اكتشاف نيوتن للجاذبية: كيف بدأ العلم في تفسير الظواهر الطبيعية
كان اكتشاف الجاذبية أحد أعظم الإنجازات في تاريخ العلوم الطبيعية، ويعود الفضل في تفسير هذه الظاهرة الفيزيائية الهامة إلى العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن. ليس فقط لأنه وضع الأسس التي مهدت لتطوير علم الفيزياء، بل لأنه أحدث تحولاً جذرياً في فهم الإنسان للقوانين التي تحكم حركة الأجسام في الكون. لكن السؤال الذي يظل يُطرح حتى اليوم هو: كيف اكتشف نيوتن هذه القوة الغامضة التي تُعرف بالجاذبية؟
الجاذبية: القوة التي تربط بين الأجسام
الجاذبية هي القوة التي تجذب الأجسام نحو بعضها البعض. فعندما نلتقط شيئاً من الأرض، أو عندما يتساقط التفاح من شجرة، فإن هذه الحوادث ليست مجرد تصرفات عشوائية؛ بل هي نتيجة لقوة جاذبية الأرض التي تسحب الأشياء نحو مركزها. على الرغم من أن البشر لاحظوا تأثيرات الجاذبية عبر العصور، إلا أن فهم آلية عملها على هذا النحو المتكامل لم يكن موجوداً قبل نيوتن.
بداية القصة: التفاحة والنظرة الفلسفية
تعود قصة اكتشاف الجاذبية إلى لحظة شهيرة في عام 1665 أو 1666، حين كان نيوتن في منزله في مدينة وولثروب في إنجلترا. بينما كان جالسًا في حديقة منزله، لاحظ سقوط تفاحة من شجرة. وفي تلك اللحظة، تساءل نيوتن: “لماذا سقطت التفاحة عموديًا إلى الأرض؟” كان هذا السؤال بسيطاً لكنه فتح أبواباً لفهم أعمق. لماذا لا تتساقط الأشياء في اتجاهات عشوائية؟ ولماذا تكون الجاذبية أقوى عند السطح وتنخفض كلما ابتعدنا عن الأرض؟ هذه التساؤلات كانت تمهيدًا لتطوير نظرية الجاذبية.
نيوتن والنظريات القديمة
قبل نيوتن، كانت هناك بعض النظريات حول الحركة والجاذبية. كانت النظريات الأكثر شهرة هي التي قدمها الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي كان يعتقد أن الأجسام الثقيلة تسقط أسرع من الأجسام الخفيفة. كما كان الفيلسوف أرسطو يؤمن أن حركة الأجسام في السماء تتبع قوانين مختلفة عن تلك التي على الأرض.
على الرغم من أن هذه الفرضيات كانت شائعة، إلا أن نيوتن كان يعتقد أن الكون بأسره يخضع لنفس القوانين. أي أن حركة الأجسام السماوية على بعد مئات الآلاف من الأميال يجب أن تتبع نفس القوانين التي تحكم سقوط التفاحة على الأرض. هذا الفهم هو الذي دفعه إلى صياغة نظرية جديدة.
تطوير النظرية: قوانين الحركة الثلاثة
أحد الأسباب التي جعلت اكتشاف نيوتن للجاذبية ثورياً هو أن نظرته لم تكن تقتصر على الظواهر الأرضية فقط، بل شملت الكون بأسره. لقد قام بتطوير ثلاثة قوانين رئيسية تحكم حركة الأجسام، والتي تُعرف الآن بقوانين نيوتن للحركة. هذه القوانين كانت الأساس الذي يبني عليه فهمنا للجاذبية.
-
القانون الأول (قانون الاستمرارية): “كل جسم يظل في حالة سكون أو حركة منتظمة ما لم تؤثر عليه قوة خارجية.” هذا يعني أن الأجسام لا تبدأ في التحرك أو التوقف إلا إذا كانت هناك قوة خارجية، مثل الجاذبية.
-
القانون الثاني (قانون التسارع): “التسارع الناتج عن القوة المؤثرة على جسم يتناسب طردياً مع قوة التأثير وعكسياً مع كتلته.” هذا كان أساسيًا لفهم كيفية تأثير الجاذبية على حركة الأجسام.
-
القانون الثالث (قانون العمل المتبادل): “لكل فعل هناك رد فعل متساوي ومعاكس.” هذا كان له دور كبير في فهم القوى المتبادلة بين الأجسام.
من خلال هذه القوانين، أصبح من الممكن فهم كيفية تأثير الجاذبية على الأجسام، سواء كانت على سطح الأرض أو في السماء.
اكتشاف الجاذبية: من التفاحة إلى الحركة الكونية
على الرغم من أن تساؤل نيوتن حول سقوط التفاحة كان نقطة انطلاق، فإن عمله لم يتوقف هنا. لقد ربط بين الظواهر الأرضية والأجرام السماوية. كان تساؤله الأهم: “لماذا لا تسقط الأجرام السماوية، مثل القمر، إلى الأرض؟” الجواب كان في أن الأجرام السماوية تتأثر بالجاذبية، لكنها تتحرك بسرعة كبيرة أفقدتها القدرة على السقوط.
في عام 1687، نشر نيوتن عمله الأكثر شهرة، “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية” (Philosophiæ Naturalis Principia Mathematica)، الذي أشار فيه إلى أن الأجرام السماوية تتحرك بسبب تأثير الجاذبية، وأن هذه القوة تتناقص مع زيادة المسافة بين الأجسام. هذه هي الفكرة التي أطلق عليها قانون الجذب العام.
قانون الجذب العام
يقول قانون الجذب العام لنيوتن: “تتجاذب جميع الأجسام في الكون بقوة تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتل الأجسام وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما.” هذا القانون فتح المجال لفهم العديد من الظواهر الطبيعية. من خلاله، استطاع نيوتن تفسير حركة الكواكب حول الشمس، ونجح في حساب مسارات الأجرام السماوية بدقة مذهلة.
تأثيرات اكتشاف الجاذبية
كان لاكتشاف نيوتن للجاذبية تأثير عميق على العلم. أولًا، أتاح للعلماء فهماً أعمق لكيفية حدوث الحركات السماوية وحركة الأجسام على الأرض. كما جعل من الممكن حساب الحركات الفلكية بدقة أكبر، وهو ما تم تطبيقه لاحقًا في دراسة المدارات الكوكبية.
من الناحية الفلسفية، كان اكتشاف الجاذبية تحولاً كبيرًا. فقد أثبت نيوتن أنه يمكن استخدام الرياضيات لوصف الظواهر الطبيعية، وأصبح بذلك أساسًا لفهم الكون بلغة علمية. كما أظهر أن الكون يعمل وفقًا لقوانين ثابتة يمكن اكتشافها وشرحها، وهو ما اعتُبر نقطة فاصلة في تاريخ العلم.
الجاذبية: من نيوتن إلى آينشتاين
في حين أن نيوتن قدم لنا الأساس لفهم الجاذبية، فإن نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين في بداية القرن العشرين قد قدمت فهمًا أكثر دقة وتفصيلاً للجاذبية، حيث وصفتها باعتبارها تأثيرًا يشوه الزمكان حول الأجسام الضخمة. ومع ذلك، تظل قوانين نيوتن أساسًا لفهم الحركة الكونية والجاذبية في أغلب الحالات اليومية.
الخاتمة
يُعد اكتشاف نيوتن للجاذبية واحدًا من أعظم الإنجازات العلمية في تاريخ البشرية. من خلال ربط القوى الطبيعية في الكون بقوانين رياضية ثابتة، استطاع أن يفتح أمام البشرية أبوابًا جديدة لفهم كيفية سير الحياة والكون من حولنا. ولا يزال تأثيره حاضراً في كل جوانب العلم الحديثة، إذ يظل قانون الجذب العام حجر الزاوية الذي يبني عليه علماء الفلك والفيزياء فهمهم للكون.
