اضطرابات الشخصية: ما هي؟ وما أسبابها، وأنواعها، وأعراضها؟
مقدمة
اضطرابات الشخصية تعد من بين القضايا النفسية الشائعة التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد وتوجهاتهم الاجتماعية والمهنية. على الرغم من أنها قد تبدو غير مفهومة للبعض، إلا أن الوعي بهذه الاضطرابات يمكن أن يساهم في تعزيز الفهم والعلاج المناسب للأشخاص الذين يعانون منها. في هذا المقال، سنتناول تعريف اضطرابات الشخصية، الأسباب المحتملة لها، الأنواع المختلفة التي قد تتخذها، والأعراض التي قد تظهر على المصابين بها.
ما هي اضطرابات الشخصية؟
اضطرابات الشخصية هي مجموعة من الاضطرابات النفسية التي تؤثر على طريقة تفكير الشخص، وتفسيره للعالم من حوله، وسلوكه، وطرقه في التفاعل مع الآخرين. يتميز الأفراد الذين يعانون من اضطرابات الشخصية بنمط مستمر من التصرفات والمشاعر التي تختلف عن المألوف في ثقافتهم ومجتمعهم. يمكن أن تتسبب هذه الاضطرابات في مشاكل كبيرة في الحياة اليومية، بما في ذلك الصعوبات في العلاقات الشخصية والمهنية، وزيادة احتمالية حدوث مشاكل نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو القلق.
أسباب اضطرابات الشخصية
تتنوع أسباب اضطرابات الشخصية بين العوامل البيولوجية، والنفسية، والبيئية. ومع ذلك، لا يمكن تحديد سبب واحد بعينه لكل حالة. تشمل بعض العوامل المحتملة ما يلي:
1. العوامل الوراثية:
الوراثة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تطور اضطرابات الشخصية. الأشخاص الذين لديهم أفراد عائلة يعانون من اضطرابات نفسية أو اضطرابات شخصية قد يكونون أكثر عرضة لتطوير نفس النوع من الاضطراب.
2. التجارب الحياتية المبكرة:
البيئة الأسرية والنشأة قد تؤثر بشكل كبير في تشكيل الشخصية. قد تتسبب التجارب السلبية مثل الإيذاء الجسدي أو العاطفي، الإهمال، أو التهميش خلال مرحلة الطفولة في تطور اضطرابات الشخصية في وقت لاحق من الحياة.
3. الضغوط النفسية والبيئية:
العيش في بيئة مليئة بالتوتر، مثل العيش في أسرة مفككة أو في بيئة اجتماعية غير مستقرة، قد يزيد من خطر الإصابة باضطرابات الشخصية. كذلك، قد تؤدي الصدمات النفسية مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض لحدث صادم إلى ظهور اضطراب الشخصية.
4. العوامل البيولوجية:
تساهم التغيرات في كيمياء الدماغ، خاصة في المواد الكيميائية مثل السيروتونين والدوبامين، في التأثير على طريقة تفكير الشخص ومشاعره وسلوكه. يمكن أن تكون بعض اضطرابات الشخصية مرتبطة بتوازن كيميائي غير طبيعي في الدماغ.
أنواع اضطرابات الشخصية
توجد عدة أنواع من اضطرابات الشخصية التي يتم تصنيفها وفقًا لأعراضها وطريقة تأثيرها على حياة الشخص. يتم تقسيم هذه الاضطرابات عادة إلى ثلاث مجموعات رئيسية أو “أبعاد” حسب التصنيف الذي وضعه الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). وتشمل هذه الأبعاد:
1. الاضطرابات الشخصية من المجموعة A (الغرابة والانطواء):
هذه المجموعة تتضمن اضطرابات شخصية ترتبط بتصرفات غريبة أو غير تقليدية. وتشمل:
- الاضطراب الفصامي: يتميز هذا الاضطراب بتصرفات شاذة وغريبة واعتقادات غير واقعية. غالبًا ما يواجه الشخص المصاب صعوبة في التواصل مع الآخرين.
- الاضطراب الفصامي العاطفي: يتميز الشخص المصاب بهذا الاضطراب بتصرفات غير متوقعة أو عدم القدرة على بناء علاقات اجتماعية مستقرة.
2. الاضطرابات الشخصية من المجموعة B (العاطفية والمندفعة):
هذه المجموعة تشمل الاضطرابات التي تتميز بتقلبات عاطفية شديدة، وتصرفات مندفعه وغير منتظمة، أو سلوكيات قد تكون مدمرة. وتشمل:
- الاضطراب الحدّي في الشخصية (Borderline Personality Disorder): الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يعانون من تقلبات شديدة في المزاج وصعوبة في الحفاظ على العلاقات الشخصية المستقرة. قد يظهرون سلوكيات انتحارية أو مندفعه.
- الاضطراب النرجسي في الشخصية: يتسم هذا الاضطراب بشعور مبالغ فيه بالعظمة وحاجة مفرطة للإعجاب من الآخرين، بالإضافة إلى افتقار التعاطف مع الآخرين.
- الاضطراب المعادي للمجتمع: يتمثل في سلوكيات لا تعترف بالقوانين أو حقوق الآخرين، ويمكن أن تشمل السرقة، والغش، والتلاعب.
- الاضطراب الهستيري: يشمل تصرفات مبالغ فيها لشد الانتباه والتأكيد على حاجة الشخص للاهتمام الدائم.
3. الاضطرابات الشخصية من المجموعة C (الخوف والقلق):
تشمل هذه المجموعة الاضطرابات التي ترتبط بالخوف والقلق المفرط، والتي تؤثر على قدرة الشخص على التفاعل بشكل طبيعي مع الآخرين. وتشمل:
- الاضطراب القلق الاجتماعي: يتميز هذا الاضطراب بالخوف المفرط من المواقف الاجتماعية والشعور بالقلق الشديد من الحكم السلبي من الآخرين.
- الاضطراب التجنبى: يفضل الشخص المصاب بهذا الاضطراب تجنب المواقف الاجتماعية والأنشطة الجديدة خوفًا من الرفض أو الفشل.
- الاضطراب الاعتمادي: يشير إلى الشخص الذي يعاني من صعوبة في اتخاذ القرارات بمفرده ويعتمد بشكل مفرط على الآخرين.
أعراض اضطرابات الشخصية
تختلف أعراض اضطرابات الشخصية بشكل كبير اعتمادًا على النوع المحدد للاضطراب. ومع ذلك، توجد بعض الأعراض المشتركة التي يمكن أن تشير إلى وجود اضطراب شخصي، مثل:
1. صعوبة في تشكيل العلاقات الاجتماعية:
الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية قد يواجهون صعوبة في بناء علاقات مستدامة أو فهم مشاعر الآخرين.
2. سلوكيات غريبة أو مفرطة:
تتسم بعض اضطرابات الشخصية بتصرفات غير تقليدية أو مفرطة، مثل التصرفات التي تكون متناقضة مع المعايير الاجتماعية أو الأخلاقية.
3. تقلبات عاطفية شديدة:
الشخص المصاب قد يعاني من تغيرات حادة في المزاج، مثل الانتقال السريع من الفرح إلى الحزن أو الغضب دون سبب واضح.
4. الشعور بالفراغ الداخلي:
في حالات مثل الاضطراب الحدّي، قد يشعر الشخص بفراغ عاطفي مستمر أو حالة من الضياع وعدم الاستقرار الداخلي.
5. التصرفات المندفعة:
العديد من المصابين بالاضطرابات الشخصية قد يظهرون سلوكيات مندفعه، مثل الإقدام على أفعال خطرة أو غير مبررة.
العلاج والتعامل مع اضطرابات الشخصية
تتطلب اضطرابات الشخصية علاجًا طويل المدى ومتعدد الأبعاد. من أساليب العلاج الأكثر شيوعًا:
- العلاج النفسي: يمكن أن يساعد العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، في معالجة التصورات الخاطئة وتحسين التفاعل الاجتماعي والعاطفي.
- العلاج بالأدوية: قد يتم وصف بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية المصحوبة بالاكتئاب أو القلق.
- الدعم الاجتماعي: يمكن أن يساعد وجود شبكة دعم قوية من العائلة والأصدقاء في تعزيز التحسن.
الخاتمة
إن فهم اضطرابات الشخصية هو خطوة أساسية نحو تحسين التعامل مع الأشخاص الذين يعانون منها وتقديم الدعم المناسب لهم. من خلال التوعية، يمكن تقليل وصمة العار المرتبطة بهذه الاضطرابات وتقديم العلاج الملائم لكل حالة.