“الأخطبوط والأورانغوتان: قصص حقيقية عن دهاء الحيوانات وذكائها وحنكتها” هو كتاب مثير للاهتمام كتبه يوجين ليندن، ويعد بمثابة نافذة جديدة على عالم الحيوان، يسلط فيها الكاتب الضوء على جوانب من الذكاء والقدرات العقلية المذهلة التي تظهرها الحيوانات. هذا الكتاب يأتي استكمالاً لكتابه السابق “حسرة الببغاء” الذي استعرض فيه قصصاً استثنائية حول وعي الحيوانات وذكائها، غير أن “الأخطبوط والأورانغوتان” يأخذ هذا المفهوم إلى مستوى جديد من العمق والتفاصيل.
في هذا الكتاب، يتنقل ليندن بين مجموعة متنوعة من القصص الحقيقية التي تسلط الضوء على سلوكيات غير مألوفة للحيوانات. فبدلاً من التركيز فقط على الحيوانات المنزلية أو تلك التي نلتقيها في حدائق الحيوان، يوسّع الكتاب نطاقه ليشمل مشاهد من الطبيعة البرية، حيث يبرز الذكاء الفطري والمفاجئ في أماكن غير متوقعة، مثل حديقة الأخطبوط وعش الغربان. في هذه الأماكن، يمكننا أن نرى الحيوانات وهي تمارس الحيل، والمكر، وأعمال السرقة، وأيضاً اللطف والمودة في مواقف تبدو غير متوقعة تمامًا.
يتمتع القراء في هذا الكتاب بمشاهدة الحيوانات وهي تظهر قدرات تفاوضية مذهلة. الحيوانات ليست مجرد كائنات بسيطة تتبع غرائزها بشكل أعمى، بل هي أيضًا متفاوضون بارعون وذكيون يتعاملون بمهارة مع بعضهم البعض وكذلك مع مربيها من البشر. على سبيل المثال، الأخطبوط يظهر قدرات مدهشة في التكيف والمراوغة، بينما يبدي الأورانغوتان براعة فائقة في حل المشاكل واتخاذ القرارات. هذه الحكايات تقدم دليلاً إضافياً على أن هذه الكائنات ليست بعيدة عن الوعي العاطفي والذهني الذي نتصوره عادةً خاصًا بالبشر.
يتعمق ليندن في تحليل كيف أن العديد من الحيوانات قادرة على إدراك مشاعر واحتياجات الآخرين، سواء كانوا من جنسهم أو من البشر. فهو يطرح التساؤل: هل تمتلك الحيوانات وعياً أعمق مما نظن؟ في العديد من الحكايات التي يسردها، يرى القارئ أمثلة عن هذا الوعي. فالأورانغوتان، على سبيل المثال، ليس مجرد حيوان يقوم بتقليد الحركات البشرية أو التعلم من خلال التجربة والخطأ، بل إنه يُظهر تصرفات تنم عن تعاطف وفهم. كما أن هناك حالات يظهر فيها الذكاء الحاد، كما في قصص الكلاب والطيور التي تظهر تفكيراً استراتيجياً ووعياً بيئياً غير عادي.
الكتاب لا يتوقف فقط عند الحيوانات البرية، بل يتناول أيضاً السلوكيات المذهلة التي تظهرها الحيوانات المنزلية مثل القطط والكلاب. هذه الحيوانات، التي نعتقد أننا نعرفها جيدًا، قادرة على إظهار جوانب من الذكاء والحنكة التي قد تكون غريبة أو غير متوقعة بالنسبة لأصحابها. عبر القصص التي يرويها ليندن، نرى كيف تتلاعب الحيوانات بالبشر لتحقيق أهدافها الخاصة، سواء كانت تلك الأهداف الحصول على طعام إضافي أو ببساطة جذب الانتباه والاهتمام.
من الأمور اللافتة في أسلوب ليندن هو قدرته على نقل الحكايات بأسلوب يجمع بين التسلية والتأمل. فعلى الرغم من أن القصص قد تبدو في ظاهرها مسلية وبسيطة، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل أعمق حول العلاقة بين البشر والحيوانات، وحول حدود الذكاء والوعي في العالم الحيواني. كما أن الكتاب يثير تساؤلات فلسفية حول طبيعة الذكاء: هل الذكاء محصور في نوع معين من السلوكيات أم أنه يتخذ أشكالًا متعددة ومتنوعة، تختلف باختلاف الظروف والبيئات؟
يأخذنا الكتاب أيضاً في رحلة عبر البيئات الطبيعية التي تعيش فيها هذه الكائنات، ويستعرض سلوكياتها في مواجهة تحديات البقاء والتفاعل مع البيئة المحيطة. في هذه السياقات، تظهر الحيوانات قدرتها على التكيف والابتكار في استخدام الموارد المحدودة، مما يعكس مستوى عالياً من الذكاء البيئي والتفكير الاستراتيجي.
“الأخطبوط والأورانغوتان” هو أكثر من مجرد مجموعة قصصية عن الحيوانات. إنه رحلة فكرية وعاطفية تأخذنا إلى عمق العقل الحيواني، حيث نكتشف أن العديد من الحيوانات ليست فقط كائنات حساسة تشعر وتتعاطف، بل هي أيضاً مفكرة وبارعة في حل المشكلات والتكيف مع الظروف المحيطة بها. إنها دعوة للتأمل في عالم الحيوانات بعين جديدة، لنرى كيف أن هذه الكائنات قد تكون أقرب إلينا مما نظن، وكيف أن الذكاء لا ينحصر في البشر وحدهم، بل هو سمة مشتركة بيننا وبين العديد من الأنواع الأخرى.
باختصار، يقدم يوجين ليندن في هذا الكتاب لمحة جديدة ومثيرة حول ذكاء الحيوانات، ويظهر كيف أن مخلوقات مثل الأخطبوط والأورانغوتان قادرة على إثارة الدهشة والإعجاب بتصرفاتها وسلوكياتها المعقدة. إنه كتاب يجب أن يقرأه كل من يهتم بعالم الحيوان والذكاء الطبيعي، حيث يقدم لنا ليندن دليلاً آخر على أن هذا العالم مليء بالأسرار التي لم نكتشفها بعد.