تحيز الاختيار وطريقة الاستفادة منه في الحصول على خيارات أوسع
يعد تحيز الاختيار من المفاهيم النفسية التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل قرارات الأفراد وتصرفاتهم في الحياة اليومية. وهو يشير إلى الميل الطبيعي لدى الإنسان لاختيار خيارات معينة أو تفضيلها بناءً على مجموعة من العوامل النفسية والبيئية، سواء كان ذلك بشكل واعٍ أو غير واعٍ. يمكن أن يترتب على هذا التحيز تأثيرات واسعة على اختيارات الأفراد، مما يؤدي في بعض الحالات إلى تقليص خياراتهم المتاحة بشكل غير مبرر. إلا أن هذا المفهوم، بالرغم من كونه عائقًا في بعض الأحيان، يمكن أن يكون أداة فعالة إذا تم فهمه واستثماره بشكل صحيح.
في هذا المقال، سنناقش تحيز الاختيار وكيفية تأثيره على قرارات الأفراد، بالإضافة إلى كيفية الاستفادة منه بشكل يمكن أن يساعد في توسيع دائرة الخيارات المتاحة، بدلاً من تقليصها.
تعريف تحيز الاختيار
تحيز الاختيار هو ميل الأفراد إلى تفضيل أو اختيار بعض البدائل على الأخرى بناءً على اعتبارات غير موضوعية. قد يرتبط هذا التحيز بمختلف العوامل النفسية، مثل الخبرات السابقة، العواطف، والمعتقدات الشخصية. على سبيل المثال، قد يفضل الأفراد ماركة معينة للمنتجات بناءً على التجارب السابقة أو إعلانات الترويج دون النظر إلى الخيارات الأخرى المتاحة.
يتجلى هذا التحيز بطرق متنوعة في الحياة اليومية، سواء كان في قرارات بسيطة مثل اختيار الطعام أو الملابس، أو قرارات معقدة مثل اختيار الوظيفة أو الشريك. في معظم الأحيان، يختار الأشخاص الخيار الذي يشعرون بالراحة معه أو الذي يعتقدون أنه الأقرب إلى تحقيق رغباتهم، وذلك بناءً على الخبرات السابقة أو المعلومات المتاحة.
أنواع تحيز الاختيار
تتعدد أنواع تحيزات الاختيار التي يمكن أن تؤثر على قرارات الأفراد:
-
تحيز التأكيد (Confirmation Bias):
يشير إلى ميل الشخص للبحث عن أو تفضيل المعلومات التي تؤكد آرائه أو معتقداته الحالية. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يعتقد أن منتجًا معينًا هو الأفضل، فإنه سيبحث عن المراجعات التي تؤكد هذه الفكرة ويتجاهل المراجعات التي تعارضها. -
تحيز الأولوية (Anchoring Bias):
يتمثل هذا التحيز في تأثير الخيار الأول الذي يتم تقديمه للإنسان. إذا كانت هناك مجموعة من الخيارات المتاحة، فغالبًا ما يظل الخيار الأول الذي تم تقديمه للإنسان هو المعيار الذي يتم مقارنة الخيارات الأخرى بناءً عليه. -
تحيز التأثير الاجتماعي (Social Influence Bias):
وهو التحيز الذي يحدث عندما يتأثر الشخص بالآراء أو سلوك الآخرين في اتخاذ قراراته. على سبيل المثال، قد يختار الأفراد منتجًا معينًا لأنه يحظى بشعبية أو لأن أصدقائهم يفضلونه. -
تحيز تفاؤلي (Optimism Bias):
يشير هذا التحيز إلى ميل الأفراد لتوقع أفضل النتائج حتى في الظروف غير المواتية، مما يجعلهم يقيمون الخيارات بشكل غير واقعي. -
تحيز توافر المعلومات (Availability Bias):
يعتمد هذا التحيز على توافر المعلومات في الذاكرة عند اتخاذ القرار. أي أن الناس يميلون لاختيار ما هو الأكثر وضوحًا لهم أو ما يتوفر في ذاكرتهم بسهولة، حتى إذا كانت تلك المعلومات قد لا تكون شاملة أو دقيقة.
كيفية تأثير تحيز الاختيار على الأفراد والمجتمع
من الناحية الفردية، يمكن أن يؤدي تحيز الاختيار إلى اتخاذ قرارات غير مثالية قد تكون نتيجة لهذا التحيز العقلي. على سبيل المثال، قد يؤدي تحيز التأكيد إلى تمسك الأفراد بآرائهم حتى وإن كانت غير دقيقة أو قديمة. كما أن تحيز التأثير الاجتماعي يمكن أن يحد من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مستقلة ومتوازنة، مما يجعلهم أكثر تأثراً بما يراه الآخرون.
على مستوى المجتمع، يمكن أن يؤدي تحيز الاختيار إلى تعزيز الانقسامات أو التحيزات الاجتماعية. عندما يختار الأفراد بناءً على تحيزات معينة، قد يزداد الانقسام بين الفئات المختلفة في المجتمع، حيث يفضل كل فرد أو مجموعة خيارات معينة ويعزز من هذه التفضيلات بطريقة قد تمنع التعاون أو التفكير المشترك.
كيف يمكن الاستفادة من تحيز الاختيار للحصول على خيارات أوسع؟
من خلال فهمنا العميق لكيفية تأثير تحيز الاختيار على قرارات الأفراد، يمكننا استغلال هذه المعرفة لتعزيز قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات أفضل وأكثر تنوعًا. تتضمن بعض الطرق للاستفادة من هذا التحيز ما يلي:
1. توسيع الخيارات المدروسة
عندما نتفهم أن تحيز الاختيار قد يقودنا إلى تفضيل خيارات معينة بناءً على موروثات نفسية أو اجتماعية، فإن أول خطوة يجب اتخاذها هي زيادة الوعي بأنماط تفكيرنا. من خلال تعريض أنفسنا لمجموعة أكبر من الخيارات والمعلومات المتنوعة، يمكننا أن نكسر دائرة التحيزات المتكررة. مثلاً، عند اتخاذ قرار شراء منتج معين، يمكن للمرء أن يوسع نطاق بحثه ليشمل خيارات من شركات أو منتجات قد لا تكون مشهورة، وبالتالي يفتح أمامه أفقًا أوسع من الاختيارات.
2. تعزيز التفكير النقدي
يشجع التفكير النقدي الأفراد على فحص معتقداتهم وتفضيلاتهم بشكل أعمق. بدلاً من اتخاذ القرار بناءً على أول انطباع أو تفضيل فوري، يمكن تحليل الخيارات المتاحة بعناية. عند تطبيق التفكير النقدي على تحيز التأثير الاجتماعي أو تحيز التأكيد، يمكن للفرد أن يدرك كيف تؤثر هذه التحيزات على قراراته، ومن ثم يسعى لتوسيع أفق اختياراته.
3. استخدام تقنية “الإفراط في الخيارات” بشكل واعٍ
في بعض الأحيان، يتم تقديم العديد من الخيارات لتوسيع دائرة الاختيار، ولكن يمكن أن يكون هذا غير مجدي إذا أدى إلى شعور بالارتباك أو التشويش. لكن من خلال استخدام هذه التقنية بشكل واعٍ، يمكن أن يساعد الفرد في موازنة بين الخيارات المتاحة بدلاً من الانجراف نحو الخيارات الأكثر مألوفة أو المقبولة اجتماعيًا.
4. تطبيق التنوع في التجارب والخبرات
من خلال التنوع في التجارب، يمكن للمرء أن يوسع دائرة معرفته ويحسن من قدرتها على اتخاذ قرارات أكثر توازنًا. هذا يعني أن الإنسان يمكن أن يستثمر تحيزاته السابقة ويقوم بتعديل اختياراته بناءً على تجارب جديدة وواسعة. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما قد تمسك برأي معين لفترة طويلة حول نوع معين من الطعام أو أسلوب حياة معين، فإن تجربته بأنماط جديدة قد تفتح أمامه خيارات أوسع.
5. التقييم المستمر والتعديل على المواقف
إن تقييم المواقف والقرارات بشكل مستمر يسمح للفرد بمراجعة خياراته وتحديثها بما يتناسب مع الظروف المتغيرة. التحيزات لا تكون ثابتة، بل يمكن أن تتغير بناءً على المعرفة الجديدة أو التجارب المختلفة. وبالتالي، يمكن للفرد أن يستفيد من هذا التغير المستمر في تقليص التحيزات وتعزيز الخيارات المتنوعة.
خاتمة
إن تحيز الاختيار هو أحد الظواهر النفسية التي تترابط بشكل وثيق مع كيفية اتخاذ القرارات في حياة الأفراد. إذا تم فهم هذه الظاهرة بشكل دقيق، يمكن استخدامها كأداة للاستفادة منها في توسيع دائرة الاختيارات وتجنب الوقوع في فخ التكرار أو التقليص المفرط للخيارات المتاحة. عبر التفكير النقدي، والتجريب المتنوع، وفتح الأفق لتقبل خيارات جديدة، يمكننا التغلب على تحيز الاختيار وتحقيق قرارات أكثر تنوعًا ودقة.
