كيفية الإحرام من الميقات
يُعد الإحرام من أعظم شعائر النسك في الإسلام، وهو الخطوة الأولى للدخول في نية الحج أو العمرة، وله من الأحكام والضوابط ما يميّزه عن غيره من الشعائر. ويبدأ الإحرام من الميقات الذي حدده الشرع الشريف، وهو بمثابة الحاجز المكاني الذي لا يجوز تجاوزه لمن أراد النسك إلا وهو محرم. وتنبع أهمية فهم كيفية الإحرام من الميقات من ارتباطه المباشر بصحة النسك وقبوله، وقد تواترت النصوص الشرعية من السنة النبوية في بيان أماكن المواقيت وأحكام الإحرام منها، مما يستوجب بيانًا مفصلًا يوضح هذه الشعيرة العظيمة بدقة وتفصيل، مراعيًا فيه الفروق الفقهية والنقل عن الصحيح من أقوال أهل العلم.
تعريف الإحرام
الإحرام لغةً هو الدخول في حرمة الشيء والتلبس به، أما في الاصطلاح الشرعي، فالإحرام هو نية الدخول في أحد النسكين: الحج أو العمرة، ويُعد من أركان الحج التي لا يصح النسك إلا بها. ويُصاحب الإحرام تجرُّد المحرم من ملابسه المعتادة ولبس لباس مخصوص مع التزامه بمحظورات معينة حتى يتم حجه أو عمرته.
المواقيت المكانية للإحرام
حدد النبي ﷺ المواقيت التي يُحرِم منها الناس حسب بلدانهم وجهاتهم، وهذه المواقيت تُعد من أهم الضوابط التي يجب الالتزام بها قبل النية والدخول في النسك، وفيما يلي تفصيلها حسب ما ورد في الحديث الشريف:
| الميقات | الجهة أو البلد | الدليل |
|---|---|---|
| ذو الحليفة | أهل المدينة ومن يمر بها | حديث ابن عمر: “وقّت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة” |
| الجُحفة | لأهل الشام ومصر والمغرب | وقد اندثرت اليوم ويُحرم الناس من “رابغ” القريبة منها |
| يلملم | لأهل اليمن | رواه البخاري ومسلم في توقيت المواقيت |
| قرن المنازل (السيل الكبير) | لأهل نجد | وهو الميقات لمن يأتي من الرياض والطائف |
| ذات عرق | لأهل العراق والمشرق | رغم أن النبي ﷺ لم يحددها بنفسه، لكنها وضعت بعده بأمر عمر رضي الله عنه |
كما قال النبي ﷺ: “هُنّ لهنّ، ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممن أراد الحج والعمرة”، أي أن من مرّ بهذه المواقيت من غير أهلها وأراد النسك، فعليه الإحرام منها.
الاستعداد للإحرام من الميقات
عند بلوغ الميقات، أو قبله بقليل إن لم يكن هناك وقت أو مكان للتوقف، يبدأ الاستعداد للإحرام من خلال مجموعة من الخطوات التي وردت عن النبي ﷺ:
1. الاغتسال والتطيب
-
يُستحب الاغتسال قبل الإحرام، وهو سنة للرجال والنساء، حتى الحائض والنفساء، كما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
-
يُستحب للرجل أن يتطيب في بدنه قبل الإحرام، ولكن لا يجوز وضع الطيب على ملابس الإحرام، أما النساء فلا يُشرع لهن التطيب حال الإحرام مطلقًا.
2. لبس الإحرام
-
الرجال: يلبسون إزارًا ورداءً أبيضين غير مخيطين، ويُفضل أن يكونا نظيفين.
-
النساء: يلبسن ما شئن من الثياب الساترة غير الزينة، ولا يتخصّصن بلباس معين، لكن عليهن تغطية كامل الجسد ما عدا الوجه والكفين، ولا يُشرع لهن لبس النقاب أو القفازين أثناء الإحرام، لقول النبي ﷺ: “ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين”.
3. الصلاة قبل الإحرام
-
يُستحب أن يصلي ركعتين قبل الإحرام، وإن وافق وقت فريضة فالأولى أن يُحرم بعدها مباشرة، لكن لا تُشرع صلاة خاصة بالإحرام.
4. النية والتلبية
-
يُحرم الحاج أو المعتمر بعد أن يتهيأ، وينوي بقلبه الدخول في النسك، ويجهر بالنية إن شاء فيقول:
-
لبيك عمرة إذا كان يريد العمرة فقط.
-
لبيك حجًا إذا كان في أشهر الحج ويريد الحج مفردًا.
-
لبيك عمرة وحجًا لمن أراد التمتع أو القِران.
-
-
ثم يبدأ بالتلبية قائلاً:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”
ويستمر بالتلبية من لحظة الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف بالنسبة للمعتمر، أو إلى رمي جمرة العقبة الكبرى في يوم النحر بالنسبة للحاج.
الإحرام قبل الميقات: حكمه وآثاره
يحصل أحيانًا أن يُحرم البعض قبل بلوغهم الميقات، سواء في الطائرة أو من بلدهم الأصلي، وقد اختلف العلماء في ذلك، والأرجح من أقوالهم:
-
الإحرام قبل الميقات مكروه، لأنه مخالف لهدي النبي ﷺ، إلا في حال الضرورة، مثل المسافر بالطائرة الذي لا يمكنه التوقف عند الميقات.
-
يجوز الإحرام قبل الميقات ولا يؤثر في صحة النسك، لكن يُعد من التكلّف الذي نهى عنه الشرع، إذ قال جابر رضي الله عنه: “أهلّ رسول الله ﷺ من ذي الحليفة” ولم يُحرِم من المدينة.
محظورات الإحرام
بمجرد النية والدخول في النسك، يُصبح المحرم ملتزمًا بمجموعة من المحظورات التي يجب اجتنابها حتى يتحلل، وأبرزها:
على الرجال والنساء:
-
إزالة الشعر من أي موضع من الجسد.
-
تقليم الأظافر.
-
استخدام الطيب بعد الإحرام.
-
عقد النكاح أو الخطبة أو مباشرة النساء.
-
قتل الصيد البري أو الإعانة عليه.
خاصة بالرجال:
-
لبس المخيط، أي ما فُصّل على قدر الجسم، كالقمصان والسراويل.
-
تغطية الرأس بغطاء ملاصق، كالطاقية أو العمامة.
خاصة بالنساء:
-
تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع، لكنها تغطي وجهها بغير النقاب إن مرّ بها الرجال، كما كانت تفعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
الأخطاء الشائعة في الإحرام من الميقات
-
تجاوز الميقات دون إحرام: يجب على من تجاوز الميقات دون إحرام أن يعود إليه إن أمكن، أو يُحرم من مكانه ويجب عليه دم.
-
عدم الاغتسال أو التطيب قبل الإحرام: يفوّت بذلك سنة مؤكدة.
-
الاعتقاد أن لبس الإحرام هو الإحرام نفسه: وهو خطأ شائع، إذ أن الإحرام يبدأ بالنية وليس باللباس.
-
التلفظ بنية مفصّلة بشكل زائد: حيث يكفي ما ورد من النبي ﷺ مثل “لبيك عمرة” أو “لبيك حجًا”.
الإحرام من الطائرة
أصبحت الطائرة وسيلة رئيسية لوصول الحجاج والمعتمرين، ويُواجه البعض صعوبة في معرفة وقت الإحرام بدقة، وفيما يلي أبرز الضوابط:
-
يجب الإحرام جواً قبل تجاوز خط الميقات، وتُعلن الخطوط الجوية الإسلامية عادة عند اقتراب الميقات.
-
يُمكن للمسافر أن يلبس ملابس الإحرام قبل صعود الطائرة، ثم يُحرم بنيته إذا شارف الميقات.
-
الأفضل للمسافر أن يتفقه قبل سفره في مكان الميقات الذي يمر عليه في الجو، مثل ميقات “قرن المنازل” للقادمين من الخليج.
الإحرام في السفن ووسائل النقل الأخرى
يُحرم المسافر في البحر أو البر إذا حاذى الميقات أو بلغه، وله أن يتهيأ بالإغتسال واللباس قبل بلوغ الميقات، ثم يُحرم بالنية والتلبية عند المرور به.
الإحرام للنيابة عن الغير
-
يجوز أن يُحرم الشخص عن غيره ميتًا أو عاجزًا بدنيًا، ويُشترط أن يكون قد حج عن نفسه أولاً، لقول النبي ﷺ للرجل الذي قال: “أحج عن شُبرمة؟” قال: “حججت عن نفسك؟” قال: لا. قال: “فحُج عن نفسك ثم حج عن شُبرمة”.
أثر الإحرام من الميقات على صحة النسك
-
يُعد الإحرام من الميقات ركنًا أساسيًا لصحة النسك، فإن تجاوز الميقات دون إحرام وأحرم بعده، كان عليه دم (ذبح شاة) لفعل محظور.
-
المحافظة على الترتيب والنية واتباع السنة فيه سبب لقبول النسك ورفع الدرجات.
الخلاصة
الإحرام من الميقات يمثل البوابة الشرعية للدخول في عبادة الحج أو العمرة، وهو شعيرة لها ضوابط شرعية دقيقة يجب على المسلم معرفتها والالتزام بها. وقد شرع الله للمسلمين المواقيت المكانية لتوحيد النية والزمان، ولإدخال الطمأنينة والتجرد في قلوبهم قبل الوصول إلى الحرم. ولا يصح نسك بدون إحرام، والإخلال بشروطه أو محظوراته يُعرّض النسك للخلل، مما يستوجب التفقه والتأهب لهذه العبادة الجليلة. إن إحياء سنة النبي ﷺ في الإحرام واتباع هديه التفصيلي هو السبيل إلى أداء الحج والعمرة على الوجه الأكمل.
المراجع:
-
صحيح البخاري – كتاب الحج.
-
الفقه الإسلامي وأدلته – د. وهبة الزحيلي.

