ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

تُعدّ حالة ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد من الظواهر الصحية التي يمر بها الإنسان في مراحل مختلفة من حياته، وهي تجربة جسدية معقدة تنطوي على تفاعل متداخل بين نظام تنظيم الحرارة في الجسم وعوامل بيولوجية متعددة. يتجلى هذا الاضطراب في ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى) مع الإحساس بالقشعريرة والبرد، على الرغم من أن الجسم في حالة ارتفاع حرارته الداخلية، مما يثير تساؤلات طبية مهمة حول آلية حدوث ذلك، وأسبابه، وكيفية التعامل معه صحياً.

مفهوم ارتفاع حرارة الجسم والشعور بالبرد

ارتفاع حرارة الجسم أو الحمى هو استجابة فسيولوجية طبيعية للجسم تجاه وجود عدوى أو التهاب أو اضطراب في التوازن الحراري. تنجم الحمى عن تغير في نقطة ضبط درجة حرارة الجسم في مركز تنظيم الحرارة الموجود في منطقة تحت المهاد بالمخ، حيث يقوم الجسم برفع درجة حرارته لمكافحة العوامل الممرضة، مثل الفيروسات أو البكتيريا.

على الجانب الآخر، يشعر الشخص بالبرد أو القشعريرة عندما يحاول الجسم رفع حرارته إلى المستوى الجديد المطلوب. تحدث القشعريرة نتيجة انقباض عضلات الجسم السريع والمتكرر، مما يساعد على توليد حرارة إضافية. هذا الشعور بالبرد رغم ارتفاع درجة حرارة الجسم هو تعبير عن أن الجسم لا يزال في مرحلة تعديل وضبط درجة حرارته، وهو رد فعل طبيعي ومنسجم مع آلية الحمى.

الفسيولوجيا وراء ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

عندما تصاب خلايا الجسم بعدوى أو التهابية، تفرز هذه الخلايا جزيئات كيميائية تعرف بالبيروجينات (Pyrogens)، والتي تؤثر على مركز تنظيم الحرارة في تحت المهاد. تؤدي هذه المواد إلى رفع نقطة ضبط الحرارة في الجسم (Set point) إلى مستوى أعلى من الطبيعي، مثلاً من 37 درجة مئوية إلى 39 درجة مئوية.

نتيجة لهذا الارتفاع المفاجئ في نقطة الضبط، يبدأ الجسم بالشعور بالبرد كعلامة على أن درجة حرارته الحالية أقل من المطلوب. ينتج عن ذلك انقباض العضلات المسبب للقشعريرة، محاولة لرفع درجة حرارة الجسم إلى نقطة الضبط الجديدة.

بالتالي، تكون الحمى مصحوبة بفترتين رئيسيتين:

1. مرحلة القشعريرة أو البرد: حيث يشعر الجسم بالبرودة، ويرتجف لتوليد حرارة.

2. مرحلة التعرق: عندما يصل الجسم إلى درجة الحرارة الجديدة، يبدأ الجسم بالتعرق للتخلص من الحرارة الزائدة إذا استمر ارتفاعها.

الأسباب الشائعة لارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

1. العدوى البكتيرية والفيروسية

تعتبر العدوى السبب الأكثر شيوعاً لارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد. الأمراض الفيروسية مثل الإنفلونزا، نزلات البرد، فيروس كورونا، والعدوى البكتيرية مثل التهاب الحلق، الالتهاب الرئوي، والتهابات المسالك البولية، كلها تؤدي إلى استجابة مناعية ترفع حرارة الجسم.

2. الأمراض الالتهابية والمناعية

في بعض الحالات، تسبب أمراض المناعة الذاتية والالتهابات المزمنة ارتفاع الحرارة مع قشعريرة، كمرض الذئبة الحمراء، التهاب المفاصل الروماتويدي، والتهابات الأنسجة المختلفة.

3. التفاعلات الدوائية واللقاحات

بعض الأدوية أو اللقاحات قد تحفز استجابة مناعية مشابهة تؤدي إلى الحمى والشعور بالبرد، كرد فعل طبيعي للجسم.

4. التسمم أو التهابات الجهاز الهضمي

حالات التسمم الغذائي أو الالتهابات المعوية تؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم مع أعراض مصاحبة مثل الغثيان والقشعريرة.

5. أسباب أخرى

• اضطرابات الغدة الدرقية.

• بعض أنواع السرطان، خاصة اللمفوما واللوكيميا.

• التعرض للطقس البارد مع وجود حرارة داخلية مرتفعة نتيجة أسباب مرضية.

الأعراض المصاحبة لارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

بالإضافة إلى ارتفاع الحرارة والقشعريرة، قد تظهر أعراض أخرى تدل على حالة الجسم العامة، منها:

• التعرق الشديد بعد فترة القشعريرة.

• الإرهاق والضعف العام.

• صداع الرأس.

• ألم العضلات والمفاصل.

• فقدان الشهية.

• زيادة معدل ضربات القلب.

• أحياناً غثيان أو قيء.

كيف يتم تشخيص حالة ارتفاع الحرارة مع الشعور بالبرد؟

يبدأ التشخيص بسؤال المريض عن مدة الأعراض، وتاريخ بداية الحمى، وجود أمراض مزمنة، الأدوية المستخدمة، وأي أعراض مصاحبة. يتبع ذلك الفحص السريري الذي يشمل قياس درجة الحرارة بدقة، فحص الجلد، التنفس، القلب، وفحص الغدد الليمفاوية.

قد يتطلب التشخيص في بعض الحالات إجراء تحاليل مخبرية تشمل:

• تحاليل دم كاملة (CBC) لتحديد وجود التهاب أو عدوى.

• زراعة الدم أو البول للكشف عن بكتيريا.

• فحوصات تصويرية (كالصور الشعاعية للصدر) عند وجود أعراض تنفسية.

• تحاليل أخرى حسب الحالة مثل فحوصات مناعية أو هرمونية.

العلاج والرعاية الطبية

يركز العلاج على معالجة السبب الأساسي لارتفاع حرارة الجسم، وكذلك تخفيف أعراض الحمى والشعور بالبرد. وتتضمن الخيارات العلاجية:

1. الأدوية الخافضة للحرارة

• الباراسيتامول (Acetaminophen) من أشهر الأدوية المستخدمة لتخفيض الحرارة.

• الإيبوبروفين (Ibuprofen) الذي يخفف أيضاً من الألم والالتهاب.

2. الراحة والترطيب

الراحة الكافية تعزز مناعة الجسم، وشرب السوائل بكثرة يعوض فقدان الماء بسبب التعرق.

3. التدابير المنزلية

• ارتداء ملابس خفيفة أو استخدام بطانيات حسب الحاجة.

• تجنب البيئات الحارة أو الباردة جداً.

• استخدام كمادات باردة على الجبهة أو الرقبة.

4. علاج السبب الأساسي

في حالات العدوى البكتيرية، يصف الطبيب المضادات الحيوية. في حالات الالتهاب المناعي، قد يحتاج المريض إلى أدوية مضادة للالتهاب أو مثبطات مناعية.

المضاعفات المحتملة

في حالة عدم معالجة السبب، قد تتطور الحمى المرتفعة مع الشعور بالبرد إلى مضاعفات خطيرة، خصوصاً عند الأطفال وكبار السن، مثل:

• نوبات حمى (تشنجات حرارية) عند الأطفال.

• تفاقم العدوى أو انتقالها إلى أجهزة أخرى.

• الجفاف الشديد بسبب التعرق وفقدان السوائل.

• تدهور الحالة الصحية العامة.

الوقاية من ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

الوقاية تعتمد على تقليل فرص الإصابة بالعوامل الممرضة وتحسين المناعة، من خلال:

• الالتزام بالتطعيمات الدورية.

• غسل اليدين بانتظام.

• تجنب الاختلاط مع المصابين بالأمراض المعدية.

• تناول غذاء متوازن غني بالفيتامينات والمعادن.

• المحافظة على نظافة البيئة.

جدول يوضح أسباب وأعراض وعلاجات ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد

يُعد ارتفاع حرارة الجسم مع الشعور بالبرد حالة شائعة تعكس تفاعل الجسم مع اضطرابات صحية متعددة، وفهم آليتها وطرق التعامل معها يساهم في الحد من مضاعفاتها وتحسين جودة الحياة. يبقى التشخيص الدقيق والاهتمام بالعلاج المبكر من أساسيات مواجهة هذه الحالة بفعالية.

المصادر والمراجع

• Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, McGraw-Hill Education, 2018.

• Mayo Clinic Staff. Fever. Mayo Clinic. https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/fever/symptoms-causes/syc-20352759