كيفية استقبال عشر ذي الحجة

تُعدُّ عشر ذي الحجة من أهم الفترات الزمنية في التقويم الإسلامي، لما تحمله من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهي أيام مباركة تتقرب فيها القلوب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وتُعدُّ بداية موسم الحج، وموعدًا لأداء أكبر شعيرة من شعائر الإسلام، بالإضافة إلى احتفال المسلمين بعيد الأضحى المبارك. يستعد المسلمون لاستقبال هذه الأيام الفضيلة بقلوب ملؤها الخشوع والتضرع، مراعين فضائلها وفضل الأعمال فيها.

يأتي عشر ذي الحجة بعد انتهاء شهر ذي القعدة، وتُعد بداية العشر الأوائل من ذي الحجة تمهيدًا ليوم عرفة ويوم النحر، حيث يشد المسلمون رحالهم نحو بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وتبدأ الأعمال الصالحة في الازدياد. ولا يقتصر فضل هذه الأيام على الحجاج فقط، بل تشمل جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فتفتح أبواب الخير والرحمة والبركة لكل من أخلص في العمل والتقرب إلى الله.

فضل عشر ذي الحجة في الإسلام

إن فضل عشر ذي الحجة عظيم وثابتٌ في نصوص الشريعة الإسلامية، فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام أفضل من غيرها من أيام العام، ففيها يستحب الإكثار من الطاعات والعبادات، فالأعمال الصالحة فيها أحب إلى الله من غيرها، وهو ما يدل عليه الحديث الشريف: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (رواه البخاري ومسلم).

لقد جعل الله سبحانه وتعالى لهذه الأيام مكانة خاصة من الرحمة والغفران، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على صيام الأيام العشرة، وخاصة يوم عرفة الذي يُعد من أفضل الأيام عند الله، كما كان يحث أصحابه على الإكثار من الذكر والدعاء والتكبير والصدقة.

مظاهر الاستعداد لاستقبال عشر ذي الحجة

تبدأ مظاهر الاستعداد لاستقبال عشر ذي الحجة بمجموعة من العبادات والقربات التي ينبغي للمسلم مراعاتها للاستفادة من فضل هذه الأيام، ومن أهم هذه المظاهر:

1. التوبة النصوح والإخلاص في النية

قبل الدخول في هذه الأيام المباركة، يجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحًا، ويخلص النية في العمل، لأن الأعمال بالنيات، فالمسلم الذي يدخل العشر بقلب خاشع ونية صادقة يجعل كل عمل صالح عبادة خالصة لوجه الله تعالى. هذه البداية تعطي العمل بركة وقبولاً عند الله.

2. تعظيم هذه الأيام بزيادة الطاعات

يُسن للمسلم أن يزيد في الطاعات كالصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وقيام الليل. ويجعل لنفسه برنامجا يوميا من الأعمال الصالحة التي تجعله يغتنم هذه الفرصة الروحانية العظيمة.

3. الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد

من السنن التي يجب أن يحرص عليها المسلم في عشر ذي الحجة الإكثار من ذكر الله، وخصوصًا التكبير والتحميد والتهليل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالتكبير في هذه الأيام كقول: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد» وخاصة من أول يوم من ذي الحجة وحتى آخر أيام التشريق.

4. الصيام في الأيام المباركة

من السنة المستحبة في هذه العشرة صيام الأيام التسعة الأولى، وأفضلها صيام يوم عرفة لغير الحاج، لما له من فضل عظيم في تكفير ذنوب السنة الماضية والقادمة. وبهذا العمل يزداد المسلم قربًا من الله ويكون له حظ كبير من مغفرته.

5. الاستعداد الروحي والنفسي لأداء مناسك الحج أو التزام الأعمال التعبدية

بالنسبة للحجاج، يبدأ الاستعداد العملي والروحي مبكرًا، حيث يجهزون أنفسهم للحج بإزالة ما قد يعيقهم عن أداء المناسك بسهولة وخشوع، أما غير الحجاج فيحرصون على تنظيم أوقاتهم لاستثمار هذه الأيام بالطاعات.

الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة

تمتلئ عشر ذي الحجة بالأعمال التي يثاب عليها المسلم، والتي تنوعت بين عبادات بدنية وروحية، ومن هذه الأعمال:

1. الصلاة

يستحب الإكثار من الصلاة في هذه الأيام، خاصة الصلاة النافلة، وقيام الليل، فهي وسيلة لتقوية العلاقة بالله، وطلب مغفرته ورضاه.

2. الصيام

الصيام في هذه الأيام من أحب الأعمال إلى الله، ويُستحب صيام تسع ذي الحجة كلها لمن استطاع، مع التركيز على صيام يوم عرفة.

3. الذكر والتسبيح والتكبير

يعد الذكر من أفضل القربات، وينبغي زيادة الإكثار منه في هذه الأيام، وخاصة التكبير، الذي يحث على تعظيم الله وتمجيده.

4. قراءة القرآن الكريم

القرآن هو كلام الله، وقراءته تزيد من نور القلب وتزرع السكينة والطمأنينة في النفس، فينبغي تخصيص وقت يومي لقراءة جزء منه على الأقل.

5. التصدق والإحسان إلى الآخرين

الأعمال الخيرية تحظى بمكانة عظيمة في هذه الأيام، لما لها من أثر في تنقية النفس وزيادة الأجر والثواب.

6. الدعاء المستمر

الدعاء هو العبادة التي تقرب العبد من ربه، وهو من أعظم الأعمال في هذه الأيام المباركة، لأن الله يفتح أبواب رحمته.

الحكمة من تعظيم عشر ذي الحجة

تعظيم عشر ذي الحجة ليست عبثًا، بل يحمل في طياته حكمة بالغة، وهي تذكير المسلم بفضل الله ورحمته، وتشجيعه على استثمار أوقاته في الطاعات، خاصة في هذه الأيام التي تكون الأعمال فيها مضاعفة الأجر، كما أن ذلك يزيد من الإخلاص ويقوي الروح الإيمانية، ويجعل المسلم أكثر ارتباطًا بربه.

كما أن هذه الأيام هي فرصة لإحياء السنة النبوية من حيث الإكثار من الأذكار والأدعية، والتقرب إلى الله بكل ما أمر به، كما تمثل فترة إعداد للحج والوقوف على عرفة، ومن ثم أداء مناسك الأضحية، وهو عمل يرسخ في النفوس معنى التضحية والتفاني في سبيل الله.

علاقة عشر ذي الحجة بمناسك الحج

لا يمكن فصل عشر ذي الحجة عن مناسك الحج، فهما متلازمان في الوقت والهدف، حيث تبدأ هذه الأيام مع إحرام الحجاج من الميقات، وتنتهي بوقوفهم على عرفة وأداء طواف الإفاضة ورمي الجمرات، وتنفيذ شعائر الأضحية. لهذا السبب، فإن استعداد المسلم لهذه الأيام يجب أن يشمل فهم مناسك الحج وشعائره، وحضور القلب في كل ركن منها.

إن الحج مدرسة إيمانية تخرج المسلم منها تائبًا مطهرًا، ويزداد تعلقه بربه، وتبدأ الرحلة الروحية في يوم عرفة، والذي هو ذروة هذه العشرة، حيث يقف الحاج متضرعًا بين يدي الله، يطلب الرحمة والمغفرة، ويتفكر في عظمة هذا اليوم.

جدول يوضح أهم الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة

نصائح لتعظيم عشر ذي الحجة

• تنظيم الوقت: لا بد من استثمار كل لحظة في هذه الأيام بالأعمال الصالحة، فلا يترك المسلم وقته يمر دون عمل صالح.

• النية الخالصة: استحضار النية في كل عمل لأجل الله تعالى، مما يجعل العمل مقبولاً ومضاعف الأجر.

• المثابرة: المحافظة على العبادة طوال العشر، وعدم الاكتفاء ببعض الأيام فقط.

• مرافقة الصالحين: التواجد مع من يعين على الخير والذكر، فذلك يحفز على الاستمرار.

• تعليم الأطفال: غرس مفهوم فضل هذه الأيام في نفوس الأجيال الجديدة لضمان استمرارية العمل الصالح.

الختام

إن استقبال عشر ذي الحجة بكل ما يحمله من أعمال وأدعية وقربات، يمثل فرصة ذهبية للمسلم ليغتنم بركات هذه الأيام المباركة، ويجدد إيمانه، ويثبت خطواته في طريق الطاعة. فالله سبحانه وتعالى جعلها مواسم للرحمة والغفران، لمن أخلص في العبادة ورفع يديه بالدعاء. هي فرصة للتوبة، والتغيير، والتقرب إلى الله، وهي أيام تتضاعف فيها الحسنات، وتُغفر فيها الذنوب، فاحرص على أن تكون من الفائزين برضا الله في هذه الأيام العظيمة.

المصادر والمراجع:

• صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب فضل عشر ذي الحجة.

• صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صيام يوم عرفة.