أكبر الأديان في دولة الأردن، التركيبة الدينية، الإسلام، المسيحية، التعايش الديني، التنوع المذهبي، الأديان في الشرق الأوسط، الدين والدولة في الأردن، التاريخ الديني للأردن

أكبر الأديان في دولة الأردن: تحليل شامل للتركيبة الدينية والتاريخية

تُعد المملكة الأردنية الهاشمية إحدى الدول التي تتميز بتركيبة دينية متجانسة نسبياً مقارنة بالعديد من دول الشرق الأوسط، حيث يشكّل الإسلام الدين الرسمي والأكثر انتشاراً في البلاد. ومع ذلك، فإن الأردن يحتضن تعددية دينية محدودة ولكنها تاريخية وفاعلة، تتجلى في وجود طوائف مسيحية متنوعة وبعض الأقليات الدينية الأخرى. يعكس هذا الواقع الديني مساراً تاريخياً وثقافياً عميق الجذور، ترسّخ مع مرور الزمن منذ العصور القديمة حتى العصر الحديث.

يشكّل الدين في الأردن عنصراً أساسياً في تشكيل الهوية الوطنية والاجتماعية، كما يُمارَس بحرية ضمن الإطار الدستوري الذي يضمن حرية العبادة، مع التأكيد على مركزية الإسلام في الحياة السياسية والثقافية للدولة. تتداخل الجوانب الدينية بالمؤسسات الرسمية والتعليمية والاجتماعية، مما يجعل دراسة الأديان في الأردن مسألة محورية لفهم المجتمع الأردني المعاصر.

الإسلام: الدين الرسمي والأوسع انتشاراً

يشكّل الإسلام الدين الرسمي للدولة الأردنية، وفقاً للدستور الذي ينص في مادته الثانية على أن “الإسلام هو دين الدولة”. يُقدّر عدد المسلمين في الأردن بنسبة تزيد عن 92% من السكان، ويتبع غالبيتهم المذهب السني. يتمركز المسلمون السنة في جميع أنحاء البلاد، وتُعد العاصمة عمّان وإربد والزرقاء من بين المناطق الأكثر كثافة سكانية من حيث الوجود الإسلامي.

المدارس المذهبية في الإسلام الأردني

رغم أن الغالبية الساحقة من المسلمين في الأردن ينتمون إلى المذهب السني، فإن المذهب المالكي والشافعي يُدرّسان في المعاهد الدينية إلى جانب المذهب الحنفي، الذي يمثّل المدرسة الفقهية الرسمية في القضاء الشرعي الأردني. وتُشرف وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية على المساجد والخطباء والشؤون الدينية، كما تُعنى بتوجيه الحياة الدينية بما يتماشى مع التفسير الوسطي للإسلام.

فيما يتعلق بالوجود الشيعي، فإنه محدود للغاية ويُعتبر أقلية صغيرة جداً لا يتجاوز عدد أفرادها بضع مئات، وغالباً ما يكون وجودهم لأغراض العمل أو الدراسة، دون أن يشكلوا طائفة قائمة بذاتها ضمن المجتمع الأردني العام.

المسيحية: ثاني أكبر ديانة في الأردن

تُعد المسيحية ثاني أكبر الديانات في الأردن من حيث عدد الأتباع، وتشير التقديرات إلى أن نسبة المسيحيين في البلاد تتراوح بين 6% و8% من إجمالي السكان، إلا أن هذه النسبة قد تكون أقل من ذلك بحسب الإحصاءات الرسمية التي تركز على المواطنين فقط دون اللاجئين أو الزوار الأجانب. رغم قلة عددهم، فإن للمسيحيين في الأردن تأثيراً ملحوظاً في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية.

الطوائف المسيحية في الأردن

ينقسم المسيحيون في الأردن إلى عدة طوائف، أبرزها:

• الروم الأرثوذكس: وهم يشكلون النسبة الأكبر من المسيحيين الأردنيين، ويتبعون بطريركية القدس للروم الأرثوذكس.

• الكاثوليك (الروم الكاثوليك واللاتين): يمثلون طائفة كبيرة ومنظمة، ويتبعون الكنيسة الكاثوليكية البابوية في روما.

• البروتستانت: يتوزعون بين الإنجيليين واللوثريين وبعض الطوائف الأخرى.

• السريان والأرمن: يشكلون أقليات دينية صغيرة ولكنها تاريخية، خصوصاً في عمان والمناطق الشمالية.

يمتلك المسيحيون في الأردن حرية ممارسة شعائرهم، وتدير كل طائفة شؤونها الخاصة في إطار القانون. كما يوجد تمثيل رسمي للمسيحيين في البرلمان الأردني، حيث يُخصص لهم عدد من المقاعد ضمن نظام “الكوتا”، مما يعكس اعتراف الدولة بتنوعها الديني.

العلاقة بين الدين والدولة

تُعتبر العلاقة بين الدين والدولة في الأردن علاقة متوازنة نسبياً، حيث يجمع النظام السياسي بين الطابع المدني والمرجعية الإسلامية. فالملك، وفقاً للدستور، هو “حامي الدين” و”سليل آل البيت”، وهذا يعطي للمؤسسة الملكية بُعداً دينياً يُضفي شرعية إضافية على سلطتها.

تُشرف وزارة الأوقاف على المساجد وتعيين الأئمة وإعداد الخطب الموحدة، كما تُعنى بتنظيم الحج والعمرة والتعليم الديني الرسمي في المدارس. من جهة أخرى، فإن الكنائس معترف بها رسمياً وتتمتع بالاستقلال الإداري والتنظيمي، ولها محاكم كنسية خاصة تتعامل مع الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية.

النظام التعليمي الديني

يشمل النظام التعليمي الأردني مقررات دراسية تتعلق بالتربية الإسلامية في جميع مراحل التعليم العام، بينما يُعفى الطلبة المسيحيون من هذه الدروس ويُسمح لهم بتلقي تعليم ديني خاص ضمن مؤسساتهم التعليمية. كذلك، فإن الجامعات الأردنية تُدرّس مواداً في الثقافة الإسلامية كجزء من متطلبات التخرج لجميع الطلاب.

الأقليات الدينية الأخرى

لا توجد في الأردن أقليات دينية كبيرة من غير المسلمين والمسيحيين، ولكن يمكن الحديث عن وجود محدود جداً لبعض الطوائف الدينية مثل:

• البهائيون: لا يُعترف بهم رسمياً كطائفة دينية، إلا أنهم يمارسون معتقداتهم بصورة فردية وغير علنية، ولا يشكّلون كتلة سكانية يُعتدّ بها.

• الدروز: عددهم ضئيل للغاية، وغالباً ما يُقيمون في مناطق قريبة من الحدود السورية أو كأفراد منتشرين في العاصمة.

• اليهود: لا يوجد تواجد سكاني يهودي معروف داخل الأردن، باستثناء الزوار أو العاملين ضمن السلك الدبلوماسي أو المنظمات الدولية.

التعايش الديني في الأردن

يُعد التعايش بين المسلمين والمسيحيين في الأردن نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، نظراً للتاريخ الطويل من العيش المشترك والعلاقات المستقرة. حيث يُشارك المسيحيون في الحياة العامة، ويشغلون مناصب حكومية ونيابية، كما أن مناسباتهم الدينية تُحترم وتُعطى لها الأهمية في الإعلام والخطاب الرسمي.

ساهمت القيادة الهاشمية، منذ تأسيس الدولة، في ترسيخ هذا التعايش عبر سياسات احتوائية ضامنة للحقوق ومشجّعة على الحوار بين الأديان، وأبرز تجليات ذلك مبادرة “كلمة سواء” التي أطلقها الملك عبد الله الثاني، والتي دعت إلى التفاهم بين المسلمين والمسيحيين على قاعدة القيم الإنسانية المشتركة.

جدول يوضح نسبة انتشار الأديان في الأردن (تقديرات عامة)

الجوانب الدستورية والقانونية المرتبطة بالدين

الدستور الأردني يضمن حرية العبادة ضمن ضوابط النظام العام، ويُعترف بالطوائف الدينية ضمن القانون، مع وجود محاكم شرعية للمسلمين ومحاكم كنسية للمسيحيين تختص بالأحوال الشخصية. أما بقية الطوائف، فلا تمتلك اعترافاً قانونياً رسمياً إلا بحدود فردية أو عبر جمعيات ثقافية.

تُصنف قوانين الأحوال الشخصية في الأردن على أساس ديني، حيث يُطبَّق القانون الشرعي الإسلامي على المسلمين، في حين يُطبَّق القانون الكنسي للطائفة المعنية على المسيحيين، في قضايا مثل الزواج، الطلاق، والميراث.

تأثير الدين على الحياة العامة والسياسية

يمتد تأثير الدين في الأردن إلى مجالات متعددة، بدءاً من التعليم، مروراً بالإعلام، وصولاً إلى التشريعات. يتجلّى هذا التأثير بوضوح في القوانين المتعلقة بالأخلاق العامة، مثل قوانين اللباس، تنظيم المناسبات العامة خلال شهر رمضان، وقوانين الجرائم المتعلقة بالشرف.

رغم الطابع الديني العام، فإن الأردن يحافظ على شكل من أشكال العلمانية الجزئية التي تفصل بين السلطات الدينية والسياسية، دون نزع الطابع الإسلامي عن هوية الدولة.

الدور الإقليمي والدولي للأردن في الحوار الديني

لعب الأردن دوراً ريادياً في تعزيز الحوار بين الأديان على المستوى العالمي، من خلال مبادرات مثل “رسالة عمان” و”كلمة سواء”، وقد استُقبلت هذه المبادرات بترحيب واسع من مؤسسات دينية عالمية. كما أن استضافة الأردن للعديد من المؤتمرات المتعلقة بالتعايش الديني يدل على التزامه بمبدأ احترام الآخر والانفتاح على الثقافات المتعددة.

الخلاصة

يعكس المشهد الديني في الأردن تركيبة متجانسة يغلب عليها الإسلام السني، مع وجود أقلية مسيحية فاعلة تاريخياً وثقافياً، بالإضافة إلى وجود هامشي لبعض الأقليات الدينية الأخرى. شكّل الدين محوراً أساسياً في بناء الهوية الأردنية الحديثة، وهو مستمر في أداء دور مركزي في صياغة التقاليد الاجتماعية والقوانين والتوجهات العامة