الإسهال عند الأطفال: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه
يُعد الإسهال عند الأطفال من أكثر الحالات الصحية شيوعًا، ويشكل أحد الأسباب الرئيسية لزيارة الأطفال للمراكز الصحية، خصوصًا في المراحل العمرية المبكرة. تتراوح درجة خطورته من بسيطة تزول دون تدخل طبي، إلى حالات شديدة قد تؤدي إلى الجفاف والمضاعفات الصحية الخطيرة، لا سيما في الدول النامية والمناطق ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة. يتطلب الإسهال لدى الأطفال عناية خاصة ومراقبة دقيقة، لما له من آثار مباشرة على النمو، والتغذية، والحالة المناعية للطفل.
في هذا المقال المطول سيتم تناول الإسهال عند الأطفال من كافة جوانبه، ابتداءً من تعريفه، مرورا بأهم الأسباب والعوامل المؤثرة، وصولاً إلى الأعراض، طرق الوقاية والعلاج، والدور الذي تلعبه الأسرة في تحسين الحالة الصحية للطفل.
أولًا: تعريف الإسهال عند الأطفال
يُعرف الإسهال بأنه زيادة في عدد مرات التبرز مع تغير في قوام البراز ليصبح أكثر ليونة أو مائيًا. يتم تشخيص الحالة بالإسهال عندما يكون هناك ثلاث مرات تبرز أو أكثر في اليوم، ويكون البراز رخوًا أو سائلًا. قد يصاحبه أحيانًا أعراض إضافية كارتفاع درجة الحرارة، التقيؤ، وفقدان الشهية.
ويُصنّف الإسهال حسب مدته إلى:
-
إسهال حاد: يستمر لعدة أيام، غالبًا أقل من أسبوع.
-
إسهال مزمن: يستمر لأكثر من أسبوعين، ويكون غالبًا مرتبطًا بحالة طبية مزمنة أو سوء امتصاص.
-
إسهال متكرر: يحدث على فترات متقطعة، ويصيب الطفل بشكل متكرر خلال فترة زمنية معينة.
ثانيًا: الأسباب الرئيسية للإسهال عند الأطفال
تتعدد أسباب الإسهال عند الأطفال وتختلف حسب الفئة العمرية، البيئة الاجتماعية، والنمط الغذائي. تشمل أهم الأسباب ما يلي:
1. العدوى الفيروسية
تُعد العدوى الفيروسية من أكثر مسببات الإسهال شيوعًا عند الأطفال. ويُعد فيروس الروتا (Rotavirus) هو السبب الأكثر شيوعًا لدى الأطفال دون سن الخامسة، رغم توفّر لقاح فعال له. تشمل الفيروسات الأخرى نوروفيروس، أدينوفيروس، وفيروسات الكالسيفي.
2. العدوى البكتيرية
يمكن أن تسبب بكتيريا مثل السالمونيلا، الشيجلا، الإشريكية القولونية (E. coli)، والكمبيلوباكتر حالات إسهال شديدة قد تترافق مع دم ومخاط في البراز. تنتقل هذه العدوى غالبًا عبر الطعام أو الماء الملوثين أو سوء النظافة.
3. العدوى الطفيلية
تشمل الطفيليات المسببة للإسهال عند الأطفال الجيارديا لامبليا (Giardia lamblia) والأميبا (Entamoeba histolytica). وتنتقل الطفيليات عن طريق المياه الملوثة أو الأيدي غير النظيفة.
4. عدم تحمل الطعام أو الحساسية الغذائية
قد يعاني بعض الأطفال من عدم تحمل اللاكتوز، وهو السكر الموجود في الحليب، مما يؤدي إلى الإسهال عند استهلاك منتجات الألبان. كما قد يسبب تناول أطعمة معينة مثل القمح (الغلوتين) إسهالًا لدى الأطفال المصابين بمرض السيلياك.
5. استخدام المضادات الحيوية
قد تؤدي بعض المضادات الحيوية إلى الإخلال بتوازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما ينتج عنه إسهال يعرف بـ”الإسهال الناتج عن المضادات الحيوية”.
6. مشاكل صحية مزمنة
تشمل أمراض مثل داء كرون، التهاب القولون التقرحي، التليف الكيسي، متلازمة القولون العصبي، واضطرابات الامتصاص، والتي قد تسبب إسهالًا مزمنًا يصعب علاجه دون تدخل طبي متخصص.
7. التغذية غير السليمة
التغذية غير المتوازنة، وتناول الأطعمة الغنية بالسكريات المصنعة، أو شرب العصائر الصناعية بكميات كبيرة، قد يؤدي إلى تهيج الأمعاء والإسهال.
ثالثًا: الأعراض المصاحبة للإسهال عند الأطفال
إلى جانب التبرز المتكرر، تظهر على الطفل أعراض أخرى تختلف في شدتها حسب السبب الرئيسي، ومن أبرزها:
-
ارتفاع درجة حرارة الجسم
-
فقدان الشهية للطعام والشراب
-
التقيؤ أو الغثيان
-
المغص وألم في البطن
-
انتفاخ البطن وغازات
-
فقدان الوزن
-
ظهور دم أو مخاط في البراز
-
علامات الجفاف مثل جفاف الفم، نقص التبول، قلة الدموع، وخمول عام
رابعًا: الجفاف كمضاعفة خطيرة للإسهال
يشكل الجفاف أحد أخطر مضاعفات الإسهال، ويحدث عندما يفقد الطفل كميات كبيرة من السوائل والأملاح دون تعويضها. يتطلب الجفاف تدخلاً عاجلاً، لأن فقدان الماء والصوديوم يؤثر مباشرة على وظائف الجسم الحيوية.
علامات الجفاف الخفيف إلى المتوسط:
-
العطش الزائد
-
قلة التبول
-
جفاف الشفتين واللسان
-
خمول عام
علامات الجفاف الشديد:
-
عيون غائرة
-
جلد بارد وجاف
-
سرعة ضربات القلب والتنفس
-
فقدان الوعي في الحالات القصوى
خامسًا: طرق التشخيص
يعتمد تشخيص الإسهال على القصة المرضية والفحص السريري، بالإضافة إلى بعض الفحوصات المخبرية عند الحاجة، مثل:
-
تحليل البراز للكشف عن وجود دم، مخاط، أو طفيليات
-
زراعة البراز للكشف عن البكتيريا
-
تحليل الدم لتقييم مستوى الأملاح ووظائف الكلى في حال الاشتباه بالجفاف
-
اختبارات عدم تحمل الطعام أو الحساسية
-
منظار القولون في الحالات المزمنة
سادسًا: علاج الإسهال عند الأطفال
يُعد العلاج المناسب للإسهال أمرًا حيويًا لتفادي المضاعفات وضمان الشفاء السريع. ويعتمد العلاج على شدة الحالة والسبب الأساسي:
1. تعويض السوائل
أهم خطوة في علاج الإسهال هي تعويض السوائل المفقودة باستخدام:
-
محاليل الإماهة الفموية (ORS)، وهي الأفضل والأكثر فعالية.
-
الماء النقي، مع تجنب العصائر أو المشروبات الغازية التي قد تفاقم الإسهال.
-
في حالات الجفاف الشديد: يتم إعطاء السوائل عبر الوريد في المستشفى.
2. النظام الغذائي
ينبغي تعديل النظام الغذائي للطفل المصاب بالإسهال ليشمل:
-
أطعمة سهلة الهضم مثل الأرز، البطاطا المسلوقة، الموز، والخبز المحمص.
-
تجنب الحليب ومنتجاته مؤقتًا إذا كان هناك شك في عدم تحمل اللاكتوز.
-
الامتناع عن الأطعمة الدهنية أو المقلية أو المبهّرة.
3. العلاجات الدوائية
يُمنع استخدام مضادات الإسهال بشكل عشوائي للأطفال، لكن قد تُستخدم بعض الأدوية تحت إشراف طبي:
-
المضادات الحيوية في حالات العدوى البكتيرية المؤكدة.
-
مضادات الطفيليات إذا كانت الإصابة طفيلية.
-
البروبيوتيك (البكتيريا النافعة) للمساعدة في استعادة توازن الأمعاء.
سابعًا: الوقاية من الإسهال عند الأطفال
الوقاية تعتبر من أفضل الطرق لتجنب الإسهال والمضاعفات الناتجة عنه، وتشمل:
-
الالتزام بقواعد النظافة الشخصية، خاصة غسل اليدين بعد استخدام الحمام وقبل تناول الطعام.
-
التأكد من نظافة الماء والطعام المقدم للطفل.
-
تطعيم الطفل بلقاح الروتا في الوقت المحدد.
-
تعليم الأطفال قواعد السلامة الغذائية.
-
تجنب مشاركة الأدوات الشخصية والطعام بين الأطفال.
ثامنًا: متى يجب مراجعة الطبيب؟
على الرغم من أن معظم حالات الإسهال عند الأطفال تكون بسيطة، إلا أن هناك حالات تتطلب عناية طبية فورية، منها:
-
استمرار الإسهال لأكثر من يومين عند الطفل الرضيع أو 5 أيام عند الطفل الأكبر سنًا
-
ظهور دم أو مخاط في البراز
-
ارتفاع حرارة الجسم لأكثر من 38.5 درجة مئوية
-
القيء المتكرر
-
علامات الجفاف
-
الخمول أو قلة النشاط الواضحة
-
رفض تناول الطعام والشراب بشكل مستمر
جدول توضيحي لأسباب الإسهال وطرق العلاج المناسبة
| السبب المحتمل | العرض المميز | العلاج المقترح |
|---|---|---|
| العدوى الفيروسية | براز مائي، حرارة خفيفة | محاليل ORS، الراحة، التغذية المناسبة |
| العدوى البكتيرية | براز يحتوي دم أو مخاط | مضادات حيوية محددة، بناء على تحليل البراز |
| العدوى الطفيلية | إسهال متكرر مع فقدان وزن | أدوية مضادة للطفيليات مثل ميترونيدازول |
| عدم تحمل اللاكتوز | إسهال بعد تناول الحليب | حمية خالية من اللاكتوز |
| سوء امتصاص غذائي أو مرض مزمن | إسهال مزمن مع تأخر نمو | تشخيص تخصصي، نظام غذائي مخصص، أدوية داعمة |
| استخدام المضادات الحيوية | إسهال بعد العلاج بالمضاد الحيوي | إيقاف الدواء إذا لزم، إعطاء بروبيوتيك |
المراجع
-
WHO – Diarrhoeal disease: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/diarrhoeal-disease
-
CDC – Diarrhea: Common Illness, Global Killer: https://www.cdc.gov/healthywater/pdf/global/programs/globaldiarrhea508c.pdf

