“الأوديسة”، التي خطّها هوميروس، تُعتبر واحدة من الأعمال الأدبية الجوهرية في التراث الغربي وتأتي ترجمتها الجديدة بقلم آلن ماندلباوم لتضيف بُعدًا جديدًا ومعاصرًا إلى هذا النص الكلاسيكي. تُظهر هذه الترجمة الجديدة، التي صدرت عن دار النشر “Bantam Classics” في يناير من عام 1990، كيف أن القصيدة التي كتبت قبل نحو ثلاثة آلاف سنة لا تزال تحتفظ بقدرتها على الإلهام والتأثير.
تتناول الأوديسة مغامرات البطل اليوناني أوديسيوس، المعروف بذكائه ومكره، في رحلة عودته إلى الوطن بعد انتهاء حرب طروادة. يواجه أوديسيوس خلال رحلته سلسلة من التحديات الخارقة والإلهية والبشرية، بدءًا من النجاة من كهف السيكلوب ومرورًا بجزيرة سيرسي وحتى مغريات أغنية السيرين. كما يشمل ملحمة نزوله إلى العالم السفلي، قبل أن يعود أخيرًا إلى وطنه حيث يواجه تحديًا ربما كان الأكثر صعوبة: خونة يطمعون في انتزاع مملكته وزوجته الوفية، بينيلوبي.
من الأسباب التي جعلت “الأوديسة” تحتل مكانة رفيعة في الأدب العالمي هي طبيعتها الخالدة التي تتناول الصراعات الإنسانية العميقة والرغبة في البحث عن الهوية والوطن. يُعتبر أوديسيوس أحد أبرز الشخصيات التي استطاعت أن تجسد المثل العليا للثقافة اليونانية القديمة مثل الذكاء والمكر والقوة والمرونة، التي لا تزال تُعتبر قيمًا مهمة في عالمنا المعاصر.
ترجمة آلن ماندلباوم تُقدم “الأوديسة” بلغة شعرية تحتفظ بقوة وجمال النص الأصلي، وتُبرز الأبعاد الفنية والأخلاقية للملحمة. يُعد ماندلباوم شاعرًا ومترجمًا مرموقًا قام بترجمة أعمال كبيرة أخرى مثل “الإينيادة” لفيرجيل و”الكوميديا الإلهية” لدانتي، مما يُعطي ترجمته لـ “الأوديسة” وزنًا أدبيًا وثقافيًا لا يُستهان به.
العمل المترجم لـ “الأوديسة” يُمثل تحفة فنية تُظهر كيف يمكن للأدب الكلاسيكي أن يتجدد ويظل حيًا في الثقافة الإنسانية عبر الأزمنة. إنه يوفر للقارئ الفرصة لاستكشاف تأثيرات هذه الملحمة على أدب العصر الحديث ويُعتبر دعوة لفهم أعمق للأساطير التي شكلت الفكر الغربي منذ فجر التاريخ.
في نهاية المطاف، يُعد هذا الكتاب ليس فقط عملًا أدبيًا يُراجع التاريخ اليوناني القديم أو يُعيد سرد أساطيره، بل هو استكشاف للنفس البشرية والصراعات الأخلاقية التي لا تزال تشكل جوهر تجربتنا الإنسانية اليوم. إن “الأوديسة”، بترجمة ماندلباوم، تُعد مثالًا بارزًا على كيفية تواصل الأعمال الكلاسيكية مع القراء عبر العصور، مُقدمة إليهم ليس فقط قصة مغامرات مثيرة، بل دروسًا في الفلسفة والأخلاق والتحديات الإنسانية.