الألم العصبي (Neuralgia): تعريفه وأسبابه وأنواعه وطرق العلاج

يُعتبر الألم العصبي أو الـ Neuralgia أحد أكثر أنواع الألم إيلامًا وتعقيدًا في المجال الطبي، إذ ينشأ هذا النوع من الألم بسبب اضطراب في الأعصاب الطرفية أو الأعصاب المركزية، ما يؤدي إلى شعور مستمر أو متقطع بألم حاد، حارق أو كهربائي في مناطق معينة من الجسم. رغم أن الألم العصبي ليس مرضًا بحد ذاته، إلا أنه عرض لأمراض أو اضطرابات عصبية متعددة تؤثر على وظيفة الأعصاب، مما يتطلب فهمًا دقيقًا لمصدره وطبيعته لتقديم العلاج المناسب.

تعريف الألم العصبي

الألم العصبي هو ألم ناجم عن تلف أو اضطراب في الجهاز العصبي، سواء كان في الأعصاب الطرفية أو الجهاز العصبي المركزي. وهو ألم غير عادي يحدث بسبب استثارة أو إصابة الأعصاب، أو بسبب اضطرابات تؤثر على وظيفة الأعصاب مثل التهابات، إصابات ميكانيكية، أو أمراض مزمنة. على عكس الألم الناتج عن إصابات الأنسجة مثل الجروح أو الالتهابات، فإن الألم العصبي غالبًا ما يكون حادًا، نابضًا، وشبيه بالصدمات الكهربائية، ويصاحبه شعور بالحرقان أو التنميل أو التخدير في المنطقة المصابة.

أسباب الألم العصبي

تتعدد أسباب الألم العصبي بشكل كبير، ويمكن تصنيفها بشكل عام إلى:

1. الإصابات الميكانيكية للعضو العصبي: مثل الضغط المباشر على العصب بسبب انزلاق غضروفي، أو كسر عظام، أو جراحة أدت إلى تلف في العصب.

2. الأمراض المزمنة: مثل السكري الذي يسبب اعتلال الأعصاب السكري، أو التصلب المتعدد، وأمراض المناعة الذاتية.

3. العدوى الفيروسية: مثل فيروس الهربس النطاقي (Herpes Zoster) الذي يسبب ألم العصب الثلاثي التوائم، وهو من أشهر أنواع الألم العصبي.

4. الأورام: التي تضغط على الأعصاب أو تغزوها.

5. الاضطرابات العصبية الذاتية: مثل متلازمة النفق الرسغي التي تسبب ضغطًا على العصب المتوسط في اليد.

6. التسمم أو التعرض لمواد كيميائية: مثل بعض الأدوية أو المواد السامة التي تؤثر على الأعصاب.

أنواع الألم العصبي

الألم العصبي يتفرع إلى أنواع متعددة تعتمد على موقع الإصابة وطبيعة الأعراض، ومن أبرز هذه الأنواع:

1. الألم العصبي الثلاثي التوائم (Trigeminal Neuralgia)

هذا النوع يصيب العصب الثلاثي التوائم في الوجه، وهو من أكثر أنواع الألم العصبي حدة وشيوعًا. يتصف بألم حاد ومفاجئ في أحد جانبي الوجه، قد يستمر لثوانٍ أو دقائق، ويزداد الألم مع تحريك الوجه أو تناول الطعام أو حتى لمس الوجه. السبب غالبًا يكون ضغط الأوعية الدموية على العصب أو تلف في العصب.

2. الألم العصبي بعد الهربس (Postherpetic Neuralgia)

ينتج بعد الإصابة بفيروس الهربس النطاقي، حيث يترك الفيروس الأعصاب ملتهبة ومتضررة، ويستمر الألم حتى بعد زوال الطفح الجلدي. يتميز هذا الألم بالحرقان الشديد والحساسية المفرطة في الجلد.

3. الألم العصبي السكري (Diabetic Neuropathy)

يحدث بسبب تلف الأعصاب الناتج عن ارتفاع مستوى السكر في الدم لفترات طويلة. غالبًا ما يصيب أطراف اليدين والقدمين، ويشعر به المريض كتنميل، وخدر، وحرقان.

4. الألم العصبي المحيطي (Peripheral Neuralgia)

يشمل هذا النوع الألم الناتج عن إصابة الأعصاب الطرفية بسبب إصابات أو أمراض متنوعة. يمتاز بألم موضعي، وقد يكون مصحوبًا بخدران أو ضعف عضلي.

5. الألم العصبي المركزي (Central Neuralgia)

ينتج عن إصابة أو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي (المخ أو الحبل الشوكي)، وقد يكون بسبب سكتة دماغية، أو إصابة في الحبل الشوكي، أو أمراض التصلب المتعدد.

الأعراض المصاحبة للألم العصبي

تتنوع أعراض الألم العصبي بناءً على السبب والمنطقة المصابة، ولكنها غالبًا ما تشمل:

• ألم حارق، نابض، أو يشبه الصدمة الكهربائية.

• ألم شديد يزداد مع الحركة أو اللمس.

• تنميل أو خدر في المنطقة المصابة.

• حساسية مفرطة في الجلد، حتى لمس بسيط يسبب ألمًا شديدًا.

• ضعف عضلي في بعض الحالات التي تتضمن تلف الأعصاب الحركية.

• تورم أو تغير لون الجلد في بعض الحالات المصحوبة بالالتهاب.

التشخيص

يبدأ التشخيص بجمع التاريخ الطبي للمريض، مع التركيز على طبيعة الألم ومدة ظهوره وموقعه. يفحص الطبيب المنطقة المصابة للتأكد من وجود علامات تلف عصبي أو التهابات. تعتمد بعض الفحوصات على:

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للكشف عن أسباب مثل الأورام أو الضغط على الأعصاب.

• تخطيط الأعصاب (Electromyography وNerve Conduction Studies) لتقييم وظيفة الأعصاب.

• تحاليل الدم لاستبعاد الأمراض المزمنة كداء السكري أو اضطرابات المناعة.

طرق العلاج

يختلف علاج الألم العصبي حسب السبب ونوعه، لكن هناك استراتيجيات علاجية عامة تستخدم لتخفيف الألم وتحسين جودة الحياة:

1. العلاج الدوائي

• مضادات الصرع: مثل الكاربامازيبين (Carbamazepine) أو الجابابينتين (Gabapentin) تستخدم لتثبيط نشاط الأعصاب المفرط.

• مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: مثل الأميتريبتيلين (Amitriptyline) تساعد في تعديل إشارات الألم العصبي.

• المسكنات: قد تستخدم المسكنات التقليدية مثل الباراسيتامول أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، لكنها غالبًا غير فعالة وحدها.

• المخدرات الموضعية: مثل كريمات الليدوكايين أو رقع النيكوتين لتخفيف الألم الموضعي.

• المورفين والمشتقات الأفيونية: تستخدم في الحالات الشديدة بعد استشارة دقيقة للطبيب بسبب مخاطر الإدمان.

2. العلاجات الفيزيائية

تشمل العلاج الطبيعي لتحسين الحركة وتقوية العضلات المحيطة، وتقنيات مثل التحفيز الكهربائي للعصب عبر الجلد (TENS) لتخفيف الألم.

3. العلاجات الجراحية

• التحرير الجراحي للعصب: مثل إزالة الضغط على العصب الناتج عن الأوعية الدموية.

• العلاج بالترددات الراديوية: لتدمير أجزاء من العصب المسببة للألم.

• التحفيز العصبي العميق: زرع أجهزة كهربائية لتحفيز الأعصاب وتقليل الإحساس بالألم.

• التدخلات الجراحية الأخرى: مثل استئصال الأعصاب أو القطع الجراحي في الحالات المستعصية.

4. العلاجات المكملة

تشمل تقنيات الاسترخاء، الوخز بالإبر، العلاج بالليزر، والعلاج النفسي لتخفيف التوتر المصاحب للألم العصبي.

التأثيرات النفسية والاجتماعية للألم العصبي

يؤثر الألم العصبي بشكل كبير على حياة المرضى النفسية والاجتماعية. الألم المستمر أو المتقطع الشديد قد يسبب اضطرابات النوم، الاكتئاب، القلق، ضعف الأداء الوظيفي، وانعزال اجتماعي. لذلك يعتبر الدعم النفسي جزءًا أساسيًا في خطة العلاج.

الوقاية

ليس دائمًا ممكنًا منع الألم العصبي، لكنه يمكن تقليل المخاطر باتباع إجراءات مثل:

• السيطرة الجيدة على الأمراض المزمنة كالسكري.

• تجنب الإصابات العصبية قدر الإمكان.

• علاج الالتهابات الفيروسية بسرعة لمنع تفاقمها.

• الانتباه للتغذية الصحية وممارسة الرياضة بانتظام للحفاظ على صحة الأعصاب.

جدول توضيحي لأنواع الألم العصبي وأسبابها وأعراضها

خاتمة

الألم العصبي ظاهرة معقدة تتطلب فهمًا دقيقًا لطبيعة الأعصاب ومسببات الألم فيها، حيث تختلف طرق علاجه تبعًا لنوعه وأسبابه. التقدم الطبي في مجال التشخيص والعلاج قد حسّن من حياة كثير من المرضى، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في التشخيص المبكر وتوفير العلاج المناسب لمنع تطور الألم المزمن وتأثيره السلبي على جودة الحياة. لهذا السبب، تبقى الدراسات المستمرة والبحوث العميقة في مجال الألم العصبي من أهم المجالات التي تسعى لتحسين استراتيجيات العلاج وتخفيف معاناة المرضى.

المصادر والمراجع

• Dorland’s Illustrated Medical Dictionary, 32nd Edition, 2012.

• International Association for the Study of Pain (IASP), Taxonomy of Pain, 2017.