخل الأمعاء، وهذا يؤدي إلى زيادة نشاط الجهاز الهضمي وظهور الأصوات.

تناول الطعام بكميات كبيرة أو بسرعة

الأكل بسرعة أو بكميات كبيرة قد يؤدي إلى ابتلاع الهواء مع الطعام، مما يزيد من كمية الغازات داخل الجهاز الهضمي وبالتالي زيادة الإحساس بعصافير البطن.

العلاقة بين العصافير البطن وأمراض الجهاز الهضمي

في بعض الحالات، قد تكون أصوات البطن وعصافيرها مؤشرًا على اضطرابات هضمية، رغم أن معظمها طبيعي. فهم السياق الطبي مهم لتقييم هذه الأصوات.

متلازمة القولون العصبي (IBS)

القولون العصبي هو اضطراب شائع يؤثر على حركة الأمعاء، حيث يسبب تغيرات في سرعة التمعجات بين التباطؤ والتسارع، مما يؤدي إلى آلام وانتفاخ وأصوات معوية مزعجة قد يشبهها البعض بعصافير البطن.

التهاب المعدة والأمعاء

في حالات التهابات المعدة أو الأمعاء قد يزداد نشاط الجهاز الهضمي أو تقل حركته حسب نوع الالتهاب، وهذا يؤثر على الأصوات التي تصدر من المعدة.

انسداد الأمعاء

في حالات الانسداد الجزئي أو الكامل للأمعاء، قد يسمع الطبيب أصوات معوية عالية أو غائبة، ويمكن أن يكون الشعور بعصافير البطن مرتبطًا بهذه الحالة في بداية الانسداد.

الحساسية أو عدم تحمل بعض الأطعمة

مثل عدم تحمل اللاكتوز أو حساسية القمح (السيلياك) تؤدي إلى اضطراب في حركة الأمعاء وظهور أصوات معوية غير طبيعية.

الفرق بين الأصوات العادية والأصوات المرضية

من المهم التمييز بين الأصوات العادية التي تسمى “Borborygmi” وهي طبيعية تمامًا، والأصوات التي قد تدل على وجود مشكلة صحية.

طرق تقليل الإحساس بعصافير البطن

على الرغم من أن هذه الأصوات غالبًا ما تكون طبيعية، إلا أن بعض السلوكيات تساعد في تقليلها خاصة إذا كانت مزعجة أو مصاحبة لأعراض أخرى.

• تناول وجبات صغيرة ومتكررة بدلاً من وجبات كبيرة.

• تجنب الأطعمة التي تسبب الغازات مثل البقوليات وبعض الخضروات.

• تناول الطعام ببطء ومضغ جيد لتقليل ابتلاع الهواء.

• الابتعاد عن المشروبات الغازية التي تزيد الغازات.

• تخفيف التوتر والقلق عبر تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق.

• شرب كميات مناسبة من الماء لتعزيز الهضم.

• ممارسة الرياضة بانتظام لتحفيز حركة الأمعاء.

خلاصة

عصافير البطن هي ظاهرة طبيعية ناتجة عن النشاط الدوري للعضلات الملساء في الجهاز الهضمي وحركة السوائل والغازات داخله. هذه الأصوات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحالة المعدة سواء كانت ممتلئة أو فارغة، وكذلك بالتغيرات النفسية مثل التوتر والقلق. كما أنها تتأثر بالنظام الغذائي والعوامل البيئية. على الرغم من كونها غالبًا حالة طبيعية، إلا أن فهم هذه الظاهرة يساعد في تمييزها عن الأعراض المرضية التي تتطلب تدخلاً طبياً.

تُعتبر عصافير البطن علامة على أن الجهاز الهضمي يعمل بفاعلية، وهي جزء من وظائفه الحيوية في تحريك الطعام وهضمه، مما يؤكد أن الجسم في حالة نشاط وتوازن. هذه الظاهرة تفسر بدقة من خلال علم التشريح والفسيولوجيا العصبية المعوية، وتُعتبر من أبسط أشكال التواصل الداخلي للجسم مع الدماغ، مما يبرز تعقيد ودقة هذا النظام الحيوي.

المصادر والمراجع:

1. Guyton and Hall, Textbook of Medical Physiology, 13th Edition, 2015.

2. Mayer EA, “Gut feelings: the emerging biology of gut–brain communication,” Nature Reviews Neuroscience, 2011.