أمثلة للصدقة الجارية للميت

أمثلة للصدقة الجارية للميت

الصدقة الجارية من أعظم سبل البر التي تنفع الإنسان بعد موته، وقد ثبتت مشروعيتها وأهميتها في السنة النبوية المطهرة، حيث جاء في الحديث الشريف: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]. فالصدقة الجارية تستمر منفعتها للميت حتى بعد أن يغادر الدنيا، وتظل تُكتب له في صحائف حسناته. ولأن المقصود بالصدقة الجارية هو العمل الذي يستمر نفعه ويدوم أثره، فإن صورها متعددة ومتنوعة، وكلها تعود بالخير والثواب على الميت بإذن الله. فيما يلي عرض موسع لأمثلة كثيرة من الصدقة الجارية التي يمكن إهداؤها للميت، مبينة على ضوء الشريعة الإسلامية، ومتضمنة أوجه النفع العام والخاص.

1. بناء المساجد

يُعد بناء المساجد من أعظم أوجه الصدقة الجارية، لأن المسجد بيت من بيوت الله، ومكان يؤدي فيه المسلمون أعظم العبادات، كالصلاة وتلاوة القرآن، وحلقات العلم، وتعليم الأطفال. فإذا شارك الإنسان في بناء مسجد، سواء بكامله أو جزء منه، فإن الأجر يستمر له ما دام المسجد قائماً يُرتاد ويُصلى فيه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة» [رواه البخاري ومسلم]. وإذا أُهدي ثواب هذا العمل للميت، فإنه بإذن الله يناله كما يناله الحي.

2. حفر الآبار وتوفير المياه

توفير الماء من أجلّ وأفضل أعمال الصدقة الجارية، خصوصاً في المناطق التي تعاني من الجفاف أو شُحّ المياه. فحفر بئر أو تركيب مضخة ماء أو إنشاء شبكة مياه تخدم قرية أو منطقة أو مدرسة أو مسجد يعتبر من أعمال البر العظيمة، ويستمر أجرها ما دام الناس والدواب والطيور ينتفعون من هذا الماء.

وقد جاء في الحديث: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود]. ويمكن نية هذا العمل وإهداء أجره للميت، فيصله الثواب المستمر.

3. وقف المصاحف والكتب الإسلامية

وقف المصاحف وتوزيعها في المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية من الأعمال التي يستمر أجرها، لأن من يقرأ القرآن فيها أو يتعلم منه يُكتب في ميزان الميت. كما يمكن طباعة كتب العقيدة والفقه والسيرة والتفسير وغيرها من العلوم الشرعية النافعة، وتوزيعها كوقف خيري باسمه.

ويزداد هذا الأثر نفعاً إذا وُضعت هذه الكتب في أماكن استراتيجية كالمكتبات العامة، أو مراكز التحفيظ، أو في السجون والمستشفيات، حيث يتاح للناس الاطلاع عليها بشكل مستمر.

4. إنشاء المدارس والمعاهد الشرعية

المدارس والمعاهد التي تُعنى بتعليم القرآن الكريم، أو علوم الدين، أو حتى التعليم العام، إذا أُنشئت كوقف خيري يُهدى أجره للميت، فإنها من أعظم الصدقات الجارية، لأن تعليم العلم من القربات التي ينتفع بها الناس جيلاً بعد جيل.

بل إن كل طالب يتخرج من تلك المؤسسة، ويُفيد غيره بعلمه، فإن الأجر يتسلسل ويُكتب في ميزان الميت، لأنها سلسلة ممتدة من النفع.

5. إنشاء وقف خيري يعود ريعه للفقراء

من أذكى أنواع الصدقات الجارية: إنشاء وقف تجاري أو زراعي أو صناعي، وتخصيص ريعه الدائم للفقراء والمحتاجين، أو طلبة العلم، أو الأرامل والأيتام، أو لعلاج المرضى. فيمكن مثلاً وقف عمارة سكنية، أو مزرعة، أو متجر، وتخصيص عائدها للصدقة الجارية عن المتوفى، فيجري أجر هذا العمل ما دام الأصل قائماً.

6. المشاركة في تطبيقات وبرامج دينية

في العصر الحديث، أصبحت التكنولوجيا وسيلة لنشر العلم والذكر، ويمكن من خلالها تأسيس صدقات جارية فعالة. مثلًا، المساهمة في تصميم أو دعم تطبيق إسلامي يُعلّم القرآن أو الأذكار، أو ينشر الفتاوى الصحيحة، أو يوفر تلاوات قرآنية مجانية للمستخدمين، كل هذه الأعمال تنفع الميت إذا أُهدي له ثوابها.

7. تمويل برامج تحفيظ القرآن الكريم

رعاية حلقات تحفيظ القرآن، سواء بتمويل المعلمين، أو توفير المقرات، أو طباعة المقررات، أو دعم الطلاب، من أعظم أوجه الصدقة الجارية. لأن حفظ القرآن الكريم علم يُنتفع به، ويستمر نفعه في حياة الحافظ ومن علّمه، بل وحتى من يستمع له في المستقبل.

8. زراعة الأشجار المثمرة أو النافعة

زراعة الأشجار التي يستفيد منها الناس، سواء بثمارها أو بظلها أو بخشبها، تُعد من الصدقات الجارية. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو دابة أو طير إلا كان له صدقة» [رواه البخاري].

فإذا كانت هذه الأشجار وقفا باسم الميت، أو غُرست بنية أن يكون ثوابها له، فإن الأجر يستمر بإذن الله مادامت هذه الأشجار قائمة.

9. شراء أدوات طبية أو أجهزة لمستشفيات خيرية

يمكن التبرع بمعدات طبية كأجهزة الغسيل الكلوي، أو الأسرة الطبية، أو كراسي المعاقين، أو حتى أجهزة التنفس الصناعي، وتخصيصها لخدمة المرضى في المستشفيات الخيرية أو المراكز الطبية المجانية. وهذه من صور الصدقة الجارية العصرية التي يستمر نفعها.

10. تمويل طباعة نشرات دعوية أو مصاحف رقمية

تمويل حملات طباعة نشرات تعريفية بالإسلام، أو تعليم الصلاة، أو مبادئ الدين، سواء بلغات مختلفة أو مخصصة لغير المسلمين، له أثر مستمر في نشر الهداية والمعرفة. ويمكن أن تكون هذه المواد مطبوعة أو رقمية.

11. إنشاء برامج إعلامية دينية على اليوتيوب أو الإذاعات

المشاركة في إنتاج محتوى دعوي مرئي أو مسموع كبرامج تعليمية، أو دروس تفسير، أو حلقات فقه، ويُنشر على وسائل الإعلام أو الإنترنت، من الأعمال التي تُعد من العلم الذي يُنتفع به، وهي صدقة جارية يُمكن أن يُهدى أجرها للميت.

12. كفالة الأيتام ورعايتهم بشكل دائم

من أوجه البر الدائم، إنشاء كفالة شهرية أو دائمة لليتامى، بحيث تُصرف من وقف ثابت أو تبرعات دورية، وتُسجل باسم المتوفى، فيستمر الأجر ما دام الكفالة قائمة والنفع واقعًا على اليتيم.

13. تجهيز وصيانة أماكن العبادة والمنافع العامة

المشاركة في تأثيث أو صيانة المساجد، أو تجهيز دورات المياه الخاصة بها، أو وضع مبردات مياه، أو فرش سجاد الصلاة، أو تركيب مكيفات، أو حتى الإنارة، يُعد من الصدقات الجارية ذات الأثر الكبير، ويدخل في عموم الحديث عن بناء المسجد.

جدول لأمثلة الصدقة الجارية عن الميت

الضوابط الشرعية لإهداء الصدقة الجارية للميت

من المهم التنبه إلى أن الأصل في الصدقة الجارية أن تكون بنية احتساب الأجر لله تعالى، ولا مانع شرعاً من تخصيص نية الثواب لشخص ميت، بشرط أن يكون ذلك من الأمور الجائزة في أصلها، كأن يكون العمل مشروعًا غير بدعي، وأن لا يُقصد به الرياء أو السمعة.

وقد أفتى كبار العلماء بجواز إهداء ثواب الصدقات للميت، ومنهم ابن باز وابن عثيمين وغيرهم، مؤكدين أن ذلك يصل بإذن الله ويعود على الميت بالنفع.

الخاتمة

الصدقة الجارية عمل خالد، وعطاء لا ينقطع، وفرصة عظيمة لبر الوالدين والأقارب بعد موتهم، وهي صورة من صور الرحمة المستمرة التي يمكن أن يُهدي بها الأبناء لأرواح آبائهم وموتاهم. وتنوع سبلها يعطي مساحة واسعة لاختيار الأنسب من حيث القدرة المالية أو طبيعة المنطقة أو الحاجة المجتمعية، فكل عمل يُبنى عليه نفع مستمر فهو داخل في عموم الصدقة الجارية.

المصادر:

1. صحيح مسلم – باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

2. فتاوى اللجنة الدائمة – جمع وترتيب: عبد الله الطيار وأحمد بن باز.