للوصول إلى السعادة افعل ما تحب وليس ما يثير إعجابك
تعد السعادة من أسمى الأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها طوال حياته. يبحث عنها في مجالات متعددة، من العلاقات الشخصية إلى النجاح المهني، مرورًا بالاستقرار المالي. إلا أن هناك فكرة مغلوطة قد تتسلل إلى عقول العديد من الأشخاص، وهي أن السعادة تكمن في تصرفات تهدف إلى إرضاء الآخرين أو جذب إعجابهم، في حين أن الحقيقة تختلف تمامًا. السعادة الحقيقية تكمن في أن يفعل الشخص ما يحب، وليس ما يثير إعجاب الآخرين. في هذا المقال، سنتناول أهمية تبني هذا المبدأ وكيف يمكن أن يؤدي إلى حياة أكثر اتزانًا وراحة نفسية.
الفهم الصحيح للسعادة
قبل الخوض في موضوع السعادة المبنية على القيام بما تحب، من المهم أن نفهم أن السعادة ليست مجرد حالة مؤقتة من الفرح أو التسلية، بل هي شعور عميق وداخلي ينبع من رضا الشخص عن نفسه وحياته. السعادة الحقيقية تتعلق بإيجاد المعنى والهدف في الحياة، والشعور بالسلام الداخلي، وعدم الانشغال بالآراء الخارجية.
كثيرًا ما يظن البعض أن السعادة تتوقف على المظاهر الخارجية، مثل الحصول على إعجاب الآخرين، أو تحقيق النجاحات التي يتوقعها المجتمع أو المحيطون. في الواقع، هذه الأمور قد تكون مشبعة لفترة قصيرة، لكنها لا تضمن السعادة المستدامة. فالإنسان الذي يركض وراء الإعجاب أو الموافقة الخارجية قد يكتشف في النهاية أنه فقد نفسه في هذا الطريق.
الفجوة بين الإعجاب والحب
القيام بما يحبه الإنسان لا يعني فقط تحقيق رغباته اللحظية، بل هو في الواقع مسار يساهم في تحسين الصحة النفسية والجسدية. عندما يفعل الإنسان شيئًا يحبه، فإن ذلك يمنحه شعورًا عميقًا بالإنجاز والرضا الداخلي، ويعزز ثقته بنفسه. عكس ذلك تمامًا، إن كان الشخص يسعى لتحقيق ما يثير إعجاب الآخرين، فقد يكون ذلك على حساب طاقته وحيويته النفسية. في النهاية، هذا السعي المستمر لتحقيق الإعجاب يؤدي إلى حياة مليئة بالتوتر والضغط النفسي.
عند التركيز على فعل ما يحب الإنسان، فإن الأهداف تصبح أكثر وضوحًا، وتصبح الحياة مليئة بالأنشطة التي تمنح الفرد شعورًا بالمتعة الحقيقية. وليس من الضروري أن تكون هذه الأنشطة مشهورة أو معروفة للجميع، بل يجب أن تتماشى مع اهتمامات الشخص وميوله.
حب الذات وتقبلها
من الضروري أن يفهم الإنسان أن السعادة تبدأ من حب الذات وتقبلها. عندما يركز الشخص على فعل ما يحبه، فإنه يعمل على تحسين علاقته مع نفسه، وهذا التقدير الداخلي هو أساس بناء حياة سعيدة. التقدير الذاتي والتصالح مع الذات يجعلان الشخص أقل تأثرًا بآراء الآخرين أو بمعايير المجتمع. كلما أصبح الإنسان أكثر توازنًا مع نفسه، كلما زادت قدرته على الاستمتاع بالحياة والتمتع بما يحب.
تفاعل الإعجاب مع السعادة
الإعجاب، بحد ذاته، ليس أمرًا سلبيًا. لكن عندما يصبح محور الحياة وطريقة المعيشة، فإن ذلك يخلق حاجزًا يمنع الفرد من التفاعل الحقيقي مع مشاعره واهتماماته. إذا كنت تفعل شيئًا فقط لأن الآخرين يحبونه أو يعتبرونه نجاحًا، فإنك تفقد جزءًا من هويتك الشخصية. هذه الازدواجية في الأهداف يمكن أن تؤدي إلى حياة مليئة بالشكوك والتساؤلات، حيث يصبح الشخص غير قادر على التمييز بين ما يرضيه حقًا وبين ما يفرضه عليه المجتمع.
من جهة أخرى، عندما يحدد الفرد أهدافه بناءً على ما يحب فعلاً، فإنه يخلق نوعًا من الانسجام الداخلي. هذه الانسجام يؤدي إلى شعور عميق بالسعادة، لأنها نابعة من دوافعه الشخصية وأهدافه الحقيقية.
أهمية الشغف في الحياة
الشغف هو أحد أهم العوامل التي تساهم في الشعور بالسعادة. إذا كان الإنسان يعمل في مجال يحبه أو يخصص وقتًا لأنشطة يجيدها ويشعر بها، فإنه يستطيع أن يتفوق في هذا المجال ويحقق النجاح الداخلي. الشغف لا يعني فقط التمتع بما تقوم به، بل أيضًا الاستمتاع بالعملية نفسها وليس بالنتيجة فقط.
على سبيل المثال، عندما يحب الشخص الكتابة أو الرسم أو أي نشاط إبداعي آخر، فإنه لا ينتظر فقط أن يراه الآخرون أو يعجبوا بما ينتجه. بل يتنقل في عالمه الداخلي، مستمتعًا بتفاصيل الإبداع والمشاركة الشخصية. هذه التجربة تعزز من شعوره بالإنجاز الشخصي، وتفتح أمامه آفاقًا جديدة من الإبداع والتجدد.
السعادة ليست دائمًا في النجاح الظاهر
يخطئ الكثيرون عندما يربطون السعادة دائمًا بالنجاح الذي يظهر للآخرين. النجاح الذي يتم قياسه بالمقاييس الخارجية مثل المال، والمكانة الاجتماعية، والشهرة، ليس هو النجاح الحقيقي. قد يؤدي هذا النوع من النجاح إلى شعور مؤقت بالرضا، لكن هذا الرضا يتبدد مع مرور الوقت، لأنه يعتمد على معايير غير ثابتة.
أما النجاح الذي ينبع من القيام بما تحب، فهو نجاح يعكس شخصيتك وقيمك الحقيقية. إنه النجاح الذي يجعلك تشعر بالسلام الداخلي، ويمنحك شعورًا بالإنجاز رغم أنه قد لا يكون دائمًا مرئيًا للجميع.
كيف نطبق هذا المبدأ في حياتنا؟
للأسف، ليس من السهل دائمًا اتباع هذا المبدأ، خصوصًا في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها. ولكن يمكننا اتباع بعض الخطوات البسيطة لتحقيق التوازن بين ما نحبه وما يعجب الآخرين:
-
حدد اهتماماتك الشخصية: ابدأ بالتركيز على ما تحب حقًا، سواء كان ذلك في حياتك المهنية أو في هواياتك الخاصة. اسأل نفسك، ما الذي يعطيني السعادة الداخلية؟ وما الذي أشعر بالحماس تجاهه؟
-
ضع أهدافًا شخصية: بدلًا من السعي وراء المعايير التي يفرضها الآخرون، ضع أهدافًا تتماشى مع قيمك الخاصة. اسعى لتحقيق تقدم في حياتك بناءً على ما تحب، لا بناءً على ما يراه الآخرون ناجحًا.
-
كن صادقًا مع نفسك: تعلم أن تكون صادقًا مع نفسك في ما يتعلق باختياراتك وقراراتك. لا تتبع المسارات التي لا تشعرك بالراحة لمجرد أنها ستحقق إعجاب الآخرين.
-
اقبل التغيير: قد تتغير اهتماماتك مع مرور الوقت، وهذا طبيعي. لا تخف من التغيير طالما أنه يعكس نموك الشخصي وتطورك.
-
الاستمتاع باللحظة الحالية: لا تنشغل بالنتائج فقط، بل استمتع بكل لحظة تقضيها في فعل ما تحب. الشغف والحب الذي تضعه في أي نشاط، مهما كان بسيطًا، هو الذي سيجلب لك السعادة.
الختام
في النهاية، السعادة ليست في التصرفات التي تهدف إلى جذب إعجاب الآخرين أو تحقيق الموافقة الاجتماعية. السعادة الحقيقية تكمن في فعل ما تحب، في العمل على ما يثير شغفك، وتقديم نفسك كما أنت. عندما تركز على فعل ما تحب، تبدأ في بناء حياة مليئة بالسلام الداخلي والرضا الشخصي.
