أسباب كثرة النوم

أسباب كثرة النوم

يُعد النوم وظيفة بيولوجية حيوية تُمكّن الجسم من استعادة نشاطه وتجديد خلاياه وتعزيز وظائفه الحيوية، إلا أن اضطراب هذه الوظيفة إلى حدّ الإفراط قد يشير إلى اختلال في التوازن الفسيولوجي أو النفسي أو العصبي، ويُصنف حينها كحالة مرضية تُعرف علميًا باسم “فرط النوم” (Hypersomnia). لا ينبغي الاستخفاف بكثرة النوم، خاصةً إذا كانت تؤثر على الأداء اليومي أو الاجتماعي أو النفسي للفرد، إذ قد تكون مؤشرًا لحالات صحية معقدة ومتداخلة.

هذا المقال يتناول الأسباب الشائعة وغير الشائعة لكثرة النوم، من زوايا متعددة تشمل الأسباب العصبية والنفسية والهرمونية والمناعية، إلى جانب العوامل البيئية والسلوكية.

أولًا: فرط النوم كاضطراب طبي

فرط النوم الأولي هو اضطراب نوم عصبي يتمثل في النوم المفرط أثناء النهار دون سبب واضح مثل قلة النوم ليلًا. يعاني المصابون به من نعاس دائم، وقد ينامون لساعات طويلة قد تتجاوز 10-12 ساعة في اليوم، مع عدم الشعور بالانتعاش عند الاستيقاظ. في بعض الأحيان يكون سببه خللاً في مراكز الدماغ المسؤولة عن تنظيم دورة النوم والاستيقاظ.

فرط النوم الثانوي هو النوع الأكثر شيوعًا، ويكون نتيجة لمشكلة صحية أخرى مثل الاكتئاب، أو نقص في الغدة الدرقية، أو أمراض مزمنة تؤثر على جودة النوم.

ثانيًا: الأسباب العصبية لكثرة النوم

1. الخلل في الناقلات العصبية

تُعد المواد الكيميائية مثل السيروتونين والدوبامين مسؤولة بشكل كبير عن تنظيم النوم. أي خلل في إفراز هذه المواد، سواء بالزيادة أو النقصان، قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم تشمل كثرة النوم أو الأرق.

2. اضطرابات الدماغ

تشمل الأسباب العصبية لحالات كثرة النوم إصابات الدماغ، أورام في الجهاز العصبي المركزي، التصلب اللويحي، وبعض أمراض المناعة الذاتية التي تصيب الجهاز العصبي مثل الذئبة الحمراء. إذ تؤثر هذه الأمراض على منطقة “الوطاء” أو “الهيبوثالاموس” المسؤولة عن التحكم في النوم.

3. داء النوم (داء النَوم الإفريقي أو داء المثقبيات)

هو مرض طفيلي يسببه طفيل “التريبانوسوما”، ويؤثر مباشرة على الجهاز العصبي المركزي. يتميز بنوبات شديدة من النعاس المفرط، وقد يتسبب في الوفاة إذا لم يُعالج.

ثالثًا: الأسباب النفسية لكثرة النوم

1. الاكتئاب

تُعد كثرة النوم أحد الأعراض المميزة للاكتئاب، خاصة في الحالات المزمنة أو الشديدة. يهرب الدماغ من الواقع من خلال الغوص في النوم لفترات طويلة، وغالبًا ما تكون هذه النوعية من النوم غير مريحة أو غير منعشة.

2. القلق العام والضغوط النفسية

على الرغم من أن القلق يُصنف ضمن مسببات الأرق، إلا أن بعض الحالات النفسية الناتجة عن الضغوط قد تدفع الإنسان إلى النوم كآلية دفاعية للتهرب من المشكلات اليومية، وهو ما يُسمى بـ”النوم الهروبي”.

3. الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

خلال نوبات الاكتئاب التي تصاحب هذا الاضطراب، يعاني المرضى من نعاس شديد وتفضيل النوم على القيام بأي نشاط، على عكس نوبات الهوس التي يكون فيها المريض مفرط النشاط.

رابعًا: الأسباب الهرمونية والبيولوجية

1. قصور الغدة الدرقية

تؤدي هذه الحالة إلى بطء في عمليات الأيض وانخفاض في مستويات الطاقة، مما يجعل الشخص يشعر بالنعاس والخمول المستمر.

2. داء السكري

عدم توازن مستويات الجلوكوز في الدم سواء بالزيادة أو النقصان يؤدي إلى إرهاق مستمر وشعور دائم بالحاجة إلى النوم.

3. نقص الفيتامينات والمعادن

خاصةً فيتامين D، B12، والمغنيسيوم والحديد. جميعها تؤثر بشكل مباشر على مستويات الطاقة والتركيز، وبالتالي تؤدي إلى كثرة النوم نتيجة التعب المستمر.

خامسًا: الأسباب المناعية والالتهابية

تشير دراسات حديثة إلى أن بعض الأمراض المزمنة ذات الطابع الالتهابي، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو الذئبة، قد تتسبب في خلل بإفراز السيتوكينات (Cytokines)، وهي مواد التهابية تؤثر على مراكز النوم في الدماغ وتسبب النعاس الزائد.

سادسًا: اضطرابات النوم المؤثرة على جودة النوم

1. انقطاع النفس الانسدادي النومي

في هذه الحالة، يعاني الشخص من توقفات متكررة في التنفس أثناء النوم، مما يؤدي إلى نوم متقطع ورديء الجودة، يدفع الجسم إلى تعويضه خلال النهار بساعات نوم إضافية.

2. النوم القهري (Narcolepsy)

هو اضطراب عصبي مزمن يؤدي إلى نوبات مفاجئة من النوم خلال النهار. قد ينام المريض في أي وقت حتى أثناء الحديث أو الأكل أو القيادة.

3. متلازمة تململ الساقين

يصعب على المصابين بها الاستغراق في النوم بسبب الشعور بعدم الراحة في الساقين. يؤدي ذلك إلى نوم ليلي غير مستقر يعوضه الجسم بنوم نهاري مفرط.

سابعًا: العوامل السلوكية والبيئية

1. قلة النشاط البدني

الكسل والخمول اليومي يؤديان إلى تقليل مستويات الطاقة المطلوبة للاستيقاظ، مما يجعل النوم المتكرر طريقة يتكيف بها الجسم مع قلة الحركة.

2. النظام الغذائي الرديء

الأطعمة الغنية بالسكريات والكربوهيدرات المكررة ترفع مستويات الإنسولين ثم تُخفضها فجأة، ما يؤدي إلى الشعور بالخمول والنعاس. كذلك نقص البروتين والألياف يقلل من الحيوية الذهنية والجسدية.

3. الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية

يؤثر الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات على الساعة البيولوجية للجسم، ويؤدي إلى اضطراب دورة النوم الطبيعية، ما يدفع الشخص للنوم لفترات طويلة خلال النهار لتعويض نقص النوم الليلي.

ثامنًا: تناول بعض الأدوية والعقاقير

1. الأدوية المهدئة ومضادات الاكتئاب

العديد من أدوية الأمراض النفسية تؤثر على مركز النوم في الدماغ وتسبب النعاس كأثر جانبي.

2. أدوية الحساسية (مضادات الهيستامين)

تؤدي إلى النعاس حتى عند استخدامها بجرعات علاجية، خصوصًا الجيل الأول منها.

3. المسكنات القوية والمخدرات

بعض المسكنات مثل الأفيونات تؤدي إلى نوم عميق وطويل، قد يستمر لساعات متواصلة.

تاسعًا: العوامل الفسيولوجية المرتبطة بالعمر

1. المراهقة

خلال فترة البلوغ والمراهقة تحدث تغيرات هرمونية وبيولوجية تؤثر على دورة النوم، وقد يعاني بعض المراهقين من فرط النوم المؤقت كجزء من التطور الفسيولوجي.

2. الشيخوخة

في المقابل، قد يعاني كبار السن من نوم غير مستقر ليلًا، مما يدفعهم إلى تعويضه خلال النهار، لكن في بعض الحالات يكون السبب هو خلل في الجهاز العصبي أو تأثير الأدوية.

عاشرًا: الجدول التفصيلي لأبرز الأسباب الشائعة لكثرة النوم

الخاتمة

تُعد كثرة النوم عرضًا لا ينبغي تجاهله، خصوصًا إذا كان يؤثر على جودة الحياة اليومية أو الأداء المهني والاجتماعي. إن الفهم المتكامل لأسباب هذا الاضطراب يتطلب النظر في مختلف الجوانب الجسدية والنفسية والبيئية التي تحيط بالفرد. لا يمكن معالجة كثرة النوم من خلال تقليل ساعاته فقط، بل يجب معالجة السبب الجذري الذي يؤدي إلى هذا السلوك البيولوجي غير المتوازن.

يُوصى دومًا بالخضوع لتقييم شامل لدى طبيب مختص بالنوم أو طبيب باطني أو نفسي لتحديد السبب بدقة ووضع خطة علاجية شاملة تشمل التغيير السلوكي، والتعديل الدوائي، والعلاج المعرفي السلوكي عند الحاجة.

المراجع:

1. American Academy of Sleep Medicine – Hypersomnia Guidelines

2. Mayo Clinic – Excessive Daytime Sleepiness Causes