الأم: عطاء لا ينتهي

الأم: سر الحياة وأساس الوجود

تعد الأم أعظم هبة وهبها الله للبشرية. فهي النبع الذي يرتوي منه الإنسان في مراحل حياته كافة، والمصدر الأول للحب والعطاء. لا يكاد يمر يوم دون أن نتذكر فضلها أو نشعر بالامتنان تجاه ما قدمته لنا من تضحيات لا تعد ولا تحصى. ليس ثمة كلمة قادرة على التعبير عن عظمة الأم سوى كلمة “أم”. هي التي تهب من نفسها ما لا يُقاس ولا يُعد من أجل أن يبقى الأبناء في أحسن حال، ويتنعمون بحياة مليئة بالأمل والرغد. في هذا المقال، سنسلط الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه الأم في حياة الأفراد والمجتمع ككل، مبرزين تضحياتها، وجهودها، وأثرها العميق في التربية والتعليم وتكوين الشخصيات.

الأم في القرآن الكريم والسنة النبوية

لقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تذكر الأم وتحث على احترامها والعناية بها. فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا”(الإسراء: 23). هذه الآية الكريمة تُبرز مدى عظمة الأم، وتحث على الإحسان إليها، وخاصة في مراحل عمرها المتقدمة، حيث يصبح رعايتها أمرًا بالغ الأهمية.

كما ورد في الحديث الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أبوك” (رواه البخاري). وهذا الحديث يُبين بوضوح أن الأم تستحق من الإحسان ما لا يُقاس ولا يُعد، حيث ورد ذكرها ثلاث مرات قبل الأب.

تضحية الأم

تبدأ تضحيات الأم منذ اللحظة الأولى التي تعرف فيها بحملها. فالأم لا تدخر جهدًا ولا وقتًا في تقديم العناية والتضحية من أجل راحة طفلها، بدءًا من فترة الحمل التي تحمل فيها كل متاعب الحياة، مرورًا بلحظات الولادة التي تكتنفها الآلام والمخاطر، وصولًا إلى مرحلة الرضاعة التي تقتطع فيها الأم ساعات من نومها، وتحارب أحيانًا لتلبية احتياجات طفلها من الطعام والرعاية. الأم في هذه المرحلة تكون مستعدة لتحمل أي ألم أو تعب، فقط من أجل سعادة طفلها.

ولا تقتصر تضحيات الأم على مرحلة الطفولة، بل تمتد لتشمل جميع مراحل حياة الأبناء. فهي تواصل تقديم الدعم والمساندة في مرحلة الدراسة، تساندهم في شتى مواقف الحياة، وتظل دائمًا العون الأوحد الذي يمكن الاعتماد عليه في أصعب الأوقات. وبدون الأم، يفقد الإنسان الكثير من معاني الحياة.

دور الأم في التربية والتعليم

يعد دور الأم في تربية الأبناء من أهم الأدوار التي تقوم بها في حياتها. فهي أول معلم لأطفالها، وهي من تزرع فيهم القيم والمبادئ منذ سنواتهم الأولى. يبدأ دور الأم في التربية من خلال تعلم الطفل أولى خطواته، ومن ثم تدريبه على النطق والكلام، ثم تعليمه الأخلاق والآداب، ليكون فردًا صالحًا في المجتمع.

الأم هي المسؤولة عن توجيه طفلها نحو الفضائل، وزرع حب العلم والعمل في قلبه. هي التي تزرع فيه حب القراءة، وتشجعه على التفوق الدراسي، وتساعده في حل مشكلاته. وعندما يمر الأبناء بمواقف صعبة، سواء في المدرسة أو الحياة الاجتماعية، فإن الأم تكون أول من يقدم لهم العون والدعم المعنوي.

كما أن تأثير الأم في تعليم أبنائها يتجاوز حدود المواد الدراسية، فهو يشمل أيضًا التعليم العاطفي والوجداني. فهي التي تزرع في قلوبهم حب الله والوطن والإنسانية، وتقوي لديهم مفاهيم العدالة والرحمة، مما يجعلهم مواطنين صالحين قادرين على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعهم.

الأم والعطاء اللامحدود

عندما نتحدث عن العطاء، فإننا لا نستطيع إلا أن نشير إلى العطاء الأمومي. فالأم هي التي تضمن لأبنائها حياة سعيدة، وذلك عبر تقديم ما تملك من وقت وجهد. في كثير من الأحيان، تضع الأم احتياجاتها الشخصية جانبًا من أجل رفاهية أبنائها، فتسهر على راحتهم، وتفكر دائمًا في تأمين مستقبلهم، حتى لو كان ذلك على حساب راحتها أو حتى صحتها. إنها تجسد معنى العطاء اللامحدود، حيث لا تنتظر مقابلًا، بل تفعل كل شيء بحب خالص ورغبة في أن تراهم في أفضل حال.

وفي هذا السياق، يقول الشاعر العربي:

“أمّي، لا شيء يُغني عن حبك،

ولا الدنيا ولا شمسها،

في يديكِ السّلام، ولا شيء أغلى من برّكِ،

أنتِ الحياة، أنتِ الأمل، وأنتِ النّور.”

الأم في المجتمع

لا تقتصر أهمية الأم على محيط الأسرة فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل. فالأم هي المسؤولة عن تربية الجيل الجديد، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تطور المجتمع. إذا كانت الأم قدوة حسنة لأبنائها، فإن هؤلاء الأبناء سينشئون في بيئة تكون فيها القيم الإنسانية النبيلة سائدة، مما يعزز استقرار المجتمع وازدهاره.

الأمهات هن القوى الخفية التي تحرك العالم. من خلال تربية الأجيال القادمة، تساهم الأم بشكل كبير في تشكيل مستقبل الأمم. فعندما تكون الأم متعلمة وواعية، فإنها تعطي أبناءها الأدوات اللازمة لتحقيق النجاح في الحياة، وبالتالي تساهم في بناء مجتمع معرفي وقوي.

خاتمة

الأم هي أساس المجتمع، وعصب الحياة. ليس هناك من كلمة يمكن أن توفي الأم حقها، فهي ليست فقط مصدر الحياة، بل مصدر الحب والتضحية والعطاء. قد يمر الزمن، وقد نواجه ظروفًا صعبة، لكن تبقى الأم هي الثابت الوحيد في حياة الإنسان. مهما فعلنا، لن نتمكن من رد الجميل الذي تقدمه الأم لنا، وما علينا إلا أن نعي قدرها ونعاملها كما تستحق. الأمهات هنّ منبع الحياة، وبدونهنّ لن يكون للحياة معنى.