سبب انخفاض الحرارة مع الارتفاع

لماذا تنخفض درجة الحرارة كلما ارتفعنا؟

تُعد ظاهرة انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع من الظواهر الطبيعية التي يلاحظها العديد من الأشخاص، سواء كانوا في رحلات جبلية أو يتنقلون في الطائرات على ارتفاعات عالية. ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان عندما يصعد إلى المرتفعات بأن الجو يصبح أبرد. ولكن، ما هي الأسباب العلمية التي تقف وراء هذه الظاهرة؟ ولماذا نلاحظ هذا التغير في درجات الحرارة كلما ابتعدنا عن سطح الأرض؟ في هذا المقال، سنتناول الأسباب وراء انخفاض درجة الحرارة كلما ارتفعنا، مع توضيح المفاهيم الفيزيائية والظروف الجوية التي تؤثر في هذا التغيير.

1. تأثير الغلاف الجوي

الغلاف الجوي للأرض هو طبقة من الغازات التي تحيط بكوكبنا وتعمل على حمايته من الإشعاعات الضارة وتحافظ على الحياة فيه. وتختلف هذه الطبقة في تركيبتها وكثافتها باختلاف الارتفاعات. عند مستوى سطح البحر، يتركز الهواء بشكل أكبر وتكون كثافته أعلى مقارنة بالطبقات العليا، مما يساهم في احتباس الحرارة بالقرب من سطح الأرض. هذه الكثافة العالية تؤدي إلى تركيز أكبر للغازات الدفيئة، التي تمتص وتحتفظ بالحرارة المنبعثة من سطح الأرض.

لكن مع الارتفاع، يقل الهواء ويتناقص ضغطه وكثافته. وبالتالي، تقل القدرة على احتجاز الحرارة، مما يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة. هذا التغير يمكن ملاحظته بوضوح في المناطق الجبلية المرتفعة، حيث تتدنى درجات الحرارة بشكل تدريجي مع كل 100 متر من الارتفاع.

2. تأثير كثافة الهواء على الحرارة

عندما نرتفع في الهواء، تزداد المسافة بين الجزيئات الهوائية، وبالتالي يصبح الهواء أقل كثافة. ويؤدي هذا إلى انخفاض قدرة الهواء على امتصاص الحرارة من سطح الأرض، مما يعني أن الطاقة الحرارية المنتقلة إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي تكون أقل.

إلى جانب ذلك، الحرارة في الغلاف الجوي تنتقل بشكل أساسي عن طريق الإشعاع والانتقال الحراري. في المناطق المرتفعة، يقل احتباس هذه الحرارة بسبب انخفاض كثافة الهواء، مما يساهم في تبريد الهواء في الارتفاعات العالية. أما في الأسطح المنخفضة، مثل المناطق القريبة من سطح البحر، يتم احتجاز الحرارة بشكل أكبر، وبالتالي تكون درجات الحرارة أعلى.

3. تأثير الحمل الحراري والرياح

تنتقل الحرارة أيضًا عن طريق ما يُعرف بالحمل الحراري، وهو العملية التي تتحرك فيها الهواء الساخن من الأسطح الدافئة إلى الأعلى نتيجة لاختلاف درجات الحرارة. في المناطق القريبة من سطح الأرض، تمتص الأرض حرارة الشمس وتدفئ الهواء القريب منها. هذا الهواء الساخن يصبح أقل كثافة فيصعد إلى الأعلى، بينما ينزل الهواء البارد ليحل محله. هذا الدوران المستمر للهواء يساهم في توزيع الحرارة في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي.

ومع الارتفاع، تنخفض الكثافة وتقل حركة الهواء الساخن، مما يؤدي إلى قلة فعالية هذا الحمل الحراري. وبالتالي، يقل تداخل الهواء الساخن مع الهواء البارد في الطبقات العليا، مما يُساهم في انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع. في الواقع، تتراجع درجة الحرارة بنحو 6.5 درجة مئوية تقريبًا لكل كيلومتر من الارتفاع في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي، وهو ما يُسمى بـ “الانحدار الحراري”.

4. الارتفاعات الجغرافية والمناخ المحلي

يؤثر الموقع الجغرافي على كيفية تأثير الارتفاع على درجات الحرارة. على سبيل المثال، في المناطق الاستوائية، تكون الحرارة أكثر كثافة في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي بسبب قربها من خط الاستواء، حيث تكون الشمس أكثر حرارة. لكن مع الارتفاع، تبقى درجات الحرارة منخفضة نسبيًا في هذه المناطق، بسبب الانخفاض الكبير في كثافة الهواء.

أما في المناطق القطبية، حيث درجات الحرارة تكون منخفضة جدًا على مستوى سطح البحر، يمكن أن تتغير درجة الحرارة بشكل أقل وضوحًا مع الارتفاع. السبب في ذلك هو أن الهواء في هذه المناطق بارد أصلًا، وبالتالي يقل تأثير التغيرات في الكثافة الهوائية في الطبقات العليا، مما يؤدي إلى تغير أقل في درجات الحرارة مع الارتفاع.

5. تأثيرات الغيوم والضغط الجوي

تتأثر درجات الحرارة أيضًا بتغيرات الضغط الجوي والغيوم. الغيوم تقوم بتعكس الأشعة الشمسية، مما يقلل من كمية الحرارة التي تصل إلى سطح الأرض. وعندما نقوم بالارتفاع فوق السحب، يمكن أن نلاحظ أن الهواء يصبح أكثر برودة بسبب انعدام تأثير الغيوم على احتباس الحرارة.

من جانب آخر، كما أشرنا، مع كل ارتفاع في الغلاف الجوي، يقل الضغط الجوي. في الأماكن المرتفعة، حيث يكون الضغط أقل، يكون هناك هواء أقل متاح لامتصاص الحرارة وتوزيعها في الطبقات العليا. وهذا يساهم بشكل أساسي في انخفاض درجة الحرارة مع الارتفاع.

6. العلاقة بين الارتفاع وطبقات الغلاف الجوي

يتكون الغلاف الجوي للأرض من عدة طبقات تختلف في درجة الحرارة والضغط. كلما صعدنا في هذه الطبقات، نلاحظ تغيرات كبيرة في درجة الحرارة:

• التروبوسفير: هي الطبقة التي نعيش فيها، ويحدث فيها معظم الطقس والمناخ. في هذه الطبقة، تنخفض درجة الحرارة مع الارتفاع بمعدل ثابت تقريبًا (حوالي 6.5 درجة مئوية لكل كيلومتر).

• الستراتوسفير: هي الطبقة التي تقع فوق التروبوسفير، وهنا يحدث العكس؛ حيث تبدأ درجات الحرارة في الارتفاع مع الارتفاع، بسبب امتصاص الأوزون للأشعة فوق البنفسجية.

• الميزوسفير: في هذه الطبقة، تنخفض درجات الحرارة مرة أخرى مع الارتفاع.

• الثرموسفير: في هذه الطبقة، تصبح درجات الحرارة مرتفعة جدًا بسبب امتصاص الأشعة السينية من الشمس.

لذلك، يتأثر تغير درجة الحرارة بتنوع طبقات الغلاف الجوي المختلفة، وهو ما يساهم في فهم الظاهرة بشكل دقيق.

7. تأثيرات الطقس الموسمي

تؤثر التغيرات الموسمية في درجات الحرارة أيضًا على كيفية تأثير الارتفاع على الحرارة. في فصل الصيف، قد تشهد المناطق المرتفعة درجات حرارة أبرد مقارنة بالمناطق المنخفضة، بسبب امتصاص الهواء في الطبقات السفلى للحرارة بشكل أكبر. بينما في الشتاء، قد يلاحظ البعض أن درجات الحرارة في المرتفعات تكون أبرد بشكل أكبر بسبب قلة كثافة الهواء وعدم وجود تأثيرات دفيئة واضحة.

8. استنتاجات نهائية

من خلال هذه النقاط، يتضح أن انخفاض درجات الحرارة مع الارتفاع ليس ظاهرة عرضية، بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل الفيزيائية والبيئية التي تحكم الحركة الحرارية داخل الغلاف الجوي. يتأثر هذا التغير بالكثافة الهوائية، الضغط الجوي، الحمل الحراري، والتفاعلات بين الشمس والغلاف الجوي، مما يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة كلما ارتفعنا عن سطح الأرض.

إن فهم هذه الظاهرة يساعد في تفسير العديد من الظواهر الجوية والمناخية، كما يسهم في تفسير التغيرات في الطقس والمناخ في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في المناطق الجبلية والمناطق ذات الارتفاعات العالية.