البرسيم: المحصول العلفي المستدام

البرسيم أو القضب: المحصول العلفي الأهم في الزراعة المستدامة

يُعدّ البرسيم (أو القضب كما يُعرف في بعض المناطق العربية) من أبرز المحاصيل العلفية التي تلعب دورًا محوريًا في دعم الإنتاج الحيواني والزراعة المستدامة في العالم. ويتميز هذا النبات العشبي بقيمته الغذائية العالية وسهولة زراعته ووفرة إنتاجه، مما يجعله من المحاصيل الأساسية في الأنظمة الزراعية التي تعتمد على تربية المواشي. ويحتل البرسيم مكانة بارزة في مختلف مناطق العالم، وخاصة في مناطق المناخ المعتدل والدافئ، وقد استُخدم منذ قرون كمصدر رئيسي لغذاء الحيوانات، وتطورت تقنيات زراعته وتحسين أصنافه لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

الوصف النباتي للبرسيم

البرسيم نبات عشبي معمر من الفصيلة البقولية (Fabaceae)، يتراوح ارتفاعه بين 30 و90 سنتيمترًا، وينمو على شكل مجموعات من السيقان الرفيعة التي تحمل أوراقًا ثلاثية الوريقات، وهي سمة مميزة لعائلة البقوليات. يتميز بجذوره العميقة التي تساعده على مقاومة الجفاف وتحسين بنية التربة، كما يمتلك قدرة عالية على تثبيت النيتروجين الجوي في التربة من خلال تكافله مع بكتيريا الرايزوبيوم (Rhizobium)، مما يساهم في خصوبة التربة ويُقلل من الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية.

أنواع البرسيم

هناك عدة أنواع من البرسيم تُزرع في مختلف المناطق، ويُعتبر اختيار النوع المناسب مرتبطًا بالعوامل المناخية وطبيعة التربة، ومن أبرز هذه الأنواع:

1. البرسيم الحجازي (Medicago sativa)
   
   يعرف أيضًا باسم الفصة، وهو أكثر أنواع البرسيم استخدامًا وانتشارًا في العالم، ويتميز بعمره الطويل وإنتاجيته العالية، ويُزرع غالبًا في المناطق ذات المناخ الجاف والمعتدل.

2. البرسيم المصري (Trifolium alexandrinum)
   
   يُزرع على نطاق واسع في مصر والشرق الأوسط، ويُعرف بغزارة إنتاجه خلال فصل الشتاء، ويُعدّ من المحاصيل العلفية الموسمية المفضلة.

3. البرسيم الأبيض (Trifolium repens)
   
   قصير القامة ويُستخدم غالبًا كمراعٍ طبيعية أو في تغطية التربة، ويُزرع في مناطق ذات أمطار معتدلة.

4. البرسيم الأحمر (Trifolium pratense)
   
   يزرع في المناطق الباردة، ويُستخدم كعلف غني بالبروتين، وغالبًا ما يدخل ضمن الخلطات العلفية للمراعي.

القيمة الغذائية للبرسيم

يُعد البرسيم من أغنى المحاصيل العلفية بالعناصر الغذائية، ويتميّز بتركيبته التي تدعم النمو السليم للحيوانات وتزيد من إنتاج الحليب واللحم. ويحتوي البرسيم الطازج على نسب عالية من:

• البروتين الخام: يتراوح بين 15% إلى 25% في المادة الجافة.

• الطاقة القابلة للهضم: يوفر طاقة عالية تسهم في رفع معدلات الإنتاج.

• الفيتامينات: خصوصًا فيتامين A، B، D، وE.

• المعادن: مثل الكالسيوم والفوسفور والمغنيسيوم، الضرورية لصحة العظام والإنتاج التناسلي.

أهمية البرسيم في الإنتاج الحيواني

• تحسين جودة الحليب واللحم: نظرًا لمحتواه العالي من البروتين والطاقة، يعزز البرسيم من إنتاج الحليب ويزيد من نسبة الدهن والبروتين فيه، كما يسهم في تسريع النمو عند العجول والحيوانات الصغيرة.

• تحسين صحة الحيوانات: احتواؤه على مضادات أكسدة طبيعية وفيتامينات يرفع من مناعة الحيوانات.

• استخدامه كعلف محفوظ: يمكن تحويل البرسيم إلى دريس (علف مجفف) أو سيلاج (علف مخمّر)، مما يتيح استخدامه على مدار العام.

الدور البيئي والاقتصادي للبرسيم

1. تثبيت النيتروجين الحيوي

يُعتبر البرسيم من المحاصيل الأساسية في الزراعة المستدامة بسبب قدرته الفريدة على تثبيت النيتروجين من الجو، مما يُقلل من استخدام الأسمدة النيتروجينية الكيميائية باهظة التكلفة والمضرة بالبيئة.

2. تحسين خصوبة التربة

بفضل جذوره العميقة، يعمل البرسيم على تهوية التربة وتحسين بنية التربة الرملية والطينية، كما يزيد من محتوى المواد العضوية في التربة، مما يُعزز من كفاءتها في الزراعة.

3. مقاومة التآكل والتصحر

يُستخدم البرسيم في برامج حماية التربة ومكافحة التصحر في المناطق الهامشية، إذ يساعد غطاؤه النباتي الكثيف في تقليل التعرية الناتجة عن الرياح والأمطار.

4. اقتصادياً: تقليل تكاليف العلف

يُعدّ البرسيم خيارًا اقتصاديًا مقارنة بالأعلاف المركبة، ويُسهم في تقليل تكاليف الإنتاج في مزارع الأبقار والأغنام، خصوصًا في الدول التي تعاني من تقلبات أسعار الأعلاف.

الجدول التالي يوضح الفرق بين أنواع البرسيم من حيث الخصائص الأساسية:

طرق زراعة البرسيم

تختلف طرق زراعة البرسيم باختلاف نوعه والظروف البيئية، لكن هناك بعض الأساسيات المشتركة:

• تحضير الأرض: تُحرث الأرض جيدًا وتُسوّى لضمان توزع البذور بشكل منتظم.

• معدل التقاوي: يختلف حسب النوع، لكنه يتراوح عادةً بين 20-30 كغم للهكتار.

• الري: يحتاج البرسيم إلى ريات منتظمة خاصة بعد الزراعة وحتى مرحلة التثبيت، بعدها يصبح أكثر تحملاً للجفاف.

• التسميد: لا يحتاج البرسيم إلى نيتروجين مضاف، لكن يُفضل دعمه بالفوسفور والبوتاسيوم.

• الحصاد: يتم الحصاد بعد بداية الإزهار مباشرة للحصول على أعلى قيمة غذائية.

الآفات والأمراض التي تصيب البرسيم

مثل أي محصول زراعي، يُمكن أن يتعرض البرسيم لعدد من الآفات والأمراض، من أبرزها:

• الذبابة البيضاء والمن: تتغذى على النسغ وتُضعف النبات.

• دودة البرسيم: تقرض الأوراق وتقلل الإنتاجية.

• الأمراض الفطرية: مثل البياض الزغبي والصدأ، وتنتشر في فترات الرطوبة العالية.

• النيماتودا: تُسبب ضعف الجذور وتقلل امتصاص العناصر الغذائية.

ويُنصح بمكافحة هذه الآفات باستخدام أساليب زراعية متكاملة تشمل الدورة الزراعية، استخدام الأصناف المقاومة، والمكافحة البيولوجية عند الإمكان.

البرسيم وتغير المناخ

في ظل التغيرات المناخية وازدياد درجات الحرارة، يُعتبر البرسيم الحجازي خيارًا ممتازًا نظرًا لتحمله الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى قدرته على النمو في أنواع متعددة من التربة. كما أن تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية بفضل وجود البرسيم في الدورة الزراعية يُسهم في تقليل انبعاثات الكربون.

البرسيم في الزراعة العضوية

البرسيم عنصر أساسي في الزراعة العضوية، حيث يُزرع كسماد أخضر (Green Manure) لتخصيب التربة قبل زراعة المحاصيل الأخرى، أو يُستخدم لتوفير علف طبيعي خالٍ من بقايا المبيدات والأسمدة الكيميائية. كما أن وجوده في الدورات الزراعية يُقلل من الحاجة للمبيدات، ويزيد من التنوع الحيوي في التربة.

خاتمة علمية

البرسيم، أو القضب، ليس مجرد محصول علفي، بل هو محور أساسي في أنظمة الزراعة المستدامة التي تسعى لتحقيق الأمن الغذائي والبيئي معًا. إن إدراجه ضمن استراتيجيات الإنتاج الزراعي والحيواني يعزز من كفاءة استخدام الموارد، ويحسن من إنتاجية الأرض، ويُسهم في التوازن البيئي. وتكمن الأهمية القصوى في الاستثمار في تحسين أصنافه، وتوسيع زراعته في المناطق القابلة للإنتاج، وتكثيف الوعي بدوره الحيوي في دعم التنمية الزراعية المستدامة.

المصادر:

1. FAO – Alfalfa: The King of Forage Crops

2. Marsden, T. (2020). Agri-food systems and sustainable agriculture: A global challenge. Routledge