ارتفاع حرارة الجسم ليلاً

ارتفاع درجة حرارة الجسم ليلاً: الأسباب، المضاعفات، وطرق العلاج

يُعد ارتفاع درجة حرارة الجسم ليلاً أحد الأعراض التي كثيراً ما تثير القلق لدى المرضى، نظراً لأنه قد يُشير إلى اضطرابات مرضية كامنة، أو تغيرات فسيولوجية غير طبيعية في الجسم. هذه الحالة لا ينبغي تجاهلها خاصة إذا تكررت على مدى أيام أو أسابيع. ارتفاع درجة الحرارة أثناء الليل يختلف عن الحمى العادية من حيث توقيته، وأسبابه المحتملة، وطبيعة التفاعل المناعي الذي يقف وراءه، ما يتطلب فهماً عميقاً لطبيعته وتشخيصه وعلاجه.

آلية تنظيم درجة حرارة الجسم

الجسم البشري مزود بنظام دقيق لضبط درجة حرارته الداخلية، يعرف باسم “الثرموستات” المركزي، ويتمركز هذا النظام في منطقة تحت المهاد في الدماغ (الهيبوثالاموس). هذا النظام يعمل على إبقاء حرارة الجسم ضمن نطاق مثالي يتراوح بين 36.1 و37.2 درجة مئوية. خلال ساعات النهار، تحدث تغيرات طفيفة في درجة الحرارة لأسباب تتعلق بالإجهاد، النشاط البدني، أو العوامل البيئية. أما أثناء الليل، فمن الطبيعي أن تنخفض الحرارة قليلاً لتُهيئ الجسم للنوم، لكن في بعض الحالات ترتفع بدلاً من ذلك.

الأسباب الشائعة لارتفاع درجة الحرارة ليلاً

1. العدوى المزمنة أو الكامنة

العدوى البكتيرية أو الفيروسية المزمنة مثل السل الرئوي، أو الالتهابات البولية غير المعالجة، قد تسبب ارتفاعاً في درجة الحرارة ليلاً. الجهاز المناعي يستجيب لهذه الالتهابات بإطلاق وسائط التهابية مثل الإنترلوكين-1 والإنترفيرونات التي تعمل على رفع الحرارة كجزء من عملية الدفاع.

2. السرطانات وخاصة اللمفوما وسرطان الدم

يُعد التعرق الليلي المصحوب بارتفاع في درجة الحرارة أحد العلامات التحذيرية لوجود أورام خبيثة، خاصة اللمفوما اللاهودجكينية وسرطان الدم. السبب في ذلك يرجع إلى إفراز الخلايا السرطانية لمواد بيوكيميائية تخل بتوازن الحرارة في الجسم.

3. الاضطرابات المناعية الذاتية

أمراض مثل الذئبة الحمراء الجهازية أو التهاب المفاصل الروماتويدي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع حراري ليلي، نتيجة الالتهاب المفرط وتفاعلات المناعة الذاتية التي تنشط في أوقات الراحة.

4. العدوى الفيروسية الموسمية

مثل الإنفلونزا، وحمى الضنك، وكوفيد-19، التي قد تبدأ أعراضها بارتفاع حرارة في الليل مع تعب شديد وتعرق.

5. تناول بعض الأدوية

بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب، أدوية ارتفاع الضغط، أو بعض المضادات الحيوية قد تسبب اضطراباً في مراكز تنظيم الحرارة، وهو ما يعرف بـ “الحمى الدوائية”.

6. اضطرابات الغدد الصماء

مثل فرط نشاط الغدة الدرقية الذي يُسبب زيادة في معدل الأيض وإنتاج حرارة زائدة، غالباً ما تكون واضحة خلال الليل.

7. انقطاع الطمث لدى النساء

بسبب التغيرات الهرمونية الحادة، خصوصاً انخفاض مستوى الإستروجين، تعاني الكثير من النساء من الهبّات الساخنة المصحوبة بتعرق وارتفاع طفيف في درجة الحرارة ليلاً.

8. الضغوط النفسية والقلق الليلي

الحالة النفسية تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المستقل الذي ينظم الحرارة. حالات القلق والتوتر المفرط قد تؤدي إلى ارتفاع الحرارة دون وجود عدوى أو سبب عضوي ظاهر.

الآليات البيولوجية لارتفاع الحرارة ليلاً

خلال النوم، تنخفض درجة حرارة الجسم كجزء من الدورة اليومية للحرارة (Circadian Rhythm). لكن عند حدوث خلل في إفراز النواقل العصبية أو الهرمونات المنظمة مثل السيروتونين، الميلاتونين، والكورتيزول، يختل هذا التوازن مما يؤدي إلى ارتفاع الحرارة. إضافة إلى ذلك، في حالات الالتهاب، تزداد نفاذية الحاجز الدموي الدماغي وتصل مواد التهابية إلى الدماغ لتعيد ضبط نقطة الحرارة في مركز الثرموستات، فترتفع الحرارة بشكل غير طبيعي.

العلاقة بين ارتفاع الحرارة ليلاً والنوم

ارتفاع درجة حرارة الجسم ليلاً قد يؤثر سلباً على جودة النوم ويؤدي إلى الأرق أو الاستيقاظ المتكرر، ما يزيد من التعب خلال النهار. النوم العميق يتطلب انخفاض حرارة الجسم الداخلي، وعند ارتفاعها، تحدث اضطرابات في مراحل النوم العميق والموجات البطيئة.

التشخيص الطبي لارتفاع الحرارة الليلي

التشخيص يتطلب جمع بيانات سريرية ومخبرية دقيقة تشمل:

• التاريخ الطبي الكامل: لمعرفة إذا ما كانت هناك أمراض مزمنة، أو استخدام لأدوية معينة، أو تعرض لعدوى.

• الفحص السريري التفصيلي: يشمل فحص الغدد، الكبد، الطحال، العقد اللمفاوية، والجلد.

• تحاليل مخبرية شاملة:

  • العد الدموي الكامل (CBC)

  • معدل ترسيب كريات الدم الحمراء (ESR)

  • تحليل وظائف الكبد والكلى

  • اختبار السل

  • تحاليل مناعية (ANA, RF, CRP)

  • مزرعة بول ودم

• تصوير شعاعي مثل الأشعة السينية، أو الأشعة المقطعية إذا لزم الأمر.

المضاعفات المحتملة لارتفاع الحرارة الليلي المزمن

• نقصان الوزن غير المفسر

• الإرهاق المزمن

• ضعف المناعة

• الإصابة بالجفاف بسبب التعرق الليلي

• تدهور نوعية الحياة والنوم

• اكتشاف أمراض خبيثة متقدمة في وقت متأخر

جدول: مقارنة بين الأسباب الشائعة لارتفاع الحرارة ليلاً

العلاج والوقاية

أولاً: علاج السبب الأساسي

يعتمد العلاج على تحديد السبب بدقة، إذ إن إعطاء خافضات حرارة فقط لا يكفي. تشمل العلاجات الممكنة:

• المضادات الحيوية في حالات العدوى البكتيرية

• العلاج المناعي أو الكورتيزونات في أمراض المناعة الذاتية

• العلاج الكيميائي أو الإشعاعي في حالات السرطان

• الأدوية المضادة للقلق في حال وجود سبب نفسي

• علاج اضطرابات الغدد مثل فرط الدرقية

ثانياً: العلاج الداعم والتحكّم في الأعراض

• استخدام خافضات الحرارة مثل الباراسيتامول

• ترطيب الجسم جيداً بالماء والسوائل

• تقليل تناول الكافيين والمنبهات قبل النوم

• توفير بيئة نوم باردة وجيدة التهوية

ثالثاً: المراقبة والمتابعة الدورية

من المهم تتبع درجة الحرارة يومياً باستخدام مقياس حرارة دقيق، وتدوين وقت الارتفاع ومدته، لتمكين الطبيب من الحصول على سجل شامل يساعد في التشخيص.

الخلاصة

ارتفاع درجة حرارة الجسم ليلاً ليس عرضاً عابراً، بل قد يكون علامة على مرض مزمن أو خطير يتطلب التدخل العلاجي المناسب. إن فهم الأسباب المحتملة، والتمييز بين الحالات الحميدة والخطيرة، والتوجه السريع إلى التشخيص الطبي الدقيق، يمثل خطوات أساسية لحماية المريض وتحقيق الشفاء. الاعتماد على العلاج العشوائي أو تجاهل الأعراض قد يؤدي إلى تفاقم الحالة وحدوث مضاعفات صحية خطيرة.

المراجع:

1. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 21st Edition. McGraw-Hill Education.

2. Mayo Clinic – Night sweats and fever. https://www.mayoclinic.org/