احتياج الطفل اليومي من الحديد

هل يحصل طفلك على حاجته اليومية من الحديد؟

يُعد الحديد من العناصر الأساسية لنمو الطفل السليم وتطوره الجسدي والعقلي، ويلعب دورًا حاسمًا في تكوين خلايا الدم الحمراء، ونقل الأوكسجين إلى خلايا الجسم، وتعزيز وظائف الدماغ والجهاز المناعي. وعندما لا يحصل الطفل على كفايته اليومية من هذا المعدن، يمكن أن يتعرض لمجموعة من المشكلات الصحية الخطيرة، من أبرزها فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، والذي يُعد من أكثر اضطرابات التغذية شيوعًا لدى الأطفال على مستوى العالم، وخاصة في البلدان النامية.

يتطلب فهم أهمية الحديد أن نتناول دوره البيولوجي الحيوي، والمصادر الطبيعية للحصول عليه، والمؤشرات التي تدل على نقصه، إلى جانب الاحتياجات اليومية التي تختلف باختلاف عمر الطفل، وكذلك تأثير التغذية غير المتوازنة على مستويات هذا العنصر الضروري في جسم الطفل.

أهمية الحديد لنمو الطفل

الحديد ضروري لإنتاج الهيموغلوبين، وهو بروتين موجود في خلايا الدم الحمراء مسؤول عن نقل الأوكسجين من الرئتين إلى باقي أجزاء الجسم. كما يساهم في تكوين الميوغلوبين، وهو بروتين يساعد العضلات على تخزين الأوكسجين واستخدامه. إضافة إلى ذلك، يشارك الحديد في العديد من الوظائف الحيوية، منها:

• تعزيز التطور العصبي: يلعب الحديد دورًا أساسيًا في تطور الدماغ لدى الرضع والأطفال. ويُعد نقص الحديد خلال السنوات الأولى من العمر عاملًا مؤثرًا في تأخر النمو المعرفي والسلوكي.

• دعم الجهاز المناعي: الحديد يعزز وظائف المناعة، مما يُمكن الجسم من مقاومة العدوى والأمراض.

• إنتاج الطاقة: يُستخدم الحديد في العمليات الأيضية داخل الخلايا، ما يجعله ضروريًا لإنتاج الطاقة التي يحتاجها الجسم للنمو والنشاط اليومي.

الاحتياجات اليومية من الحديد حسب الفئة العمرية

تختلف حاجة الأطفال للحديد تبعًا لمرحلتهم العمرية. يوضح الجدول التالي الكميات الموصى بها يوميًا من الحديد للأطفال حسب توصيات منظمة الصحة العالمية ومعاهد الصحة الوطنية الأمريكية:

تجدر الإشارة إلى أن الرضع الذين يولدون بوزن منخفض أو قبل الأوان قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بنقص الحديد، ويحتاجون إلى متابعة دقيقة من قبل الطبيب المختص.

مصادر الحديد في النظام الغذائي

تنقسم مصادر الحديد في الغذاء إلى نوعين رئيسيين:

1. الحديد الهيمي (Heme Iron): وهو الحديد الموجود في المنتجات الحيوانية، ويمتصه الجسم بكفاءة أعلى. من أبرز مصادره:

   • اللحوم الحمراء (الكبد، اللحم البقري)

   • الدجاج

   • الأسماك (السردين، التونة)

   • الكبدة

2. الحديد غير الهيمي (Non-heme Iron): ويوجد في المصادر النباتية ويمتصه الجسم بنسبة أقل، لكن يمكن تعزيز امتصاصه عن طريق تناوله مع فيتامين C. من أهم مصادره:

   • العدس

   • الفاصولياء

   • الحمص

   • السبانخ

   • الحبوب المدعمة بالحديد

   • الخبز الأسمر

وتُعد الرضاعة الطبيعية خلال الستة أشهر الأولى مصدرًا كافيًا للحديد للرضيع إذا كانت الأم تتمتع بمستوى صحي منه، إلا أنه يجب إدخال مصادر غذائية غنية بالحديد عند البدء في إدخال الأطعمة الصلبة.

عوامل تؤثر في امتصاص الحديد

يجب على الآباء أن يدركوا أن ليس كل الحديد الذي يُستهلك يُمتص بكفاءة. هناك عوامل تعزز أو تعيق امتصاص الحديد، منها:

• العوامل المحفزة للامتصاص:

  • فيتامين C (الحمضيات، الفراولة، الطماطم)

  • البروتينات الحيوانية

• العوامل المثبطة للامتصاص:

  • الكالسيوم (تناول الحليب أو الألبان مع وجبات الحديد)

  • الفيتات الموجودة في الحبوب الكاملة والبقوليات

  • البوليفينولات في الشاي والقهوة

لذلك يُنصح بتقديم العصائر الحمضية إلى جانب وجبات الحديد النباتية، وتجنب تقديم الشاي أو الحليب مع الوجبة ذاتها.

علامات نقص الحديد عند الأطفال

يمكن أن تظهر أعراض نقص الحديد تدريجيًا وبشكل غير واضح في البداية، وقد تشمل:

• الإرهاق والضعف العام

• شحوب البشرة

• سرعة ضربات القلب

• ضعف الشهية

• تقلبات مزاجية واضحة أو عصبية

• ضعف التركيز والانتباه

• تأخر النمو الحركي أو العقلي

• هشاشة الأظافر وتساقط الشعر

• الرغبة في تناول أشياء غير غذائية (مثل الطين أو الثلج) في حالة تُعرف باسم “بيكا – Pica”

وفي المراحل المتقدمة، يمكن أن يتطور نقص الحديد إلى فقر دم (أنيميا نقص الحديد)، مما يستدعي تدخلاً طبيًا سريعًا لمنع مضاعفات صحية خطيرة.

مضاعفات نقص الحديد على المدى الطويل

نقص الحديد المزمن، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، يمكن أن يُلحق أضرارًا دائمة في النمو العقلي والسلوكي. وتشمل المضاعفات:

• ضعف في القدرات المدرسية

• انخفاض مستويات الذكاء

• مشاكل في السلوك والانضباط

• تراجع في المناعة وزيادة معدلات العدوى

• ضعف العضلات والقدرة على ممارسة الأنشطة البدنية

ويُظهر العديد من الأطفال الذين يعانون من فقر الدم تحسنًا ملحوظًا في الأداء المعرفي عند معالجة النقص في الوقت المناسب، غير أن التأخير في التشخيص يمكن أن يجعل بعض الأضرار غير قابلة للتعويض.

التشخيص والمتابعة الطبية

يعتمد تشخيص نقص الحديد على الفحص السريري إلى جانب تحاليل الدم التي تُظهر مؤشرات مثل:

• انخفاض نسبة الهيموغلوبين (Hemoglobin)

• انخفاض نسبة الهيماتوكريت (Hematocrit)

• انخفاض نسبة الفيريتين (Ferritin)

• ارتفاع سعة ارتباط الحديد الكلية (TIBC)

يوصى بإجراء هذه الفحوصات للأطفال المعرضين للخطر، أو الذين تظهر عليهم أعراض نقص الحديد، أو من لديهم نظام غذائي فقير بالعناصر الأساسية.

الطرق الفعالة للوقاية

للوقاية من نقص الحديد عند الأطفال، يُفضل اتباع ما يلي:

• تشجيع الرضاعة الطبيعية خلال الأشهر الستة الأولى.

• بدء إدخال الأطعمة الغنية بالحديد بدءًا من عمر 6 أشهر.

• إعطاء مكملات الحديد للرضع المولودين بوزن منخفض وفقًا لإرشادات الطبيب.

• الحد من تناول الحليب البقري الكامل قبل عمر سنة.

• التركيز على الأطعمة المدعمة بالحديد.

• تعزيز امتصاص الحديد بإضافة فيتامين C إلى النظام الغذائي.

• الفحص الدوري لمستويات الحديد لدى الأطفال المعرضين للخطر.

المكملات الغذائية ودورها

في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بمكملات الحديد على شكل قطرات أو شراب للأطفال، خاصة إن كان مستوى الحديد منخفضًا أو عند وجود مشكلات في الامتصاص. يجب أن تُعطى هذه المكملات تحت إشراف طبي صارم لتفادي التسمم الحديدي أو الآثار الجانبية مثل الإمساك وآلام المعدة.

دور التوعية الأسرية

يلعب وعي الأهل دورًا محوريًا في الوقاية من فقر الدم لدى الأطفال، لا سيما في البيئات التي يقل فيها التنوع الغذائي. وتكمن أهمية التثقيف الصحي في تدريب الآباء على فهم علامات النقص ومبادئ التغذية السليمة، إلى جانب أهمية المتابعة الدورية مع الطبيب.

الخاتمة

تلبية حاجة الطفل اليومية من الحديد تمثل دعامة رئيسية في بناء صحته الجسدية والعقلية. وتُعد الوقاية من نقص الحديد مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والنظام الصحي، ويجب أن تبدأ منذ فترة الحمل وتمر عبر مراحل نمو الطفل المختلفة. التغذية المتوازنة الغنية بالحديد، إلى جانب الرضاعة الطبيعية والفحوصات الطبية المنتظمة، تمثل أدوات فعالة لضمان تمتع الطفل بمناعة قوية وتطور ذهني وسلوكي سليم.

المراجع:

• World Health Organization. “Iron Deficiency Anaemia: Assessment, Prevention and Control.” Geneva, 2001.

• National Institutes of Health, Office of Dietary Supplements. “Iron — Fact Sheet for Health Professionals”, 2023.