الإدارة: فن لا يعترف به العرب المعاصرون
تُعدُّ الإدارة من أهم الركائز التي تبنى عليها الشركات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص. إلا أن الاهتمام بهذا الفن لم يلقَ نفس المستوى من التقدير والاعتراف في العديد من المجتمعات العربية المعاصرة. على الرغم من أن الإدارة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنجاح أي منظمة أو مؤسسة، فإن الكثير من الدول العربية لم تعِقَ بما يكفي لفهم مدى تأثيرها في تحسين الإنتاجية والفاعلية داخل المؤسسات. لذلك، يُمكن القول إن الإدارة في العالم العربي لا تزال فنًا غير معترف به بما يكفي، سواء من قبل الحكومات أو أصحاب الأعمال أو حتى العاملين.
الجذور التاريخية للنظرة تجاه الإدارة في العالم العربي
من المعروف أن الإدارة في مفهومها الحديث هي نتاج تطور طويل بدأ مع الثورة الصناعية في الغرب. في تلك الفترة، بدأ الوعي بأهمية تنظيم العمل وتطوير الهياكل الإدارية في المؤسسات. أما في العالم العربي، فقد ظلَّت الإدارة، في الغالب، محكومة بعوامل تقليدية وموروثة، مما جعل من الصعب تقبل الأفكار الإدارية الحديثة.
تاريخيًا، كانت معظم المجتمعات العربية ترتكز في تنظيماتها على أنماط من الإدارة البسيطة التي لا تتطلب تفكيرًا استراتيجيًا أو تخطيطًا بعيد المدى. وكان الاهتمام غالبًا ما يكون منصبًا على قادة القبائل أو الحكام، حيث تقتصر مهامهم على تنظيم شؤون المجتمع بالطريقة التي لا تتعدى حدود الاستمرارية اليومية أو الحفاظ على الأمن.
ومع مرور الزمن، ورغم تقدم الفكر الإداري في الغرب، ظلَّ في كثير من الأحيان المجتمع العربي متمسكًا بأطر إدارية تقليدية، بعيدة عن الابتكار أو التفوق في مجالات الإدارة الحديثة.
تحديات الإدارة في العالم العربي
أحد أبرز التحديات التي تواجهها الإدارة في العالم العربي هو غياب التعليم الإداري المتخصص. فعلى الرغم من وجود بعض الجامعات التي تقدم برامج دراسات عليا في الإدارة، إلا أن الفكر الإداري في الكثير من الأحيان لا يعكس احتياجات السوق أو متطلبات الأعمال المعاصرة. كما أن الكثير من المنظمات العربية تفتقر إلى الكوادر البشرية المؤهلة علميًا وإداريًا، ما يؤدي إلى ضعف فاعلية الإدارة داخل هذه المؤسسات.
أضف إلى ذلك أن هناك تصورات سائدة حول الإدارة يمكن أن تكون مغايرة لما هو معتمد في الدول المتقدمة. ففي بعض الأحيان، تُعتبر الإدارة في المؤسسات العربية، سواء في القطاع العام أو الخاص، عملية تسيير لا تتعدى دورها مجرد الإشراف على تنفيذ الأعمال اليومية. لذا، يفتقد العاملون في المؤسسات العربية إلى التفكير الاستراتيجي الذي يعدُّ أحد العوامل الأساسية التي تحقق النجاح المستدام.
العوامل التي تؤثر في ضعف الاهتمام بالإدارة
1. التأثير الثقافي والاجتماعي
إن الثقافة السائدة في العديد من الدول العربية تفضل النمط التقليدي في التعامل مع الأعمال والإدارة. هناك ميل إلى تكريس السلطة في يد القلة من الأفراد، مما يعزز من فكر المركزية ويفقد الإدارة مرونتها في التكيف مع التغيرات السريعة في السوق. إضافة إلى ذلك، ترتكز العلاقات الاجتماعية على الترابط الشخصي والعائلي، مما يؤثر في قدرات الناس على اتخاذ قرارات إدارية مهنية خالصة.
2. التعليم والإعداد الإداري
إن نظام التعليم في الدول العربية في بعض الأحيان لا يواكب التطورات الحديثة في عالم الأعمال والإدارة. قد يقتصر التوجه الأكاديمي في بعض الجامعات على الدراسات النظرية، مما يؤدي إلى قلة الاستفادة من المهارات التطبيقية التي تؤهل الأفراد لتولي المناصب الإدارية بفعالية.
3. الموارد البشرية والابتكار
تتسم المؤسسات العربية، في كثير من الأحيان، بنقص حاد في الابتكار الإداري. فالأعمال تُدار غالبًا بعقلية “الموظف المُنفذ” لا “الموظف المبدع”. كما أن الموارد البشرية لا تتم إدارتها وفق أسس علمية تؤهلها لتحقيق النمو والابتكار، بل يتم تحديد الوظائف والمهام وفقًا لمعايير لا تواكب التغيرات المستمرة في بيئة العمل العالمية.
4. التأثير الحكومي والبيروقراطية
العديد من الدول العربية تعاني من بيروقراطية شديدة في الأنظمة الإدارية الحكومية، مما يؤدي إلى تراكمات ضخمة في الإجراءات وسوء الإدارة. هذه البيروقراطية تؤثر سلبًا على المؤسسات الخاصة أيضًا، حيث تجد الشركات نفسها في مواجهة معوقات تنظيمية تؤثر في أدائها وإنتاجها.
الإدارة الحديثة: طريق النجاح المؤجل
إذا كان هناك أمرٌ مشترك بين معظم المؤسسات العالمية الناجحة، فهو تطبيق أسس الإدارة الحديثة التي تعتمد على الابتكار، التخطيط الاستراتيجي، وتحقيق التوازن بين الأفراد والتكنولوجيا. إذ باتت المؤسسات التي تواكب التحولات العالمية قادرة على الاستفادة من التقنيات الحديثة، وتحقيق كفاءة عالية في أنظمتها الإدارية.
إن الوقت قد حان لكي يعترف العالم العربي بأهمية الإدارة الحديثة، وليس فقط كأداة لتوجيه الأنشطة اليومية، بل كعامل أساسي في بناء مستقبل الاقتصاد المحلي والعالمي. ما تحتاجه المنطقة العربية في هذا السياق هو تحول تدريجي في الفكر الإداري، يواكب التغيرات العالمية ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
كيف يمكن تغيير الوضع الراهن؟
-
إصلاح النظام التعليمي:
يحتاج النظام التعليمي في العالم العربي إلى تطوير شامل ليشمل تدريس المهارات الإدارية بفعالية أكبر. يجب أن تتضمن المناهج الدراسية مهارات عملية بالإضافة إلى الأسس النظرية، حتى يتخرج الشباب قادرين على مواجهة تحديات سوق العمل المعاصر. -
تشجيع الابتكار الإداري:
يجب على الحكومات والشركات تشجيع ثقافة الابتكار في إدارة الأعمال، من خلال الاستفادة من أحدث التقنيات والنظريات الإدارية، مع التركيز على التطوير الذاتي المستمر للمسؤولين عن الإدارة في المؤسسات. -
دعم القيادة الإدارية المؤهلة:
يجب أن يتوفر في المؤسسات قادة إداريون مؤهلون وقادرون على التفكير الاستراتيجي واتخاذ قرارات من شأنها تحسين الأداء العام، بدلًا من الاعتماد على أساليب تقليدية غير مرنة. -
تحفيز القطاع الخاص:
يجب أن يُشجَّع القطاع الخاص في العالم العربي على الاستفادة من استراتيجيات الإدارة الحديثة التي تم تطبيقها في الأسواق الغربية بنجاح. وهذا يتطلب دعم الابتكار وتقديم حوافز لتبني هذه الأساليب.
الخلاصة
إن الإدارة الحديثة ليست مجرد وظيفة إدارية بل هي فن يتطلب تفكيرًا عميقًا وإبداعًا مستمرًا. العالم العربي بحاجة إلى إعادة تعريف الإدارة وأهميتها في ظل المتغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي. وإن تبني أسس الإدارة الحديثة سيعزز من قدرة المؤسسات العربية على المنافسة على المستوى العالمي، ويؤدي في النهاية إلى تحسن الأداء وزيادة الإنتاجية في جميع القطاعات.