اضطراب تبدد الشخصية: الأسباب والعلاج

مرض اضطراب تبدد الشخصية: 9 معلومات هامة

اضطراب تبدد الشخصية (Dissociative Identity Disorder) هو أحد الاضطرابات النفسية التي يتسبب فيها تفكك أو انفصال في الهوية أو الذاكرة أو الوعي. يُعرف هذا الاضطراب أحيانًا بمرض “الهوية المتعددة” أو “الانفصام في الشخصية”، ويصنف من بين الاضطرابات النفسية الأكثر تعقيدًا والتي يصعب تشخيصها بشكل دقيق. يتميز اضطراب تبدد الشخصية بوجود هويات أو شخصيات متنازعة داخل الشخص الواحد، حيث يعتقد المريض أن هناك أكثر من “أنا” تسيطر على سلوكه في فترات مختلفة من الزمن.

في هذا المقال، سنتناول تسع معلومات هامة حول هذا الاضطراب النفسي المعقد، مما يساعد على فهم طبيعته وتأثيراته على حياة المصابين به.

1. تعريف اضطراب تبدد الشخصية

اضطراب تبدد الشخصية هو حالة نفسية تتسم بوجود اثنين أو أكثر من الهويات أو الشخصيات المختلفة داخل الشخص ذاته. يتمكن كل من هذه الشخصيات من التحكم في سلوك الشخص في أوقات مختلفة. يشعر المصاب بالاضطراب وكأنه يعيش حياتين أو أكثر في نفس الوقت، مما قد يؤدي إلى اضطراب عميق في الذاكرة والمشاعر والإدراك.

عادةً ما يختلف كل “شخص” أو هوية داخل الشخص عن الآخر في طريقة التفكير، والتصرفات، والمشاعر، والذكريات. بعض الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يعانون من “فجوات في الذاكرة” ويشعرون أنهم لا يتذكرون أحداثًا معينة في حياتهم.

2. الأسباب والعوامل المؤدية للاضطراب

يعتقد العلماء أن اضطراب تبدد الشخصية هو نتيجة لتفاعل عدة عوامل، ويعتبر التأثيرات البيئية والنفسية أحد الأسباب الرئيسية لتطوير هذا الاضطراب. من أهم هذه العوامل:

• التعرض للصدمات النفسية: قد يتطور هذا الاضطراب نتيجة لتعرض الشخص لحدث صادم مثل الاعتداء الجنسي أو الجسدي، أو الشهود على حدث مروع.

• التعامل مع حالات التوتر المستمر: يعيش بعض الأفراد في بيئات مليئة بالتوتر المستمر، مثل العيش في أسرة مع والدين مدمنين أو مع حالات شديدة من العنف الأسري.

• الاستجابة النفسية للدفاع عن النفس: يميل العقل البشري إلى استخدام آلية “الانفصال” أو “التفكك” للتعامل مع الصدمات النفسية. تصبح الشخصيات المتعددة وسيلة دفاعية لمحاولة التعامل مع الضغوط النفسية الكبيرة.

3. الأعراض الأساسية للاضطراب

تتفاوت أعراض اضطراب تبدد الشخصية بشكل كبير بين الأفراد المصابين به، لكن هناك بعض الأعراض الرئيسية التي يتميز بها هذا الاضطراب، ومن أهمها:

• تعدد الشخصيات: يعاني الشخص المصاب من تبدل مستمر بين الهويات أو الشخصيات المختلفة. قد يكون لكل شخصية سمات مختلفة في التفكير والتصرفات والمزاج.

• فجوات في الذاكرة: غالبًا ما يواجه المصاب صعوبة في تذكر أحداث حياتية معينة، قد تكون مرتبطة بأوقات معينة أو شخصيات معينة.

• الانعزال عن الواقع: يشعر المصاب في بعض الأحيان بأنهم يراقبون أنفسهم من خارج أجسادهم، مما يؤدي إلى شعور بالغربة عن الذات.

• تغيير في السلوكيات والمزاج: تكون السلوكيات والمزاج غير متوقعة، حيث يمكن للشخص أن يظهر بمزاج إيجابي في فترة، ثم يصبح غاضبًا أو مكتئبًا في فترة أخرى.

4. تشخيص اضطراب تبدد الشخصية

يعتبر تشخيص اضطراب تبدد الشخصية تحديًا كبيرًا، حيث يصعب تحديده بسبب تشابه أعراضه مع العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). يتم تشخيصه عادة من خلال:

• التاريخ الطبي والنفسي: يبدأ التشخيص من خلال تاريخ شامل للمريض وفحص الأعراض النفسية التي يعاني منها.

• المقابلات النفسية: يُجرى للمريض مقابلات نفسية مفصلة للتعرف على الأنماط السلوكية والشخصية المتغيرة، بالإضافة إلى فحص الذاكرة والأحداث التي يعجز المريض عن تذكرها.

• الاختبارات النفسية: يمكن أن يستخدم الأطباء مجموعة من الاختبارات النفسية لتقييم مستوى التفكك في الذاكرة والوعي.

5. العلاج النفسي: كيف يتم التعامل مع المرض؟

يعد العلاج النفسي هو العلاج الرئيسي لاضطراب تبدد الشخصية. يهدف العلاج إلى دمج الشخصيات المتعددة في هوية واحدة وإعادة بناء الذاكرة والوعي الشخصي. من أنواع العلاج المستخدمة:

• العلاج النفسي الديناميكي: يساعد المرضى على فحص الصدمات النفسية الماضية وفهم كيفية تأثيرها على سلوكهم الحالي.

• العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يركز على تعديل الأنماط السلوكية والمشاعر السلبية المرتبطة بالاضطراب.

• العلاج بالتعرض: يساعد المريض على مواجهة الذكريات الصادمة والاحتفاظ بها كجزء من الوعي العام للشخص، بدلاً من الهروب منها.

• العلاج الجماعي: في بعض الحالات، يمكن استخدام العلاج الجماعي للمساعدة في التعرف على الروابط الاجتماعية التي قد تكون مفيدة في التعافي.

6. التأثيرات الاجتماعية والنفسية

يؤثر اضطراب تبدد الشخصية بشكل عميق على حياة الشخص المصاب، بما في ذلك علاقاته الشخصية والاجتماعية. قد يواجه الشخص صعوبة في بناء أو الحفاظ على علاقات مستقرة بسبب تغير الشخصيات المستمر الذي قد يسبب ردود فعل غير متوقعة من الأشخاص المقربين.

• الانعزال الاجتماعي: بسبب طبيعة الاضطراب، قد يتجنب المصاب التواصل مع الآخرين خوفًا من أن تظهر شخصياته المتعددة في أوقات غير مناسبة.

• التأثير على العمل والدراسة: قد يواجه المصاب صعوبة في الحفاظ على وظيفة مستقرة أو متابعة دراسته بسبب التقلبات المستمرة في المزاج والسلوك.

7. التحديات في العلاج والشفاء

على الرغم من وجود العديد من الأساليب العلاجية الفعالة، يواجه الأشخاص المصابون باضطراب تبدد الشخصية تحديات كبيرة في العلاج، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التاريخ المؤلم الذي قد يحملونه. هؤلاء الأشخاص قد يواجهون:

• مقاومة العلاج: بعض الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب قد لا يثقون في العلاج أو يرفضون فكرة العلاج النفسي بسبب الصدمات النفسية العميقة.

• الحاجة إلى صبر طويل الأمد: العلاج عادةً ما يتطلب وقتًا طويلاً، ويتطلب دعمًا مستمرًا من المختصين ومن المحيطين بالمريض.

• الخوف من التفكك الذاتي: بعض المرضى قد يخشون من فقدان هويتهم المتعددة والدمج الكامل بين الشخصيات، وهو ما قد يؤدي إلى شعور بالعجز أو الهلع.

8. الآثار طويلة المدى على الفرد

عند معالجة اضطراب تبدد الشخصية بنجاح، قد يبدأ المريض في الشفاء تدريجيًا، لكن العلاج يحتاج إلى وقت طويل، حيث قد يعاني الشخص لفترات طويلة من مشاعر الغربة والانعزال. قد يظل البعض يعاني من بعض الأعراض في مرحلة ما بعد العلاج، مثل:

• القلق المستمر: قد يشعر المريض بقلق مستمر بشأن فقدان هويته أو العودة إلى حالة التفكك.

• التحديات في إعادة تكوين الذات: قد يحتاج الشخص إلى فترات طويلة لإعادة تكوين هويته الفردية والاندماج الاجتماعي بعد العلاج.

9. الوعي المجتمعي والقبول

في العديد من المجتمعات، لا يزال هناك نقص في الوعي بشأن اضطراب تبدد الشخصية، مما يؤدي إلى وصمة اجتماعية قد تؤثر على المصابين به. يمكن أن يسهم زيادة الوعي وتعليم الناس عن هذا الاضطراب في تقليل الأحكام المسبقة وتحسين فرص العلاج للمصابين.

• التعليم المجتمعي: من المهم رفع الوعي بين أفراد المجتمع حول طبيعة هذا الاضطراب وكيفية التعامل مع الأشخاص الذين يعانون منه. يمكن أن يساعد الدعم الاجتماعي في تسريع عملية التعافي.

• القبول في الأسرة والمجتمع: يعد الدعم الأسري والاجتماعي أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة المريض على التكيف مع الحياة اليومية ومواجهة التحديات التي قد تنشأ نتيجة للاضطراب.

اضطراب تبدد الشخصية هو حالة نفسية معقدة يتطلب علاجًا دقيقًا ومراقبة مستمرة. يتطلب الأمر وقتًا وجهدًا كبيرًا من المصاب والمهنيين النفسيين لتقديم الدعم العاطفي والعلاج المناسب.