الاستجابات الأربع للأخبار الجيّدة حسب غابل (Gabel)
مقدمة
عندما نتلقّى أخبارًا جيّدة، لا تكون الاستجابة لها موحّدة بين الأفراد. فالتفاعل مع الخبر السار يتأثر بعدد من العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تختلف من شخص لآخر. ومن بين النظريات التي تناولت هذا الموضوع، تأتي نظرية “الاستجابات الأربع للأخبار الجيّدة” التي وضعها جابيل (Gabel)، التي تعكس كيفية تفاعل الأفراد مع الأخبار الإيجابية. يتضح من خلال هذه النظرية أن الأشخاص لا يتعاملون مع الأخبار الجيّدة بنفس الطريقة، بل تظهر استجابات متباينة يمكن تصنيفها إلى أربع فئات رئيسية. يهدف هذا المقال إلى استكشاف هذه الاستجابات، تحليلها، وتوضيح تأثيراتها النفسية والاجتماعية.
الاستجابة الأولى: الاستجابة العاطفية المفرطة
أول نوع من الاستجابات التي حددها جابيل هو الاستجابة العاطفية المفرطة. في هذه الحالة، يشعر الشخص بفرح غامر وحماسة شديدة عند تلقي الخبر السار. يمكن أن يكون هذا النوع من الاستجابة مصحوبًا بمشاعر مثل السعادة المتفجرة أو حتى الهستيريا، حيث يعبر الشخص عن فرحه بطريقة فوضوية وغير متوازنة في بعض الأحيان. هذه الاستجابة قد تكون غالبًا مبالغ فيها، وتنعكس في سلوكيات مثل القفز، والضحك العالي، والتفاعل بشكل مفرط مع الآخرين.
هذه الاستجابة العاطفية المفرطة قد تنبع من شعور بالراحة النفسية التي نشأت عن خبر سار يخفف من التوتر أو القلق الذي كان الشخص يعيشه. أيضًا، يساهم تأثيرها في تقوية الروابط الاجتماعية مع الآخرين، حيث يمكن أن تؤدي إلى مشاركة الخبر مع الأصدقاء والعائلة بشكل مفرط أو حتى تكرار الحديث عنه بشكل لا شعوري. على الرغم من أنها قد تعطي شعورًا فوريًا بالراحة، إلا أن هذه الاستجابة قد لا تستمر طويلًا، وقد تكون عرضة للانتكاس عندما يبدأ الشخص في العودة إلى الواقع بعد فترة من الفرح المؤقت.
الاستجابة الثانية: الاستجابة العقلانية المحايدة
الاستجابة الثانية التي طرحها جابيل هي الاستجابة العقلانية المحايدة. في هذه الحالة، لا يظهر الشخص مشاعر مفرطة من الفرح، بل يتعامل مع الخبر الجيد بطريقة منطقية وعقلانية. يكون الشخص في هذه الاستجابة أكثر تقبلاً للأخبار، ولكن دون أن تظهر عليه ردود فعل عاطفية مفرطة. إنه يتعامل مع الخبر باعتباره تطورًا طبيعيًا أو نتيجة متوقعة لجهوده السابقة أو للأحداث المحيطة به.
هذه الاستجابة يمكن أن تنبع من شخصية عقلانية أو من شخص معتاد على التعامل مع الأمور بطريقة متوازنة وواقعية. لا يعني ذلك أن الشخص لا يشعر بالسعادة أو الفرح، ولكن رد فعله يكون أكثر هدوءًا وموضوعية. قد يظهر هذا الشخص بابتسامة هادئة أو تعبير مريح، وقد يناقش الأمر من منظور تحليلي أو استراتيجي مع الآخرين. هذه الاستجابة قد تكون شائعة في البيئات المهنية أو الأكاديمية حيث يُتوقع من الأفراد أن يتعاملوا مع الأخبار الجيّدة بتوازن وعقلانية.
الاستجابة الثالثة: الاستجابة المشككة أو الحذرية
الاستجابة الثالثة التي عرضها جابيل هي الاستجابة المشككة أو الحذرية. في هذه الحالة، قد يظهر الشخص بعض التحفظ أو الشكوك عند تلقيه الخبر السار. على الرغم من أن الخبر قد يكون إيجابيًا، إلا أن الشخص قد يشعر بعدم الارتياح أو قد يبدأ في التفكير في الآثار المحتملة السلبية التي قد تنشأ عن الخبر.
يمكن أن يتساءل الشخص عن مصداقية الخبر أو مدى استمراريته. قد يظهر هذا الشخص حذرًا في إظهار الفرح أو قد يحتاج إلى وقت لفحص تفاصيل الخبر بشكل أعمق قبل أن يصدق تمامًا مدى تأثيره. هذه الاستجابة قد تكون مرتبطة بالأشخاص الذين عايشوا تجارب سابقة جعلتهم يطورون نوعًا من الحذر عند تلقي الأخبار الجيّدة. أيضًا، قد يعكس هذا النوع من الاستجابة التوتر الناتج عن الخوف من أن تكون الفرح المؤقت مجرد خدعة أو أن يعقب الخبر بعض التحديات المستقبلية. في بعض الأحيان، قد ينتاب الشخص شعور بالقلق المتعلق بتوقعات غير مبررة أو حتى الخوف من فقدان ما تم الحصول عليه.
الاستجابة الرابعة: الاستجابة المستسلمة أو غير المتفاعلة
أما الاستجابة الرابعة التي حددها جابيل فهي الاستجابة المستسلمة أو غير المتفاعلة. في هذه الاستجابة، قد يظهر الشخص رد فعل قليل أو معدوم تجاه الخبر الجيّد. يبدو الشخص غير مبالي أو حتى غير متأثر بالخبر السار. قد يقتصر تفاعله على إيماءة أو رد فعل بسيط دون أن يتعمق في الموضوع أو يظهر أي إشارات واضحة للفرح.
يمكن أن يكون هذا النوع من الاستجابة ناتجًا عن الإحباط المزمن أو صعوبات نفسية جعلت الشخص لا يهتم كثيرًا بالفرح المؤقت. في بعض الحالات، قد يكون الشخص قد مر بتجارب محبطة في الماضي تجعله يواجه الأخبار الجيّدة بتشكك أو قلة حوافز. قد يكون أيضًا نتيجة لبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، حيث يكون الشخص غير قادر على الشعور بالفرح حتى في الظروف التي يتوقع منها عادة الفرح. في هذه الحالات، لا يكون الشخص قادرًا على الاستمتاع بما يحدث في اللحظة، ولا يعبر عن سعادته بشكل طبيعي.
العوامل المؤثرة في الاستجابة للأخبار الجيّدة
من الجدير بالذكر أن الاستجابة للأخبار الجيّدة لا تحدث في فراغ، بل هي متأثرة بعدد من العوامل النفسية والشخصية والبيئية. على سبيل المثال، قد تؤثر العوامل التالية في نوع الاستجابة التي قد يظهرها الفرد:
-
الشخصية: الأفراد الذين يميلون إلى التفاؤل والمرونة النفسية قد يظهرون استجابة أكثر إيجابية تجاه الأخبار الجيّدة. بينما قد يظهر الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من القلق أو الاكتئاب ردود فعل أكثر حذرًا أو غير متفاعلة.
-
الخبرات السابقة: الأشخاص الذين مروا بتجارب سابقة مؤلمة قد يكونون أكثر حذرًا في التفاعل مع الأخبار الجيّدة. قد يكون لديهم خوف من الفقدان أو قد لا يثقون بسهولة في الأخبار الإيجابية.
-
البيئة الاجتماعية: الدعم الاجتماعي يمكن أن يعزز من استجابة الفرد للأخبار الجيّدة. إذا كان الفرد محاطًا بأشخاص يدعمونه ويشجعونه على الاحتفال بالأخبار الجيّدة، فقد يكون ذلك محفزًا لتفاعل أكثر إيجابية.
-
التوقعات المستقبلية: إذا كان الشخص يتوقع أن يكون الخبر الجيّد نقطة انطلاق لتحسين حياته بشكل مستدام، فقد يظهر استجابة أكثر تفاؤلًا وحماسًا. أما إذا كان الشخص يتوقع أن تكون هذه الأخبار مجرد حدث عابر، فقد تكون الاستجابة أقل حدة.
الخاتمة
تعكس استجابات الأفراد للأخبار الجيّدة تنوعًا كبيرًا في طريقة التعامل مع الأحداث الإيجابية. من خلال النظر في الاستجابات الأربع التي اقترحها غابل (Gabel)، يتضح أن استجابة الشخص للأخبار الجيّدة تعتمد على مزيج من العوامل النفسية والشخصية والبيئية. كما تبين أن الأخبار الجيّدة لا تثير دائمًا نفس التأثيرات على الجميع، حيث يمكن أن يتراوح التفاعل من فرح مفرط إلى شكوك أو حتى لامبالاة.
فهم هذه الاستجابات يمكن أن يساعد في تعزيز التواصل الاجتماعي وفهم أعمق لردود فعل الآخرين في مواقف مماثلة. كما يمكن أن يكون له تطبيقات في مجالات مثل الاستشارات النفسية، والعمل الجماعي، والقيادة، حيث يمكن توجيه التفاعلات بشكل أفضل بناءً على فهم ردود الفعل العاطفية والنفسية للأفراد.
