كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القيم الإسلامية التي جاءت لتعزز السلوك الأخلاقي والاجتماعي في المجتمع المسلم. وهي من الواجبات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده، حيث يسعى المسلمون من خلالها إلى إصلاح النفوس وتصحيح الأفعال، بما يحقق الخير العام ويرفع الظلم والفساد. لهذا الموضوع مكانة عظيمة في التشريع الإسلامي، وحضور مستمر في حياة المسلمين عبر القرون.

مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف هو حث الناس على القيام بالأعمال الصالحة التي أمر الله بها، مثل الصلاة، الصدق، العدل، وبر الوالدين، والامتناع عن كل ما يغضب الله. أما النهي عن المنكر فهو منع الناس عن الأعمال السيئة التي حرّمها الله، مثل الكذب، الظلم، الفساد، شرب الخمر، والفواحش. وهذا يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل الدعوة إلى الخير والابتعاد عن الشر في كل مناحي الحياة.

في اللغة، “الأمر” يعني الطلب أو الحث على فعل شيء، و”المنكر” هو كل ما هو مكروه أو مخالف للشرع والعقل، و”المعروف” هو ما هو معلوم ومقبول وموافق للشرع.

الحكمة من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يكن مجرد عبء أو فرض على الأفراد دون حكمة، بل هو جزء من النظام الأخلاقي والاجتماعي الذي يحافظ على سلامة المجتمع وتماسكه.

• حفظ المجتمع من الفساد: المنكرات إذا تركت دون ردع تتفاقم وتنتشر، مما يؤدي إلى فساد المجتمعات وانهيار القيم.

• تحقيق العدالة: بالتحذير من الظلم ومنعه، يُحفظ حقوق الناس ويُصان كرامتهم.

• تنمية الفضائل الشخصية والاجتماعية: الأمر بالمعروف ينمي الفضائل في الفرد ويشجع على التمسك بالقيم الإيجابية.

• تقوية العقيدة الإسلامية: إذ أن الأمر والنهي جزء من التزام المسلم بدينه، وعبادة لله عز وجل.

الأدلة الشرعية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من النصوص التي تؤكد على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أبرزها:

• قوله تعالى:
  
  “وَكُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ فَإِن تَعَدَّلُوا أَوْ وَۥلُّوا فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: 135)
  
  وهذا يشير إلى ضرورة القيام بالعدل، وهو مرتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه لا يمكن إقامة العدل إلا بالتصدي للمنكرات.

• قوله تعالى:
  
  “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” (آل عمران: 110)
  
  هذا يدل على أن الأمة الإسلامية متميزة بكونها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر.

• حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
  
  “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم).
  
  هذا الحديث يحدد درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويؤكد أن التغيير مطلوب بطرق متعددة حسب القدرة.

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ليس كل من رأى منكراً يصح له التدخل بلا ضوابط، بل هناك شروط وضوابط شرعية تحكم ذلك، أهمها:

1. النية الصادقة: يجب أن تكون النية خالصة لوجه الله، لا تدافع عن المصالح الشخصية أو الانتقام.

2. المعرفة بالمعروف والمنكر: يجب أن يكون الشخص عالماً بما هو معروف وما هو منكَر في الشرع، لأن الجهل قد يؤدي إلى إفساد الأمور.

3. التدرج في الأسلوب: يبدأ الأمر باللسان والنصيحة اللطيفة، ثم باليد إذا استوجب الأمر، مع مراعاة الحكمة والرفق.

4. القدرة على الأمر والنهي: فلا يُطلب من الشخص ما لا يقدر عليه، أو مما يسبب له ضرراً كبيراً.

5. عدم الوقوع في الظلم: يجب أن يكون الأمر بالنهي عادلًا لا يمس حقوق الآخرين أو يظلمهم.

6. اختيار الوقت والمكان المناسبين: لأن التوقيت المناسب يزيد من فرصة قبول النصيحة وتحقيق الهدف.

أساليب وطرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لكي يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعالاً، لا بد من استخدام أساليب تتناسب مع الموقف والأشخاص، ومنها:

• الحكمة والموعظة الحسنة: استخدام الكلام اللين والرفق عند النصيحة، كما قال الله تعالى:
  
  “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ” (النحل: 125).

• المعاشرة الطيبة والمثال الحسن: أن يكون الشخص نفسه قدوة في الالتزام بالخير، لأن التأثير يكون أكبر بالممارسة الفعلية.

• الاعتدال في القوة: عندما يتطلب الأمر استخدام القوة، يجب أن تكون في حدود الشرع وبقدر الحاجة فقط، دون تجاوز أو إضرار بالآخرين.

• الخصوصية قبل العلنية: يُفضل تقديم النصيحة للمنكر في السر قبل التوبيخ العلني، احتراماً للكرامة ولقبول النصيحة.

• استخدام العلم والمعرفة: تبيين الحكمة من المنع والنهى، وشرح الأضرار والمخاطر المرتبطة بالمنكر.

• العمل الجماعي: التعاون مع أهل العلم والدعوة والمجتمع لتوحيد الجهود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأدوات المعاصرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مع تطور المجتمعات وتغير وسائل التواصل، أصبح من الضروري الاستفادة من الوسائل الحديثة لتفعيل هذا الواجب، ومن أبرزها:

• وسائل التواصل الاجتماعي: يمكن نشر الوعي بين الناس من خلال محتوى هادف، نشر القصص الدينية، التوجيهات الإسلامية، ومحاربة الأفكار المنحرفة.

• البرامج التثقيفية والدعوية: تنظيم الندوات والمحاضرات والدورات التي تركز على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيفية تطبيقهما في الحياة اليومية.

• التعاون مع المؤسسات الدينية والاجتماعية: المؤسسات الإسلامية الرسمية والأهلية لها دور كبير في نشر ثقافة الخير وتصحيح السلوكيات.

• الإعلام المرئي والمسموع: إعداد البرامج الدينية الهادفة التي تبرز القيم الإسلامية وتشجع على التزام الخير.

الآثار الإيجابية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى بناء مجتمع قوي متماسك متحاب، ويثمر عدداً من النتائج الإيجابية منها:

• الحد من الفساد والجريمة: بتقليل انتشار الظواهر السلبية مثل الرشوة، السرقة، والعنف.

• تقوية الروابط الاجتماعية: حيث تتعزز المحبة والاحترام بين أفراد المجتمع.

• حفظ الحقوق والكرامة: منع الظلم وردع من يتعدى على حقوق الآخرين.

• تعزيز القيم الإسلامية: يدفع الناس إلى الالتزام بالشريعة واتباع السنة.

• رفع مستوى الوعي الديني والأخلاقي: يزداد الناس علماً وفهماً لدينهم وأخلاقهم.

التحديات التي تواجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

بالرغم من أهميته، يواجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدة صعوبات في العصر الحديث، منها:

• التغيرات الثقافية والاجتماعية: تراجع الاهتمام بالقيم الدينية وازدياد تأثير العولمة والثقافات الغربية التي قد تتعارض مع الشرع.

• الخوف من ردود الأفعال العنيفة: قد يتعرض المنصح للتهديد أو الاعتداء، ما يثني البعض عن القيام بالواجب.

• ضعف الوعي الشرعي لدى البعض: مما يؤدي إلى الجهل بأحكام الشرع وكيفية التعامل مع المنكر.

• استخدام الإنترنت والفضاء المفتوح لنشر المنكرات: وانتشار الفساد الرقمي بشكل سريع.

• التداخل بين الحكمة والتساهل: حيث قد يُساء فهم التهاون مع المنكر أحياناً على أنه قبول به.

دور الأسرة في غرس قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأسرة هي النواة الأولى التي ينشأ فيها الفرد، لذا يجب أن تبدأ عملية التربية على هذه القيم منذ الصغر:

• التربية الدينية المبكرة: تعليم الأطفال مبادئ الإسلام وأهمية الطاعة لله ورسوله.

• التربية على احترام القيم والأخلاق: غرس قيم الصدق، الأمانة، الحياء، والعدل.

• القدوة الصالحة: أن يكون الأب والأم نموذجاً يُحتذى به في الالتزام بالمعروف وترك المنكر.

• تعليم كيفية التعبير عن الملاحظات والنصح بأسلوب صحيح: حتى ينمو الطفل واعياً لكيفية التعامل مع الآخرين.

• تشجيع الحوار المفتوح: بين أفراد الأسرة لتقوية الروابط ولتفادي انحراف السلوكيات.

جدول يوضح درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب القدرة

خلاصة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عمود من أعمدة الدين الإسلامي، يُعبّر عن التزام الفرد والمجتمع بالحق والخير، ويُعد الوسيلة الفعالة للحفاظ على القيم والفضائل ونبذ الفساد والشرور. بتطبيقه بحكمة ورشد، يساهم في بناء مجتمع متماسك يعيش في سلام وعدالة، ويعزز من روح التعاون والمسؤولية بين أفراده. كما أن تحديات العصر تفرض على المسلمين مواكبة التطورات واستثمار الوسائل الحديثة في نشر هذا الواجب العظيم، مع الحفاظ على مبادئ الشرع وسماحته. في النهاية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو رسالة أخلاقية واجتماعية تبقى نبراساً يضيء طريق الخير للأجيال القادمة.

المصادر والمراجع

• القرآن الكريم.

• صحيح مسلم (حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً…”).