الإطار النظري والدراسات السابقة

الفرق بين الإطار النظري والدراسات السابقة

تعد الأدبيات العلمية جزءًا أساسيًا في بناء البحث الأكاديمي وتطويره، حيث تمثل أساسًا لفهم الظواهر والأحداث التي يتم دراستها. من بين العناصر التي يتم التركيز عليها في البحوث الأكاديمية، تبرز كل من “الإطار النظري” و”الدراسات السابقة” كجزئين أساسيين يحتاج الباحث إلى التمييز بينهما. على الرغم من أن كليهما يتعامل مع المعلومات المتاحة حول موضوع البحث، إلا أن لكل منهما وظيفة خاصة تساهم في إثراء البحث وتوجيهه نحو تحقيق أهدافه.

1. الإطار النظري: مفهومه ووظائفه

الإطار النظري يشير إلى مجموعة من المفاهيم والنظريات التي يتم استخدامها لفهم وتحليل الموضوع الذي يتم دراسته. هو بمثابة الإطار الفكري الذي يوجه الباحث في كيفية تفسير النتائج وتوضيح الروابط بين المتغيرات والعوامل المختلفة التي قد تؤثر في الظاهرة المستهدفة. يشتمل الإطار النظري عادة على مجموعة من النماذج والنظريات التي تساهم في تفسير الظواهر والأحداث بناءً على أفكار مسبقة ودراسات سابقة لها صلة بالموضوع.

تشمل وظائف الإطار النظري ما يلي:

1. توجيه البحث: يساعد الإطار النظري الباحث في تحديد الاتجاهات الأساسية للبحث وتوجيه الأسئلة البحثية. من خلال الإطار النظري، يتمكن الباحث من معرفة ما هو معروف مسبقًا عن الموضوع، وما هو غير معروف.

2. تحديد المتغيرات: يحدد الإطار النظري المتغيرات الرئيسة التي ستتم دراستها ويعرض العلاقات المحتملة بينها، مما يساعد في تحديد الأبعاد التي سيتناولها البحث.

3. تقديم الإطار المفاهيمي: يعزز الإطار النظري الفهم العميق للمفاهيم المرتبطة بالموضوع، مما يساعد في بناء الأسس الفكرية للبحث.

4. شرح الافتراضات: يعتمد الباحث على الإطار النظري لتوضيح الافتراضات التي يبني عليها بحثه. هذه الافتراضات قد تكون ناتجة عن نظريات سابقة أو منطق علمي يعتمد على فرضيات قابلة للتحقق.

2. الدراسات السابقة: مفهومها ووظائفها

الدراسات السابقة هي الأعمال البحثية التي تم إنجازها في نفس مجال الموضوع أو في مجالات قريبة منه. تركز الدراسات السابقة على النتائج والتوجهات التي توصل إليها الباحثون السابقون، مما يوفر خلفية علمية ثرية لفهم تطور المعرفة في المجال المعني. من خلال مراجعة الدراسات السابقة، يتمكن الباحث من التعرف على الأسئلة التي تم تناولها سابقًا، والأساليب المستخدمة، والنتائج التي تم التوصل إليها.

تتمثل الوظائف الرئيسية للدراسات السابقة فيما يلي:

1. الاستفادة من المعرفة السابقة: تمنح الدراسات السابقة الباحثين الفرصة للاستفادة من الأعمال السابقة التي كانت قد تناولت موضوعًا مشابهًا. فهي توفر للباحث قاعدة معرفية تمكنه من بناء على الأعمال السابقة بدلاً من إعادة اختراع العجلة.

2. تحديد الفجوات البحثية: تساعد الدراسات السابقة في الكشف عن الجوانب التي لم يتم تناولها أو التي تم الإشارة إليها بشكل غير كافٍ. هذه الفجوات توفر فرصًا للباحثين للتركيز على المواضيع التي تحتاج إلى مزيد من التحقيق.

3. مقارنة النتائج: تتيح الدراسات السابقة للباحث مقارنة النتائج التي توصل إليها مع نتائج الدراسات الأخرى، مما يساعد على تحديد مدى تطابق أو اختلاف نتائج البحث الحالي مع الأدبيات السابقة.

4. توجيه تصميم البحث: تساهم الدراسات السابقة في اختيار الأساليب والمنهجيات المناسبة للبحث. من خلال مراجعة الدراسات السابقة، يتمكن الباحث من تحديد الأدوات والأساليب التي كانت فعّالة في أبحاث سابقة، مما يسهل عملية تصميم الدراسة.

3. الفروقات الرئيسية بين الإطار النظري والدراسات السابقة

على الرغم من التداخل في بعض الجوانب بين الإطار النظري والدراسات السابقة، إلا أن هناك مجموعة من الفروقات الجوهرية بينهما، ومنها:

• التركيز: الإطار النظري يركز على تقديم المفاهيم والنظريات التي ستشكل أساس البحث، بينما الدراسات السابقة تركز على عرض نتائج الدراسات التي تم إنجازها من قبل باحثين آخرين في نفس المجال أو في مجالات قريبة.

• الهدف: الإطار النظري هدفه تفسير وتوجيه البحث من خلال تقديم إطار فكري منظم للموضوع، بينما الدراسات السابقة تهدف إلى تقديم معلومات حول ما تم دراسته سابقًا في الموضوع نفسه، مع تسليط الضوء على الفجوات البحثية والنتائج التي تم التوصل إليها.

• البنية: الإطار النظري يعتمد على النماذج النظرية والمفاهيم العلمية التي تساهم في بناء الفهم العام للموضوع، بينما الدراسات السابقة تركز على عرض الأدبيات البحثية السابقة مع ملخصات للنتائج والأساليب المستخدمة.

• الوظيفة: الإطار النظري يساعد في تطوير الأساس المعرفي الذي يوجه البحث ويساعد في تفسير النتائج، بينما الدراسات السابقة توفر مراجعة شاملة للأبحاث التي تم إجراؤها مسبقًا وتساهم في تحديد الفجوات البحثية.

• التنظيم: في حين أن الدراسات السابقة تُعرض غالبًا في تسلسل زمني أو تنظيمي يتعلق بمناطق البحث، فإن الإطار النظري يعتمد على ترتيب منطقي يعكس تسلسل الأفكار والنظريات المرتبطة بالموضوع.

4. العلاقة بين الإطار النظري والدراسات السابقة

على الرغم من أن الإطار النظري والدراسات السابقة يمثلان جزئين منفصلين في البحث العلمي، فإن هناك علاقة وثيقة بينهما. الإطار النظري يعتمد على مفاهيم ونظريات قد تكون مستخلصة من الدراسات السابقة. من ناحية أخرى، توفر الدراسات السابقة معلومات قيمة تساهم في دعم أو تعديل الإطار النظري الذي يبنيه الباحث.

في الغالب، يبدأ الباحث في بناء الإطار النظري على أساس النظريات والمفاهيم التي اكتسبها من خلال الدراسات السابقة. في هذه المرحلة، يحدد الباحث كيف يمكن استخدام هذه النظريات لتفسير الظواهر أو الأحداث التي يدرسها. وبالتالي، فإن الدراسات السابقة تلعب دورًا حيويًا في تشكيل الإطار النظري، حيث يتم الاعتماد على هذه الدراسات لتقديم المفاهيم الأساسية التي تساهم في بناء الفهم العميق للموضوع.

5. تطبيقات عملية للإطار النظري والدراسات السابقة في البحث العلمي

في البحوث العلمية المتخصصة، يتم استخدام الإطار النظري والدراسات السابقة في مجالات مختلفة لدعم الفرضيات وطرح أسئلة جديدة. على سبيل المثال:

• في مجال العلوم الاجتماعية، قد يعتمد الباحث في دراسته على نظرية اجتماعية معينة (مثل نظرية التفاعل الرمزي) التي تشكل الإطار النظري، في حين يستند إلى دراسات سابقة لمعرفة كيفية تطبيق هذه النظرية في مجتمعات مختلفة.

• في مجال الطب أو الصحة العامة، قد يعتمد الباحث على الدراسات السابقة التي تناولت مرضًا معينًا لتحديد العوامل المسببة له، ثم يبني الإطار النظري على أساس هذه الدراسات لفهم الآلية البيولوجية التي تساهم في تطور المرض.

6. أهمية التمييز بين الإطار النظري والدراسات السابقة

من الضروري أن يتمكن الباحث من التمييز بين الإطار النظري والدراسات السابقة، حيث أن كل منهما يلعب دورًا مميزًا في بناء البحث الأكاديمي. عدم التمييز بين هذين العنصرين قد يؤدي إلى خلط في تقديم المعلومات، مما يضعف من جودة البحث العلمي. يحتاج الباحث إلى بناء الإطار النظري بشكل منطقي ومتسلسل بناءً على الأفكار والنظريات المتاحة، بينما عليه أن يدمج الدراسات السابقة بشكل مناسب لدعم الفرضيات وتوضيح الفجوات البحثية.

الخاتمة

الإطار النظري والدراسات السابقة هما عنصران حيويان في البحث الأكاديمي. بينما يركز الإطار النظري على تقديم الأفكار والمفاهيم النظرية التي تساهم في فهم الظاهرة المدروسة، تساهم الدراسات السابقة في تقديم المعلومات عن البحوث التي تمت في الماضي والتي يمكن أن تدعم أو تعارض الفرضيات التي يبني عليها الباحث. الفهم الجيد لكيفية الاستفادة من كلا العنصرين في البحث يساهم بشكل كبير في إثراء الدراسة وتحقيق أهدافها البحثية.