اضطراب هوس السرقة: الأسباب والعلاج

تعريف اضطراب هوس السرقة

يُعتبر اضطراب هوس السرقة، أو ما يُعرف بـ”السرقة القهرية” (Kleptomania)، أحد الاضطرابات النفسية النادرة والمعقدة التي تندرج تحت مجموعة الاضطرابات السلوكية. يتميز هذا الاضطراب بسلوك فردي قهري يتمثل في السرقة المستمرة وغير المبررة للأشياء، التي قد تكون عادةً عديمة القيمة أو لا تحتاج إليها، دون أن يكون هناك دافع مادي واضح مثل الحاجة المالية أو الرغبة في تكديس الممتلكات. وفي هذا المقال، سنستعرض تعريف هذا الاضطراب، أعراضه، أسبابه، تأثيراته النفسية والاجتماعية، إضافة إلى طرق علاجه وأساليب الوقاية منه.

تعريف اضطراب هوس السرقة

يعرف اضطراب هوس السرقة بأنه اضطراب نفسي يتسم بالحاجة القهرية المستمرة لسرقة أشياء لا يحتاج إليها الشخص، وقد لا تكون هذه الأشياء ذات قيمة مادية تذكر. رغم أن السرقة في هذا السياق لا ترتبط غالبًا بالسرقة من أجل الربح المادي أو المكسب، إلا أنها تؤثر بشكل كبير على حياة الشخص المصاب بهذا الاضطراب. يعاني الأشخاص الذين لديهم هذا الاضطراب من رغبة ملحة لا يمكن السيطرة عليها لسرقة أشياء قد تكون غير مفيدة لهم، مثل المجوهرات أو المواد الاستهلاكية أو الأشياء الشخصية.

الأعراض الرئيسية لاضطراب هوس السرقة

تشمل أعراض اضطراب هوس السرقة مجموعة من المظاهر النفسية والسلوكية التي تؤثر بشكل كبير على الشخص المصاب. وهذه الأعراض قد تكون متنوعة وشديدة، وتشمل:

1. السرقة غير المبررة: رغم أن الشخص المصاب قد لا يحتاج إلى الأشياء التي يسرقها، إلا أنه لا يستطيع مقاومة الرغبة في سرقتها. في كثير من الأحيان، قد تكون المسروقات أشياء غير ذات قيمة مادية تذكر أو غير مفيدة.

2. التحفيز النفسي المرتبط بالسرقة: يشعر المصاب بشغف ورغبة شديدة قبل ارتكاب السرقة، ولكن هذا الشعور غالبًا ما يترافق مع الشعور بالقلق أو الانزعاج.

3. الشعور بالراحة بعد السرقة: يعاني الشخص المصاب من شعور بالراحة أو التخفيف النفسي بعد ارتكاب السرقة، لكنه قد يعاني من مشاعر الذنب أو الخجل بعد ذلك.

4. عدم القدرة على مقاومة الرغبة: الشخص المصاب يجد صعوبة كبيرة في مقاومة الرغبة القهرية لسرقة الأشياء، رغم محاولاته المتكررة للتحكم في هذا السلوك.

5. تكرار السلوك: قد يكرر الشخص السلوك مرات عديدة، مما يؤدي إلى مشاكل قانونية أو اجتماعية متزايدة.

الأسباب المحتملة لاضطراب هوس السرقة

حتى الآن، لم يتم تحديد سبب واحد واضح لهذا الاضطراب، بل يبدو أن هناك مجموعة من العوامل التي تساهم في ظهوره. من أبرز هذه العوامل:

1. العوامل البيولوجية: تشير بعض الأبحاث إلى أن اضطراب هوس السرقة قد يكون مرتبطًا بعدم التوازن الكيميائي في الدماغ، خاصة في الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وهي المواد الكيميائية التي تلعب دورًا في الشعور بالسعادة والتحفيز. قد تساهم هذه الاختلالات في السلوك القهري.

2. العوامل النفسية: يتزايد فهم تأثير العوامل النفسية على تطور اضطراب هوس السرقة. قد يكون لدى الشخص المصاب تجارب حياتية سابقة مؤلمة أو صدمات نفسية مرتبطة بتجربة السرقة، مما قد يؤدي إلى تنمية هذا الاضطراب كآلية للتعامل مع التوتر النفسي.

3. العوامل الوراثية: قد يكون للوراثة دور في ظهور هذا الاضطراب، حيث تشير الدراسات إلى أن الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية، مثل اضطرابات القلق أو الاكتئاب، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطراب هوس السرقة.

4. العوامل الاجتماعية والبيئية: من الممكن أن يكون للعوامل البيئية دور في ظهور الاضطراب، مثل التعرض لضغوط اجتماعية أو اقتصادية، أو البيئة التي تتسم بالفوضى أو الإهمال.

التأثيرات النفسية والاجتماعية لاضطراب هوس السرقة

يؤثر اضطراب هوس السرقة بشكل عميق على حياة الشخص المصاب، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية. من بين التأثيرات المحتملة:

1. الشعور بالذنب والعار: غالبًا ما يشعر الشخص المصاب بهذا الاضطراب بالذنب بعد ارتكاب السرقة، مما يؤدي إلى الشعور بالعار والخجل. قد يواجه المصاب تحديات نفسية مثل الاكتئاب والقلق بسبب هذه المشاعر السلبية المستمرة.

2. العزلة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي السلوك القهري المتكرر للسرقة إلى عزلة اجتماعية، حيث قد يتجنب الشخص التواصل مع الآخرين خوفًا من التعرض للاكتشاف أو الفضح.

3. مشاكل قانونية: قد يواجه الشخص المصاب بمشاكل قانونية بسبب السرقة المتكررة، والتي قد تؤدي إلى العقوبات القانونية أو السجن، مما يزيد من العبء النفسي والاجتماعي.

4. التأثير على العلاقات الشخصية: يعاني الشخص المصاب من صعوبات في الحفاظ على علاقات صحية مع الأصدقاء والعائلة. الخوف من الفضح أو العواقب القانونية قد يؤدي إلى تدهور العلاقات الأسرية.

5. مشاكل مالية: على الرغم من أن المسروقات قد لا تكون ذات قيمة عالية، إلا أن الشخص المصاب قد يعاني من التبعات المالية للسرقة، خاصة إذا كانت هناك فواتير غير مدفوعة أو تكاليف قانونية.

تشخيص اضطراب هوس السرقة

يُشخص اضطراب هوس السرقة بناءً على مجموعة من المعايير التي تحددها الجمعية الأمريكية للطب النفسي في “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية” (DSM-5). يجب أن تكون هناك حالات سرقة متكررة وغير مبررة، وأن يكون الشخص مصابًا بشعور قهري وحاجة ملحة لسرقة أشياء دون مبرر واضح. كما يجب أن يترافق هذا السلوك مع تأثيرات سلبية على الحياة الشخصية والاجتماعية أو القانونية للفرد.

علاج اضطراب هوس السرقة

علاج اضطراب هوس السرقة يعتمد على مجموعة من الأساليب العلاجية التي تهدف إلى تخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة للفرد. من بين الخيارات العلاجية المتاحة:

1. العلاج النفسي (العلاج السلوكي المعرفي): يعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر أساليب العلاج فعالية. يركز هذا النوع من العلاج على مساعدة الشخص في تحديد الأنماط السلوكية المدمرة وتغييرها. يتم تعليم الشخص كيفية التعامل مع الرغبات القهرية ومساعدته في إيجاد استراتيجيات للتقليل من السلوكيات المدمرة.

2. الأدوية: في بعض الحالات، قد يُوصى باستخدام الأدوية لتعديل مستويات المواد الكيميائية في الدماغ. بعض الأدوية مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) قد تساعد في تقليل الأعراض المرتبطة بالاضطراب.

3. العلاج الجماعي والدعم الاجتماعي: يمكن أن تكون المجموعات الداعمة والعلاج الجماعي مفيدة في مساعدة الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب في التفاعل مع آخرين يواجهون نفس التحديات. كما يُمكن أن تساعد هذه المجموعات في تقديم الدعم العاطفي والنفسي.

4. العلاج بالتحفيز الدماغي: في بعض الحالات، يمكن أن يتم استخدام تقنيات مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) للتأثير على النشاط العصبي في الدماغ، وهو ما قد يساعد في تقليل السلوك القهري.

الوقاية من اضطراب هوس السرقة

فيما يتعلق بالوقاية، فإن التوعية المبكرة تعد من أهم الأساليب للحد من تطور الاضطراب. فالتدخل المبكر من خلال العلاج النفسي والتوجيه العاطفي يمكن أن يساعد في منع تفاقم الأعراض. من المهم أيضًا أن يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية دعم عاطفي مناسب منذ مرحلة الطفولة أو المراهقة.

الخلاصة

اضطراب هوس السرقة هو اضطراب نفسي معقد يسبب للشخص المصاب رغبة قهرية في سرقة أشياء لا يحتاج إليها. رغم أن هذا الاضطراب ليس له دوافع مادية مباشرة، إلا أنه يسبب تأثيرات كبيرة على حياة الفرد النفسية والاجتماعية. من خلال العلاج النفسي والأدوية المناسبة، يمكن للعديد من الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب تحسين حالتهم، مما يساعدهم في إدارة السلوك القهري والعيش حياة أكثر استقرارًا.