معدل استيراد مصر من القمح

واردات مصر السنوية من القمح: واقع الاعتماد الغذائي وتحديات الأمن القومي

تُعد مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، وتعتمد بشكل شبه كلي على الأسواق الخارجية لتأمين احتياجاتها من هذه المادة الحيوية التي تُعد عنصرًا رئيسيًا في النظام الغذائي اليومي للمواطن المصري. يشكل القمح أساسًا لمجموعة واسعة من المأكولات الشعبية والرسمية في مصر، وعلى رأسها الخبز البلدي المدعوم الذي يُستهلك بمعدلات ضخمة يوميًا من قبل مختلف شرائح المجتمع، خاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة. وبالتالي، فإن مسألة استيراد القمح ليست مجرد قضية تجارية أو اقتصادية، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والسياسي للدولة.

حجم واردات القمح في مصر سنويًا

تستورد مصر سنويًا ما بين 10 إلى 12 مليون طن من القمح، وهي الكمية التي تجعلها في كثير من السنوات المستورد الأول عالميًا للقمح، متقدمة على دول كبرى مثل إندونيسيا وتركيا. ووفقًا لتقارير الهيئة العامة للسلع التموينية وبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن مصر تعتمد بنسبة تتراوح بين 60% إلى 70% من احتياجاتها من القمح على الأسواق الخارجية، بينما تغطي الزراعة المحلية النسبة المتبقية.

هذا الرقم يتغير قليلًا من عام لآخر بناءً على عوامل عديدة مثل:

• معدل الإنتاج المحلي من القمح.

• تغيرات أسعار القمح في الأسواق العالمية.

• التطورات الجيوسياسية مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشدة على حركة تصدير القمح عالميًا.

• تقلبات سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار.

• التغيرات المناخية التي تؤثر على موسم الزراعة محليًا.

أهم الدول التي تستورد منها مصر القمح

منذ سنوات طويلة، كانت روسيا وأوكرانيا هما الموردين الرئيسيين للقمح إلى السوق المصرية. وقد شكل القمح الروسي وحده أكثر من 50% من واردات مصر خلال فترات متعددة، لما يتمتع به من جودة مقبولة وأسعار منافسة. ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، اضطرت مصر إلى تنويع مصادر الاستيراد، فبدأت بتعزيز وارداتها من دول أخرى مثل:

• فرنسا

• رومانيا

• الولايات المتحدة الأمريكية

• كندا

• أستراليا

• الهند (في حالات نادرة ووفق مواصفات خاصة)

الاستهلاك المحلي الكبير للقمح

تستهلك مصر سنويًا نحو 18 إلى 20 مليون طن من القمح، يُستخدم منها ما يقارب 9 ملايين طن لإنتاج الخبز البلدي المدعوم الذي يتم توزيعه عبر منظومة التموين المدعومة من الدولة. بينما يُستخدم الباقي في الصناعات الغذائية الأخرى كالمعكرونة، والحلويات، والمخبوزات، والمنتجات الصناعية التي تعتمد على مشتقات القمح.

وتُظهر الأرقام أن متوسط استهلاك الفرد المصري من القمح يبلغ نحو 150 إلى 180 كيلوجرامًا سنويًا، وهو من أعلى المعدلات عالميًا، مقارنة بدول أخرى تستهلك أقل من 100 كجم للفرد.

دور الهيئة العامة للسلع التموينية

تُعد الهيئة العامة للسلع التموينية GASC (General Authority for Supply Commodities) هي الجهة الحكومية المسؤولة عن تدبير احتياجات الدولة من القمح، خاصة القمح المستخدم في منظومة الدعم. وتقوم الهيئة بعقد مناقصات دولية منتظمة لاستيراد القمح من الخارج، وتحرص على تنويع مصادر الاستيراد وتحديد المواصفات الفنية للقمح المستورد.

وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة تستهدف شراء القمح بأسعار تنافسية وبشروط ملائمة، تشمل نوعية القمح من حيث نسبة البروتين والرطوبة، بالإضافة إلى شروط النقل والتسليم، ما يجعل من هذه المناقصات مجالاً لتنافس قوي بين الشركات العالمية.

التحديات التي تواجه واردات القمح في مصر

رغم أن سياسة استيراد القمح وفرت لمصر استقرارًا نسبيًا في توفير المادة الأساسية للأمن الغذائي، إلا أن هذه السياسة محفوفة بالعديد من التحديات، من أبرزها:

1. الاعتماد المفرط على الخارج: إذ أن أي اضطرابات في أسواق التوريد العالمية تؤثر مباشرة على الأمن الغذائي في مصر، كما حدث خلال أزمة كورونا وأزمة أوكرانيا.

2. تقلبات أسعار العملات: يؤثر تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار سلبًا على تكلفة استيراد القمح، مما يرفع فاتورة الواردات بشكل كبير.

3. ارتفاع الأسعار العالمية: مع زيادة الطلب العالمي، والتقلبات المناخية، والأزمات الجيوسياسية، ترتفع أسعار القمح عالميًا، ما يؤدي إلى ضغوط على الميزانية العامة.

4. ارتفاع تكلفة النقل والشحن: خاصة بعد أزمة قناة السويس، والحرب في البحر الأحمر، وارتفاع أسعار الوقود عالميًا.

5. التغير المناخي وتأثيره على الإنتاج المحلي: مما يجعل الاكتفاء الذاتي من القمح أمرًا معقدًا للغاية.

استراتيجية الحكومة لزيادة الإنتاج المحلي

أدركت الحكومة المصرية منذ سنوات أن الاعتماد الكلي على استيراد القمح يمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن الغذائي، ولهذا أطلقت عددًا من المبادرات والسياسات لدعم الإنتاج المحلي، منها:

• تشجيع المزارعين على التوسع في زراعة القمح من خلال تقديم أسعار توريد مجزية.

• توسيع رقعة الأراضي المزروعة بالقمح خاصة في مناطق استصلاح الأراضي مثل توشكى والدلتا الجديدة.

• استخدام أصناف محسّنة من القمح تتحمل الظروف المناخية الصعبة وتنتج كميات أكبر.

• تقنيات الري الحديث لتقليل استهلاك المياه وزيادة كفاءة الزراعة.

• إنشاء صوامع تخزين حديثة لخفض فاقد المحصول بعد الحصاد، وقد بلغ عدد الصوامع الحديثة أكثر من 75 صومعة بطاقة تخزين تتجاوز 3.6 مليون طن.

جدول يوضح تطور واردات مصر من القمح في السنوات الأخيرة

أهمية القمح كسلعة استراتيجية في مصر

القمح ليس مجرد سلعة زراعية أو مادة غذائية في مصر، بل هو قضية أمن قومي بامتياز. ذلك لأن أي اضطراب في توفر الخبز المدعوم يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن مصر شهدت في ثمانينات القرن الماضي ما يعرف باسم “انتفاضة الخبز” بسبب قرارات برفع الدعم عنه، ما جعل الدولة حذرة جدًا في أي تغييرات تتعلق بمنظومة القمح.

كما أن الدولة تعتبر القمح أحد الأعمدة الأساسية في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك تولي كل الحكومات المتعاقبة اهتمامًا بالغًا بتأمين مصادره وتحديث منظومة الزراعة والتخزين والدعم المرتبطة به.

مستقبل استيراد القمح في مصر

المستقبل القريب والبعيد لاستيراد القمح في مصر يتوقف على عدة عوامل رئيسية:

• نجاح الدولة في زيادة معدلات الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الجزئي أو الكلي.

• قدرتها على تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على مورد واحد أو اثنين.

• التطورات المناخية وتأثيرها على مواسم الزراعة.

• السياسات الاقتصادية التي توازن بين دعم المواطن وتحمل الموازنة.

• استخدام تكنولوجيا الزراعة الدقيقة والذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاجية الأراضي.

ومع هذه التحديات والفرص، تظل قضية القمح في مصر محورية في كل خطط التنمية الزراعية والاقتصادية، ولا تزال الدولة تعمل بشكل دؤوب لضمان ألا يكون رغيف الخبز رهينة لتقلبات الأسواق العالمية أو للصراعات الجيوسياسية.

المصادر:

• الهيئة العامة للسلع التموينية – تقارير 2018-2023

• FAO – World Food and Agriculture Statistical Yearbook, 2023