من أين يُستخرج الجيلاتين: التركيب، المصادر، طرق الاستخلاص، والاستخدامات الصناعية والغذائية

يُعد الجيلاتين من المواد الحيوية التي تلعب دوراً محورياً في العديد من الصناعات، سواء في المجال الغذائي أو الدوائي أو حتى الصناعات التجميلية. وعلى الرغم من أنه يُستخدم بكثرة في الحياة اليومية، إلا أن القليلين فقط يعرفون تفاصيل استخراجه، تركيبه الكيميائي، مصادره الحيوانية، والعمليات التقنية الدقيقة التي يمر بها حتى يصبح مادة قابلة للاستهلاك أو الاستخدام في الصناعات المختلفة.

يتكوّن الجيلاتين من بروتينات مُشتقة من الكولاجين، وهو البروتين الهيكلي الرئيسي الموجود في الأنسجة الضامة للحيوانات، مثل الجلد، العظام، والغضاريف. هذه المادة تُستخلص عادةً من مصادر حيوانية باستخدام عمليات كيميائية وحرارية معينة، تُحوّل الكولاجين إلى جيلاتين ذائب وسهل الهضم والاستخدام. يُستخلص الجيلاتين غالبًا من الماشية والخنازير، وأحيانًا من الأسماك، مع اختلافات دقيقة في التركيب والخصائص تبعاً للمصدر وطريقة التصنيع.

أولاً: التركيب الكيميائي للجيلاتين

الجيلاتين هو بوليمر بروتيني غير متبلور مشتق من الكولاجين، ويحتوي على مجموعة واسعة من الأحماض الأمينية، أبرزها الجلايسين، البرولين، والهيدروكسي برولين. يتميّز الجيلاتين بقدرته على تشكيل هلام (gel) عند التبريد، وهي خاصية تمنحه أهميته في الصناعات الغذائية والطبية.

يحتوي الجيلاتين من الناحية الكيميائية على نسب مرتفعة من:

• الجلايسين (Glycine) بنسبة تصل إلى 33% تقريبًا.

• البرولين (Proline) والهيدروكسي برولين، وهي أحماض أمينية تساعد في منح البروتين صلابته.

• الغلوتاميك أسيد، وهو من الأحماض الأمينية المرتبطة بمذاق الأطعمة.

• نسبة قليلة جداً من الدهون والكربوهيدرات، مما يجعله مثالياً للاستخدام في الحميات الصحية.

الجيلاتين لا يحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، ولذلك لا يُعتبر بروتينًا كاملًا، لكنه يظل أحد البروتينات المفيدة للجلد، المفاصل، والأمعاء.

ثانياً: مصادر الجيلاتين الحيوانية

تُعد الحيوانات المصدر الرئيسي لاستخراج الجيلاتين، وغالبًا ما يتم استخدام الأجزاء التي لا تُستهلك بشكل مباشر من قِبل البشر. ومن أبرز هذه المصادر:

1. الماشية (الأبقار)

يُستخرج الجيلاتين من الأبقار عبر غلي العظام والجلود والأوتار في ظروف مُحددة. ويُعرف هذا النوع من الجيلاتين بأنه الأكثر استخداماً في الصناعات الغذائية والطبية في بعض الدول، لأنه يُعتبر بديلاً مناسبًا للجيلاتين المستخرج من الخنزير لأسباب دينية أو ثقافية.

2. الخنازير

يُستخرج الجيلاتين من جلد الخنازير بشكل أساسي، ويُستخدم بكثرة في الصناعات الغذائية والدوائية في الغرب. يُعرف هذا النوع بسهولة وسرعة تصنيعه، كما يتميز بخصائص جيلاتينية قوية.

3. الأسماك

الجيلاتين المستخرج من الأسماك يُعد بديلاً مناسبًا للنباتيين أو لأولئك الذين يتجنبون اللحوم الحمراء لأسباب دينية أو صحية. تُستخدم عظام الأسماك أو جلدها، ويتميز هذا الجيلاتين بدرجة ذوبان منخفضة وخصائص هلامية أقل قوة من تلك المستخرجة من الثدييات.

ثالثاً: طرق استخلاص الجيلاتين

تمر عملية استخراج الجيلاتين بعدة مراحل معقدة تشمل المعالجة الكيميائية، الغلي، التصفية، والتركيز. وتختلف الطريقة حسب المصدر الحيواني وطبيعة النسيج المُستخدم.

الطريقة الحمضية (Type A)

تُستخدم هذه الطريقة في العادة لاستخلاص الجيلاتين من جلد الخنازير. تعتمد على نقع المواد الخام في أحماض مخففة مثل حمض الهيدروكلوريك لتكسير الروابط بين ألياف الكولاجين. تستغرق هذه العملية من يوم إلى ثلاثة أيام.

الطريقة القاعدية (Type B)

تُستخدم هذه الطريقة غالبًا لاستخلاص الجيلاتين من عظام الأبقار أو جلودها. يتم نقع المواد الخام في محاليل قلوية مثل هيدروكسيد الكالسيوم أو هيدروكسيد الصوديوم لفترة أطول (حتى أسابيع)، لتليين الأنسجة وتكسير الروابط بين البروتينات.

المعالجة الحرارية

بعد المعالجة الكيميائية، يتم تسخين المواد الخام عند درجات حرارة عالية تتراوح بين 50-60 درجة مئوية لتحفيز انحلال الكولاجين وتحويله إلى جيلاتين. يُجمع المحلول الناتج ويتم ترشيحه وتنقيته من الشوائب.

التركيز والتجفيف

تُركّز محاليل الجيلاتين عبر التبخير أو التجفيف بالرش، وتتحول إلى مادة صلبة تُطحن لاحقاً لتُصبح مسحوقًا ناعمًا يُستخدم في التطبيقات المختلفة.

رابعاً: استخدامات الجيلاتين في الصناعات المختلفة

يُستخدم الجيلاتين في مجموعة واسعة من الصناعات بفضل خصائصه الفريدة، ومنها:

1. الصناعة الغذائية

يُستخدم الجيلاتين كمُكثّف، مُثبت، أو مُستحلب في عدد كبير من المنتجات مثل:

• الحلويات الهلامية (مثل الجيلي)

• المارشميلو

• الزبادي واللبن المُركّز

• الجبنة المُعالجة

• العصائر والمشروبات منخفضة السعرات

• الأطعمة المعلبة

2. الصناعات الدوائية

يلعب الجيلاتين دورًا محوريًا في تصنيع الكبسولات الصلبة والرخوة، حيث يستخدم لتغليف الأدوية والمكملات الغذائية. كما يُستخدم في تحضير بعض اللقاحات والأمصال. يتمتع الجيلاتين بقدرة كبيرة على التحلل في المعدة مما يجعله مناسبًا لتوصيل المواد الفعالة داخل الجسم.

3. الصناعات التجميلية

يُستخدم الجيلاتين في تحضير عدد من مستحضرات التجميل مثل:

• أقنعة الوجه الهلامية

• الكريمات المضادة للتجاعيد

• مستحضرات العناية بالبشرة والشعر

• مستحضرات تقوية الأظافر

4. الصناعات التقنية والفنية

يُستخدم الجيلاتين أيضًا في الصناعات غير الغذائية مثل:

• تصنيع الأغلفة الفوتوغرافية القديمة

• الأفلام السينمائية التقليدية

• الغراء الحيواني

• صناعة الورق المقوّى والكتب المذهبة

خامساً: الفرق بين الجيلاتين الحيواني والجيلاتين النباتي

رغم أن الجيلاتين مستخلص أساساً من مصادر حيوانية، إلا أن هناك محاولات حديثة لتقديم بدائل نباتية لأسباب أخلاقية، دينية أو صحية. من أبرز البدائل:

رغم فعالية هذه البدائل، فإنها لا تمنح الخصائص المرنة والمتماسكة نفسها التي يوفرها الجيلاتين الحيواني، لذلك تبقى محدودة في بعض التطبيقات.

سادساً: اعتبارات دينية وأخلاقية حول الجيلاتين

يُعد الجيلاتين المستخرج من الخنازير أو الحيوانات غير المُذَكّاة حسب الشريعة الإسلامية والديانة اليهودية غير مقبول دينيًا، مما دفع العديد من المؤسسات إلى تطوير أنواع جيلاتين حلال أو كوشير، سواء باستخدام مصادر أبقار مذبوحة وفقًا للأحكام الشرعية، أو باستعمال جيلاتين الأسماك أو بدائل نباتية.

بعض الدول والمؤسسات تتطلب التوثيق الرسمي لمصدر الجيلاتين، مما شجّع على تطور سوق عالمي للجيلاتين الحلال والمعتمد.

سابعاً: القيم الغذائية والفوائد الصحية للجيلاتين

يُقدّم الجيلاتين فوائد صحية ملحوظة بسبب احتوائه على نسبة عالية من الكولاجين والأحماض الأمينية، منها:

• تحسين صحة الجلد: يُساعد الكولاجين في الحفاظ على نضارة الجلد ومرونته.

• دعم المفاصل والعظام: يُحسّن الجيلاتين من صحة المفاصل ويُقلّل من آلام المفاصل الناتجة عن الالتهابات.

• تحسين الهضم: يعمل على تقوية بطانة الأمعاء، ما يُفيد مرضى القولون العصبي والتهابات الأمعاء.

• تقوية الشعر والأظافر: يُساهم في زيادة سمك الشعر وصلابة الأظافر.

• مكمل غذائي في الحميات: بسبب قلة الدهون والسعرات الحرارية.

خاتمة

الجيلاتين مادة بروتينية ذات أهمية صناعية وغذائية كبيرة، تستمد أهميتها من قدرتها الفريدة على تشكيل الهلام وتحسين قوام الأطعمة والمستحضرات الطبية. وبالرغم من تعدد مصادره الحيوانية، فإن التطور في التكنولوجيا الحيوية والصناعات الغذائية أتاح توفير بدائل نباتية له، ما يجعله مكونًا متعدد الأبعاد ومناسبًا لمجموعة واسعة من المستهلكين. فهم آلية استخلاص الجيلاتين ومصادره يُعد ضروريًا خاصة في ظل تزايد الطلب العالمي على المنتجات الحلال والنباتية.

المراجع:

1. Gelatin Handbook: Theory and Industrial Practice – Gerhard Müller, Gerhard A. Müller, Springer, 2002

2. Food Hydrocolloids Journal – Elsevier, https://www.journals.elsevier.com/food-hydrocolloids