اضطراب ما بعد الصدمة PTSD

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): تعريفه، أعراضه، وأسباب تطوره

مقدمة

يعد اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) من الاضطرابات النفسية التي تنشأ بعد تعرض الشخص لتجربة مؤلمة أو حادثة صادمة، مثل الحروب، الكوارث الطبيعية، الاعتداءات الجسدية أو الجنسية، أو أي شكل من أشكال الصدمات النفسية. يُصنف هذا الاضطراب ضمن الاضطرابات النفسية التي تؤثر بشكل عميق على حياة الفرد، حيث تتغير طريقة استجابته للمواقف الحياتية وقدرته على التعامل مع التوتر والضغوط اليومية. في هذا المقال، سنلقي نظرة شاملة على تعريف اضطراب ما بعد الصدمة، أعراضه، أسباب تطوره، وطرق علاجه.

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

يُعرف اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بأنه حالة نفسية تحدث عندما يواجه الشخص حدثًا صادمًا أو مهددًا للحياة يتسبب في مشاعر شديدة من الخوف، العجز، أو الرعب. وبعد هذا الحدث، قد يعاني الشخص من ذكريات مزعجة أو كوابيس تتكرر بشكل غير إرادي، كما يمكن أن يشعر بالشعور بالتهديد المستمر حتى في المواقف التي لا تشكل خطراً حقيقياً.

اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر على الطريقة التي يفكر بها الشخص، وكيفية تفاعله مع البيئة من حوله. قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية بشكل كبير إذا لم يتم التعرف عليه ومعالجته بشكل صحيح.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

تتفاوت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة من شخص لآخر، وتُقسم إلى أربعة فئات رئيسية:

1. إعادة التجربة
   يعاني الأشخاص المصابون بـ PTSD من تكرار التجارب الصادمة عبر:

   • الذكريات المتطفلة: حيث يعيد الشخص تذكر الحدث الصادم بشكل غير إرادي.
   • الكوابيس: وهي أحلام مزعجة تتعلق بالحادث.
   • الاسترجاع الذهني: شعور الشخص وكأن الحادث يحدث مرة أخرى (العودة إلى الحدث).

2. الابتعاد عن الواقع
   يميل الشخص المصاب إلى الابتعاد عن التفاعلات الاجتماعية أو أي شيء يذكره بالحادث. قد يتجنب الأماكن، الأشخاص، أو الأنشطة التي تثير ذكريات مؤلمة. وقد يشعر الشخص أيضًا بالعزلة، والتباعد عن الآخرين، وفقدان الاهتمام في الأنشطة التي كانت تُمتعهم في السابق.

3. التغيرات السلبية في التفكير والمزاج
   يمكن أن يُؤدي PTSD إلى:

   • التشاؤم المستمر: رؤية المستقبل بشكل سلبي.
   • مشاعر اللامبالاة: الشعور بأن الشخص لا يمكنه الشعور بالفرح أو السعادة.
   • الشعور بالذنب أو الخجل: قد يشعر الشخص بالذنب تجاه الحادث رغم أنه لم يكن له دور فيه.
   • صعوبة في التذكر: قد يواجه الشخص صعوبة في تذكر تفاصيل الحدث الصادم.

4. فرط الإثارة
   تشمل هذه الأعراض:

   • الأرق: صعوبة في النوم أو البقاء نائمًا.
   • التهيج: الشعور بالتوتر المفرط أو الغضب.
   • الانتباھ المفرط: الشعور بأن الشخص في حالة تأهب دائم.
   • ردود فعل مفرطة: مثل القفز أو الهلع المفاجئ.

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

ينتج اضطراب ما بعد الصدمة عن تعرض الشخص لحادث أو تجربة صادمة، لكن ليس كل شخص يتعرض لتلك الحوادث يصاب بالاضطراب. عدة عوامل قد تساهم في تطور PTSD، مثل:

1. طبيعة الحدث الصادم
   كلما كانت التجربة أكثر تهديدًا للحياة أو شدة، زادت احتمالية الإصابة بـ PTSD. على سبيل المثال، الحروب، الاعتداءات الجسدية أو الجنسية، الحوادث الخطيرة، أو الكوارث الطبيعية.

2. التاريخ الشخصي للفرد
   الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الاضطرابات النفسية أو من تعرضوا لعدة صدمات حياتية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بـ PTSD. كما أن التعرض للصدمات في مرحلة الطفولة يعد عاملاً محفزاً.

3. الاستعداد الوراثي
   أظهرت بعض الدراسات أن هناك استعدادًا جينيًا قد يساهم في ظهور الاضطراب. قد يتأثر بعض الأشخاص وراثيًا بالتفاعل مع الصدمات بشكل مختلف عن آخرين.

4. الدعم الاجتماعي والبيئة المحيطة
   الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة بعد التعرض للصدمة له دور مهم في تقليل فرص تطور PTSD. في حالة العزلة الاجتماعية أو غياب الدعم، يزداد خطر تطور الاضطراب.

العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بـ PTSD

على الرغم من أن الجميع قد يتأثر بشكل مختلف بالصدمة، هناك بعض العوامل التي قد تجعل شخصًا أكثر عرضة للإصابة بـ PTSD:

• النوع الاجتماعي: النساء قد يكن أكثر عرضة للإصابة بـ PTSD مقارنة بالرجال.
• التاريخ العائلي: وجود تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية يزيد من احتمالية الإصابة.
• التعرض لصدمة شديدة أو مستمرة: مثل الحروب أو العنف المنزلي.
• التأخر في طلب العلاج أو العلاج غير الكافي: عدم معالجة الصدمة في الوقت المناسب قد يزيد من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

طرق علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

لحسن الحظ، يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة. العلاج يمكن أن يكون فعالًا للغاية في مساعدة الأفراد على التكيف مع الأحداث الصادمة والعودة إلى حياة طبيعية. تشمل خيارات العلاج:

1. العلاج النفسي (العلاج بالكلام)

   • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): هو العلاج الأكثر فعالية لعلاج PTSD، ويهدف إلى تغيير الأنماط الفكرية والسلوكية التي تساهم في تعزيز الأعراض.
   • العلاج بالتعرض: يساعد الأشخاص على مواجهة الذكريات المؤلمة والحد من ردود الفعل العاطفية المرتبطة بها.
   • العلاج التفاعلي: يركز على معالجة المشاعر والذكريات المتعلقة بالصدمة.

2. العلاج الدوائي
   يمكن أن تُستخدم الأدوية مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو مضادات الاكتئاب للتخفيف من أعراض PTSD مثل الاكتئاب والقلق. يجب أن يتم استخدام الأدوية تحت إشراف طبي لتجنب الآثار الجانبية.

3. العلاج الجماعي
   يمكن أن يساهم التفاعل مع أفراد آخرين مروا بتجارب مشابهة في تسريع الشفاء. العلاج الجماعي يوفر منصة لتبادل الخبرات والدعم المتبادل.

4. الاستراتيجيات الذاتية والعلاج التكميلي
   بعض الأشخاص قد يجدون فائدة في ممارسة تمارين الاسترخاء مثل اليوغا أو التأمل. التمارين الرياضية المنتظمة واتباع نظام غذائي صحي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي أيضًا في تحسين الصحة النفسية.

الختام

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو حالة نفسية معقدة تؤثر بشكل عميق على حياة الأفراد الذين مروا بتجارب صادمة. من المهم التعرف على الأعراض وعوامل الخطر لتوفير العلاج والدعم اللازمين. مع الدعم النفسي المناسب والعلاج، يمكن للعديد من الأشخاص الذين يعانون من PTSD أن يتعافوا ويعودوا إلى حياة طبيعية.